عز الدين البغدادى@
ومن يملك السلاح ربما
يفرض إرادته في بلد تسوده الفوضى لكنه لن يستطيع أن يزور تاريخا لم يمض عليه قرن،
التاريخ ليس لعبة بأيدينا.
فقد قام بما عليه
وسجل المواقف، الشرفاء لهم مواقفهم وللعملاء والخونة أيضا لهم سجلهم. وإذا كان
هناك الآن إعلام زائف وقضاء يفتقر للنزاهة وسفارات تحكم العراق وبنادق خارج سيطرة
الدولة فإنه سيأتي وقت وينتهي فيه كل هذا، وسيكتب التاريخ لكل شخص ما يستحقه.
ضاري المحمود وشخصيات
كثيرة في الغربية وديالى وصلاح الدين وبغداد وكفري تلعفر (تركمان) والسليمانية (أكراد)
شاركوا في ثورة العشرين ولم يتركوا أهل الفرات الأوسط والجنوب لوحدهم في ساحة
المعركة، رفضوا ان يجعلوا الثورة حكرا لجهة ما أو طائفة ما أو عشيرة ما، وأثبتوا
أنها معركة الشعب بأكمله.. المتهم بوطنيته ليس له أن يتهم الوطنيين الذين بذلوا
الكثير الكثير حتى دخلوا سجل الشرف الوطني.
ضاري المحمود شارك مع
قوات العشائر في الجهاد عند دخول الانكليز في معارك الكوت وغيرها، وعندما اندلعت
الثورة كانت له مشاركة حقيقية.
وفي كتاب "الحقائق
الناصعة" يذكر الشيخ فريق مزهر الفرعون ص 306 ان السيد جدوع أبو زيد جاء الى
شيخ ضاري مندوبا عن العلماء يدعوه الى المشاركة بالثورة فكان جوابه: "إني
عربي ووطني عراقي، وها أني أبذل كل ما لدي من نفس ونفيس في سبيل مصلحة بلادي ضد
الظالمين، ولينعم العلماء وإخواني الزعماء عينا. وها أني باسم الله سأعمل وستسمعون
بأعمالي وترونها، تلك الأعمال التي يرضاها الله وترضون أنتم بها إن شاء الله"
ويذكر علي الوردي في
لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج 5، القسم الثاني، ص :68: ان الشيخ ضاري
عبر بصراحة عن ذلك أمام القائد البريطاني لجمن، الذي أراد ان يلعب على وتر
الطائفية ليمنع عشائر الدليم من المشاركة في ثورة العشرين فخاطبهم : " ان
الحكومة البريطانية حائرة في أمركم لاتدري هل تشكل حكومة شيعية او سنية؟ رد عليه
الشيخ ضاري بان العراق ليس فيه شيعة او سنة بل فيه علماء أعلام نرجع إليهم في أمور
ديننا. فقال لجمن : انتم عشائر والأجدر بكم ان تكونوا مستقلين.فرد عليه الشيخ ضاري
:ان علماءنا حكومتنا وقد أمرنا القرأن بإطاعة الله ورسوله وأولي الأمر منا، فإذا
اعتديتم عليهم فأننا سننتصر لهم، ونحاربكم بجانبهم، والأولى ان تلبوا ما أرادوا."
قبض على شيخ ضاري
المحمود، وحكم عليه بالإعدام سنة 1928 وهو في الثمانين من عمره، وتوفي السجن وخرجت
الجموع في تشييع مهيب وهي تنادي" هز لندن ضاري وبجاها".
ومع هذا أقول: بالنسبة
لفلم "المسألة الكبرى" فهو وإن كان سينمائيا فلما رائعا ومميزا إلا أنه
كان بلا شك محاولة خبيثة من النظام السابق لإلغاء الدور الأكبر لعشائر الفرات
خصوصا التي قامت بالثورة وقادتها، إلا أن هذا لا يلغي دور الكبير لأحد أبرز قادة
النضال الواعي ضد الاستعمار الانكليزي.
يا سماحة الأمين
العام للعصائب ما هكذا تورد الأبل، والوطني المقاوم لا يطعن برموز بلده.
"العراق ليس فيه
شيعة أو سنة" هذه الكلمة التي قالها شيخ ضاري الرجل البدوي البسيط وهي تدل
على وعي عميق جدا لم يمتلكه ساسة ومعممون ومثقفون بعد مائة سنة من ثورة العشرين
لأنهم اختاروا ان يكونوا في المشروع الطائفي وهو مشروع المحتل وهم يخدمونه بتبنيهم
له حتى وان وضعوا انفسهم في خانة المقاومة.
@الحوزة
العلمية في النجف الاشرف
0 تعليقات