عز الدين البغدادي
سؤال كثيرا ما يطرح: لماذا
خلقنا؟ وما هي الحكمة من ذلك؟ انه سؤال الإنسان التعيس، سؤال يطرحه المؤمن، ويطرحه
أيضا الملحد واللا أدري، فهو يعتقد بأنّ الإنسان وجد في هذه الأرض ليقاسي فيها
الألم والجوع والحزن، بل لا تجد شيئا لذيذا إلا اقترن بألم، ولا فرحا إلا تلاه حزن!!
فضلا عن ذلك التناقض بين آمال الإنسان وقابليّتها على تحقيقها فعلا. فأي حكمة في
هذا الخلق إذن؟ وما معناه؟ والإنسان فيه يعيش حالة من العبث والمأساة، والحياة
بالنسبة إليه ليست غير صخرة سيزيف.
يحاول المؤمن أن يجيب
عن ذلك، فيقول بأنّ الله لم يخلقنا عبثا ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ
عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )، حسنا ليس عبثا، ولا بدّ من وجود
حكمة وراء خلق الخًلق، لكن، ما هي؟ لن يستطيع أن يتجاوز ذلك: لم يخلقنا عبثا،
ويسكت.
وقيل بأنّ الله غنيّ
عن الخلق، ولم يخلق لحاجته لذلك. حسناً هذا مفهوم، لكن عندما تسأل: إذن لم خلق
الله الخلقَ ما دام غنيا عنه؟! فلن تجد جوابا.
هناك رواية عن الإمام
الصادق ع تقول بأنه سئل عن ذلك: لماذا خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى
لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدى بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته
فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولاليدفع بهم مضرة بل خلقهم
لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد.
فالله خلق الخلق
كرامة لهم، أو لينفعهم، وليدخلهم امتحان الحياة، فمن نجح فهو من أهل الجنة، حيث
نعيم الأبد. وأما من فشل في هذا الامتحان؛ فلن يأخذ إلا استحقاقه من الجحيم
والعذاب.
وهذا جواب ليس بجواب،
لأنّ السؤال سيعود: جلب المنفعة لهم أو دفع الضرر عنهم لا يكون إلا بعد وجودهم،
بينما السؤال: لم خلقَ اللهُ الخلقَ من أوّل؟
ثم بأي حال؛ فإن هذا
الامتحان صعب جدا، ولا ينجح فيه إلا النادر من الناس. وقد كان من الممكن أن لا
يخلقهم الله، وكان من الممكن أن يدخلهم الجنة رأسا بفضله ومنّه بدل هذا الإمتحان
الصعب الّذي لا ينجح فيه إلا الأقل من الناس.
وهناك من قال بأن
الإجابة موجودة، حيث قال عز وجل: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ ) ، حيث خلق الله الإنسان ليعبده فقط، ليتكامل بالعبادة، وليكون
بواسطتها أقرب إلى الله!!
إلا أن هذا الجواب
فيه مشاكل يثيرها أكثر مما يجيب عن أصل الإشكال، فهل من المعقول أن البشر ليس لهم
شغل ولا عليهم مسؤولية إلا العبادة؟ وإذا كان كل شيء لله؛ والإنسان ليس له غير أن
يعبد؛ فأين هو الإنسان؟ ولماذا كان وجوده؟
كان ينبغي برأيي أن
تدفعنا هذه الآية للبحث عن معنى أعمق للعبادة من ذلك المرتكز في نفوسنا وعقولنا،
حيث نتصور العبادة بمعناها الخاص وهي تلك الأفعال التي جعلها الشارع وحدَّدها
وكلّف الناس بأدائها من قبيل الصلاة والصيام والحج. بينما هناك المعنى العامّ، وهو
ما أرادت الآية برأيي أن تشير إليه وهو معنى مفتوح يشير إلى كلّ ما يُمكن أن
يُتقرّب به إلى الله، فيدخل فيها أيُّ فعلٍ فيه خيرٌ للنفس أو المجتمع.
فيكون المعنى أنّ
معنى العبادة واسعٌ لا ينحصر بما هو معروف من الطقوس بل يعمّ ليشمل كلّ ما يقرّ
إلى الله كما سبق أن ذكرنا. ويحتمل أنْ يكون ذلك جاء تعريضاً بالمشركين، فكأنّما
يقول لهم بأنّ سنّة الخلق والفطرة التي فطر الله الخلق عليها قد خالفوها بكفرهم.
وهذا ما يبيّن لك أن
الآية مجملةٌ، ولذا اختلف في تفسيرها، نعم أمر واحدٌ بيّن فيها وهو أنَّ العبادة
أمرها عند الله عظيم وهي مطلوبة من كلّ عبد.
وعموما فبعض الناس
يؤرقهم هذا السؤال، وهم تنفعهم مثل تلك الأجوبة التسكينية، إلا أنّها معرفيا لا
تنفع، فهي لا تحل أصل الإشكال، ولا تجيب عنه.
بالنسبة لي: أعترف
بأنّ هذا سؤال لم أصل فيه إلى جواب، كما لم أجد أحدا أجاب عنه جوابا مقنعاً، وإذا
كنت تصرّ على أن تسمع جواباً فهو: لا أدري. لكن يمكن أيضاً أن أقول لك: إنّه ينبغي
أن لا أشغل نفسي به. فأنا موجود فعلا، ويجب أن أعيش حياتي، وهذا كافٍ لي من حيث
الفهم ليبرّر لي حياتي.
وأقول بأنّ هذا
السؤال كثيرا ما يطرحه الملحد ليحرج المؤمنين بذلك، لكن: هل أجاب الإلحاد عن هذا
السؤال؟ كلا، لم يستطع، ولن يستطيع.
إذن لا يمكن هذا
السؤال أن يكون حجّة للملحد، بينما المؤمن يمكنه أن يقول بأنّ هذا من علم الله،
وأنا لم أصل لدرجة أكون معها قادرا على أن أجيب عن أي سؤال يطرح! فيكون هذا السؤال
كأسئلة كثيرة لم أجد حلّها بعد.
إنّ ما هو مؤكد، أنّ
هذا الكون في كلّ جزء من أجزائه مصنوع ومخلوق بشكل دقيق جدا، وإلى درجة تذهل
العقول، فلا يمكن أن يكون خلق الإنسان وأصل وجوده شاذّا عن ذلك.
وبأي حال؛ فإنّ
الملحد منهجيا لا يمكن أن يسأل مثل هذا السؤال، لأنّه يعني اعترافا بوجود خالق،
ويمكن أن نقول له بأنه وفق نظريته وجد صدفة!! وبما أنه وجد صدفة، فلن يكون هناك من
معنى للسؤال عن سبب الخلق لا سيما وأنه لا يؤمن بوجود غاية في الكون، ولا يجوز
السؤال ب "لماذا؟"، ولهذا قلت بأن هذا السؤال بالنسبة لملحد خطأ منهجيا.
0 تعليقات