صلاح زكي احمد
" هناك نوع من الناس ، الذين يطلقون على
أنفسهم ، وصف " مثقفين " أصحاب غُدة من الكراهية والحقد لا تعرف عن ثورة
يوليو وتاريخها غير بعض الإخفاقات ، ولا يذكرون أي إنجاز أو مكسب تحقق للأغلبية
الساحقة من الشعب المصري !!!
أناس لو بحثت عن
الأصول الاجتماعية لغالبيتهم ، ستجد أنهم من أبناء الفلاحين أو العمال أو صغار
الموظفين ، بمعنى آخر ، أنهم من أبناء الطبقات والفئات الاجتماعية التي استفادت من
قوانين العدالة الاجتماعية ، مثل : مجانية التعليم ، والإصلاح الزراعي والحد
الأدنى للأجور ، وغيرها وغيرها من تلك القوانين التي لولاها ما شهد هؤلاء الناكرين
للجميل الكارهين للثورة ، يوماً واحداً من الكرامة وعزة النفس ...
هؤلاء ، لا يتم
علاجهم إلاّ في مصحة عقلية أو البحث عن مستشفى مُتخصص في معالجة غدد الكراهية ،
وفقدان البصيرة " !!!
***
انتهى كلام الأستاذ "
عودة " ، وانتقل الرجل الى رحمة الله ، غير أن هذه الفئة الضالة الكريهة ، لم
تنتهي ، وفي الغالب لن تنتهي ، فالحياة لا تخلو من هؤلاء ، لا تخلو من الشر لكي
نُدرِكْ معنى الخير والفضيلة والحب ، لا تكتمل الحياة دون وجود هذه الفئة ، التي
تستوي في الغواية والحقد والكراهية مع الشياطين والمنافقين وأصحاب الدرك الأسفل من
النار ...
****
أتذكر منذ زمن تجاوز
عشرات السنوات ، أن خصص الأستاذ " أحمد بهاء الدين " رئيس مجلس ادارة
دار الهلال العتيدة ، العدد التذكاري لمجلة المصور بمناسبة الإحتفال بثورة يوليو
في عام ١٩٦٥ ، خصص غالبية صفحات هذا العدد لموضوع واحد ، وفكرة واحدة ، وتقع تحت
عنوان لافت وعبقري هو :
" كان يا مكان "
قام الأستاذ " بهاء
" بوضع حشد هائل من الصور ، الصورة ونقيضها ، مثل فقير مصري ، يجر عربة ،
أشبه ب" الياشكا " الهندية تحمل أحد الباشوات الذي يتجاوز وزنه أكثر من
طن ، وهذا المواطن المُعدم الفقير ، يمشي حافي القدمين ، وبؤس الدنيا على وجهه !!!!!
ومثلاً : أحد
الإحتفالات الفخمة الباذخة الثراء والسفه ، التي تجمع المئات من زوجات وأميرات
الأسرة الملكية ، وعشيقات الأمراء ، وزوجات السفراء والوزراء والباشوات ، والهدف ،
هو القيام بحملة خيرية ، تحت رعاية صاحبة السمو الملكي ، الملكة " ناريمان "
لجمع التبرعات لمكافحة ظاهرة الحفاء بين أبناء الشعب !!!
وهكذا يفرد الأستاذ "
بهاء " مئات الصور ، كل منها مصحوباً بكلمات قليلة ، صور مُعبرة ، غير أنها
صور مؤسفة ومُهينة وحزينة ومؤلمة ، وقد ختمها بصورة كبيرة لجريدة حزب مصر الفتاة ،
تجمع مئات من المصريين الفقراء الذين يفترشون الأرصفة في أكبر ميادين العاصمة ،
ميدان الإسماعيلية ، التحرير ، فيما بعد ، في يوم شتاء بارد وعاصف وقاسٍ ، ويكتب
تحتها ، وبمانشيت عريض عبارة مكونة من ثلاث كلمات :
" رعاياك يا
مولاي الملك !!!! "
****
قبلها كان الأستاذ "
خالد محمد خالد " قد أصدر كتاباً لم يّرىّ النور إلاّ لبضع ساعات ، قبل
مصادرته ، كان عنوانه " مواطنون لا رعايا " يشرح فيه صور البؤس والفقر
والحاجة ، والفقر الذي يصل ، والعياذ بالله ، الى حد الْكُفْر !!!! ...
**
قبلها بسنوات قليلة
نشر الأستاذ العميد ، الدكتور " طه حسين " بضع مقالات ناقدة وفاضحة
وكاشفة للظلم والقهر الإجتماعي الذي كان يعيشه الملايين من الشعب المصري ، فما كاد
المقال يعرف طريقه للنشر إلاّ وتُصادر الصحيفة الناشرة له ، ويُستدعى " طه
حسين " للنيابة العامة للإستجواب والتحقيق معه ...
ولم يُتّح للدكتور "
طه " نشر هذه المقالات في كتاب إلاّ بعد قيام الثورة ، ثورة يوليو !!!!
وكان عنوان الكتاب
قاسياً ومؤلماً ، كان العنوان هو " المعذبون في الأرض " ...
غير أن الإهداء كان
أقسى وأقصى ، حتى بات أهم وأخطر إهداء لعمل أدبي أو فكري في تاريخ العرب الحديث !!!
كان الإهداء يقول :
" الى الذين
يحرقهُم الشوق الى العدل ، والى الذين يؤُرقهم الخوف من العدل ...
الى أولئك وهؤلاء
جميعاً أسوق هذا الحديث "
الى الذين يجدون ما لا
ينفقون ، والى الذين لا يجدون ما ينفقون ...
يساق هذا الحديث "
**
انتهت كلمات الدكتور "
طه حسين " المدونة في صدر الصفحة الأولى من كتابه المؤلم والصادم " المعذبون
في الأرض " ولم ينتهي وعي وبصيرة عميد الأدب العربي ، فهو أول من أطلق عَلى
ما سُميّ آنذاك ، أي في صبيحة يوم ٢٣ يوليو " حركة الجيش " الى اسم "
الثورة " مُقدماً ألف دليل ودليل ، بأنها ثورة شعب انتفض بغضب وكرامة على
مجتمع " المعذبون في الأرض " !!
***
رحم الله أبطال ثورة
الكرامة ، ورحم الله كل من أمسك بيده قبس من نور العلم والمعرفة ليُبدد ظُلمة نظام
سقط يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، ولن يعود باذن الله ....)
****
صلاح زكي أحمد
القاهرة :
الساعات الأولى من
يوم الأربعاء الموافق ٢٢ يوليو ٢٠٢٠
0 تعليقات