الدكتور مهندس محمد حافظ
أستاذ هندسة السدود وجيوتكنيك السواحل الطينية
كشف الدكتور مهندس محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود
وجيوتكنيك السواحل الطينية بالجامعة التكنولوجية "شاه علم" بماليزيا، عن
إخفاء الحكومة الإثيوبية بعض الأبحاث الفيزيائية على التربة عن المفاوض المصري،
مبينا أن تلك الأبحاث كشفت خريطة ميكانيك التربة أو ما يسمى "جيوتكنيك"
علم التأسيس، بكثافة الحفر والكهوف، وامتلائها بالغازات، ما يؤدي إلى انهيار جسم
السد في أي لحظة.
وأوضح حافظ أن الأبحاث التي قامت بها شركة "G. Censini"
الإيطالية، استخدمت أسلوبًا حديثًا لرسم صورة أوضح أسفل أساسات جسم السد الخرساني،
وأيضا أسفل سد السرج الركامي، وأن هذا الأسلوب يعتمد على عدد من أبحاث التربة
يُسمى "geophysical
exploration"، مشيرا إلى أن فكرة هذا النوع من
أبحاث التربة لا تحتاج عمل أي جسات أرضية أو أخذ عينات، وأنها تعتمد على فكرة
إرسال موجة صوتية، معروف طولها وذبذبتها عبر طبقات الأرض المفترض بناء السد
الخرساني عليها، ثم استقبالها عبر ما يعرف بـ"Geophone".
وقال أستاذ هندسة السدود وجيوتكنيك السواحل
الطينية إنه من خلال مقارنة طول وذبذبة الموجة الصوتية المرسلة والمستقبلة، تمكنت
الشركة الإيطالية من معرفة نوعية الصخور التي سافرت خلالها تلك الموجات، مؤكدًا أن
تلك الأبحاث اعتمدت في عملها على تثبيت عدد من الكابلات ذات الـ"Geophone"، على
أساسات الجدار الشرقي والغربي لسد النهضة، بالإضافة إلى عدد من الكابلات الأخرى في
قاع مجرى النيل، مبينا في الوقت نفسه أنه من خلال تحليل النتائج الإحصائية تبين وجود
عدد كبير من الكهوف أسفل أساسات سد النهضة، وأن أغلبها يقع عند منسوب 485 مترا فوق
سطح البحر، أي أسفل أساسات السد بحوالي 15 مترا فقط.
"الكهوف ناتجة عن تحلل أحجار جيرية تقع تحت
قاع أساسات سد النهضة".. بتلك العبارة أوضح الدكتور محمد حافظ الأسباب التي
أدت إلى انتشار تلك الكهوف أسفل سد النهضة، موضحًا أن هناك عملية تحلل تعرضت لها
كربونات الكالسيوم وأكسيد الكالسيوم نتيجة لعملية غسيل جزئيات الكالسيوم من تلك
الأحجار، ما أدى إلى إصابتها بالهشاشة التي خلقت فجوات كهفية ضخمة.
الكارثة التي أكدها أستاذ هندسة السدود وجيوتكنيك
السواحل الطينية، أن تلك الفجوات الكهفية، لا يوجد أي دليل علمي ثابت يؤكد أو ينفي
ملئها بأي مادة صلبة، خاصة قبل أن يبدأ المهندسون في صب خرسانة الأساسات، التي
جاءت بشكل عاجل نتيجة قرار رئيس الوزراء الإثيوبي ببناء السد بشكل متهور، مشيرا
إلى أن جميع المعلومات التي وصلته من مهندسي الشركة الإيطالية أكدت وجود مشاكل
حقيقية أسفل أساسات سد النهضة، وأن عملية تحسين التربة التي سبقت صب خرسانة
الأساسات فشلت فشلًا ذريعًا، ما أدى إلى إصابة التربة بما يسمى "Grout Curtains"، أو
سيولة الطبقات.
أما عن الفجوات أو الكهوف نفسها، فقد أوضح الدكتور
حافظ أن تلك الكهوف تبدأ في صخور الأحجار الجيرية، وأنها تتزايد وتتسع مع انخفاض
معدل الـ PH لماء
بحيرة التخزين، مبينا أن التقدير الذي وضعه خبراء علوم الـ"جيوتكنيك"
اعتمادا على تحليل بيانات أمواج "Geophone"، أظهرت أن أساسات سد السرج المساعد
ليست مبنية على نوع واحد من الصخور، وأنها مبنيه على 4 أنواع مختلفة، فجزء منها تم
بناؤه على صخور جرانيت، وجزء آخر مبني على صخور "Phyllite"، وآخر مبني على صخور "Schist"، وان معظم تلك الصخور مصابة بعوامل
التعرية ما جعلها مفككة وضعيفة.
الأكثر من ذلك، وطبقا لعالم السدود، أظهر تحليل
نتائج الأمواج الصوتية وجود عدد كبير من الفوالق تحت قاع السد الخرساني والركامي،
ما يعني أن خبراء السدود والموارد المائية سيعجزون كثيرا أمام تقدير حجم التسريب
المتوقع أثناء ملء بحيرة سد النهضة، وأن التقدير المُعلن حاليا الذي يتخطى الـ"8.7"
مليار متر مكعب، ما هو إلا تخمين لم تختبر مصداقيته بعد، مشيرا إلى أنه بعملية
حسابية بسيطة سنجد أن فقدان النيل الأزرق خلال عملية ملء السد ستصل إلى 11 مليار
متر مكعب، وهي 8 مليارات للتسريب، بالإضافة إلى 3 مليارات متر مكعب في عملية
التبخر، وهي تساوي 22.9% من حجم مياه النيل الأزرق والتي تصل إلى حوالي 48 مليار
متر مكعب، أي أن ما سيتبقى سنويا أمام إثيوبيا لتحجزه لن يزيد على 37 مليار متر
مكعب، وهذا يعني إنها في خلال 3 سنوات ستكون قادرة على تخزين ما يعادل 111 مليار
متر مكعب.
غازات قاتلة
كل ما سبق من مُعطيات أكدت- طبقا لخبير السدود
الدكتور محمد حافظ- أن سد النهضة مُهدد بالانهيار بالفعل، وأن ذلك يمثل كارثة
إنسانية تفوق كارثية حجز المياه عن دولتي المصب، مبينا أن التكوين الطبوغرافي لسد
النهضة بإثيوبيا يختلف كثيرًا عن مثيله في مصر، أي السد العالي، فسد النهضة، الذي
يقع بالقرب من الحدود الإثيوبية- السودانية، يحتل مساحة كبيرة من أراضي الغابات
الاستوائية ذات الصخور المتحولة، على عكس بحيرة السد العالي التي تقع بمنطقة
صحراوية يتخللها بعض المقاطع الجرانيتية أو الرسوبية مثل الأحجار الرملية.
وقال الدكتور حافظ إنه بمجرد ملء بحيرة سد النهضة
بارتفاع يعادل 140 مترًا، سيغرق كامل الغطاء الغابي الأخضر تحت الماء ليموت ببطء
ويتعفن، ثم يتحول لذرات كربونية تتصاعد على هيئة فقاقيع غازية تزيد نسبة غاز ثاني
أكسيد الكربون وغاز الميثان في محيط البحيرة، مبينًا أن كمية الغازات الكربونية
الناتجة عن تعفن الغطاء الغابي واللازمة لتوليد واحد كيلو وات كهرباء، تقدر بقرابة
225% من نفس الغازات الكربونية التي تنتجها محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم لإنتاج
نفس الكمية، كما تعادل قرابة 450% من نفس الغازات المنتجة من محطة كهرباء تعمل
بالغاز الطبيعي، وتعادل قرابة 2000% من نفس الغازات التي ينتجها سد كهرومائي آخر
له نفس بحيرة التخزين لكنه لا يقع في المنطقة الاستوائية بل في فرنسا على سبيل
المثال.
وأوضح حافظ أن زيادة نسبة الغازات الكربونية في
ماء بحيرة سد النهضة، سوف تؤدي إلى زيادة سرعة حموضة المياه المخزونة المتراكمة
بالبحيرة، والممنوع خروجها إلا عبر فتحات التروبينات، ما يعني بقاءها شبه ساكنة في
البحيرة لفترة طويلة من الزمن، قبل خروجها من فتحات التوربين والتعرض للهواء الجوي
مباشرة خلال سفرها للسودان ومصر، مؤكدا خطورة زيادة حموضة المياه، لأنها سوف تعجل
من سرعة تآكل الصخور المتحولة بالمنطقة، وتحت أساسات السد تحديدا، وربما بعد فترة
من الزمن أقل من 5 سنوات يتعرض سد النهضة لما يتعرض له سد الموصل اليوم من تآكل
سريع لأرضية أساساته.
0 تعليقات