آخر الأخبار

الغدير… عيد أم يوم مبارك؟



 

عز الدين البغدادي

 

حديث الغدير حديث معروف، وصحيح، حيث روي أن النبي (ص) بعد أن رجع من حجة الوداع وصل إلى غدير خم وهو مكان بين مكة والمدينة في 18 من ذي الحجة سنة 10 هـ، وهناك ألقى خطبة شهيرة قال فيها:«كأني قد دُعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعِتْرتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض». ثم قال: «إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن». ثم أخذ بيد عليٍّ (ع) فقال: «من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.

 

 

وهذا اليوم يوم مبارك من أيام الله، إلا أن السؤال الذي طرحه بعض الإخوة وهو يطرح نفسه فعلا هو: هل يمثل هذا اليوم عيدا من أعياد المسلمين؟ وهل فعلا هو "عيد الله الأكبر" كما يقال؟

 

 

من المعروف أن العيد يمثّل وقتا لإظهار السرور والفرح، وهو يمثل أيضا جانبا ثقافيا لأي مجتمع أو أمة. وبما أنّ هذه الأعياد ترتبط بالوضع الاجتماعي فإنها تمثل هوية مشتركة للمجتمع. وإذا نظرت إلى أول ما يأتيك من نصوص شرعية عن العيد؛ فإنك تجد حديثا نبويا يقول: قدم رسول الله (ص) المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما فى الجاهلية. فقال رسول الله (ص): إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر.

 

 

وهذا يعني أنّ العيد يرجع تحديده إلى الشارع، فهو أمر توقيفي لا يمكن تغييره بأي شكل كان، ولعلك تلحظ أن العيدين لهما جانب عبادي واضح جدا، فهما يرتبطان بموسمين عباديين هما: موسم الصوم في شهر رمضان، وموسم الحج.

 

كما ورد عن النبيّ (ص) وصف الجمعة بأنها يوم عيد، حيث قال: إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل.…

 

إن العيد يمثّل أمرا جامعا للأمة، فهو يوم فرح وسرور يجتمع فيه الناس. وهو يثبت لا بالنص فقط، بل وبالسيرة المتصلة يدا بيد. وبالتالي فلا يمكن أن نأخذ حديثا ضعيفا لنثبت به عيدا، لأن العيد بطبيعته احتفال اجتماعي واضح معلن.

 

 

وبالنسبة ليوم الغدير الذي يسأل بعض الأخوة: هل هو عيد من أعياد الإسلام؟

 

والجواب: بلا شك، فإن يوم الغدير هو يوم مبارك من أيام الله، فهو يوم الذي أعلن النبي (ص) أمام الملأ ولاية مولانا أمير المؤمنين علي (ع) وقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاده.

 

 

إلا أنه هناك من يرى أن الأمر يتجاوز ذلك، وأن هذا اليوم يحتفل به كعيد، ويستدل ذلك بأدلة ننظر فيها:

 

 

روى الكليني قال: عن عدة من أصحابنا, عن سهل بن زياد, عن عبد الرحمن بن سالم عن ابيه قال: سالت أبا عبد اللّه الصادق (ع): هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم , أعظمها حرمة , قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول اللّه (ص ) أمير المؤمنين (ع ) وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه , قلت: وأي يوم هو؟ قال: وما تصنع باليوم؟ السنة تدور, ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة …..

 

 

والسند ضعيف، فيه سهل بن زياد.

 

 

وروى الصدوق عن الحسن بن راشد قال: قيل لأبي عبد اللّه (ع ): للمؤمنين من الأعياد غير العيدين والجمعة؟ قال: فقال: نعم , لهم ماهو أعظم من هذا, يوم أقيم أمير المؤمنين (ع ) فعقد له رسول اللّه (ص ) الولاية في أعناق الرجال والنساء بغدير خم.

 

 

وفي السند القاسم بن يحيى الذي ضعفه ابن الغضائري، كما ذكره الشيخان في فهرسيهما دون توثيق.

 

وروى الشيخ الطوسي عن علي بن الحسين العبدى قال: " سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا … وهو عيد الله الأكبر…..

 

وفي السند محمد بن موسى الهمدانى، وهو ضعيف. أيضا علي بن حسان، وهو ضعيف قال عنه ابن الغضائري: غال، ضعيف. رأيت له كتابا سمّاه "تفسير الباطن" لا يتعلّق من الإسلام بسبب.

 

وعن المفضل بن عمر قال الصادق عليه السلام: إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله عز وجل كما تزف العروس إلى خدرها يوم الفطر، ويوم الأضحى ويوم الجمعة، ويوم غدير خم. وإن يوم غدير خم بين الفطر والأضحى والجمعة كالقمر بين الكواكب….الخ

 

ويكفي أن في سنده المفضل بن عمر، وهو كذاب غال.

 

وروى الشيخ رضي الدين الحلي قال: قال مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا …. وهو عيد الله جل اسمه الأكبر وما بعث الله نبيا إلا وتعيد في هذا اليوم.

 

لكنه ذكره بغير سند، فضلا عن غرابة متنه حيث ذكر أنه "وما بعث الله نبيا إلا وتعيّد في هذا اليوم"، وهو غير ممكن وفق أي فهم كان لأنّ الولاية متفرعة عن الإسلام، فلا يكلف بها من سبقه.

 

وقال السيد ابن طاووس في كتاب مصباح الزائر: ومما رويناه وحذفنا إسناده اختصارا أن الفياض بن محمد الطوسي حدث بطوس سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين أنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته، قد احتبسهم للإفطار، وقد قدم إلى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غير من أحوالهم وأحوال حاشيته، وجددت له آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقديمه…..

 

وقد ذكر الحديث بغير سند، فلا قيمة له بغض النظر عن تبريره لذلك.

 

كما ذكر ابن طاوس في "إقبال الأعمال" عددا من أعمال عيد الغدير إلا أنّه لم يذكر رواية تنهض بالدعوى بأي حال.

 

وبالتالي فإن يوم الغدير هو يوم ولاية أمير المؤمنين علي (ع) وهو يوم مبارك من أيام الله إلا أنه من الناحية الشرعية لا يسمى عيدا، بل إن أعياد المسلمين هي الفطر والأضحى والجمعة، لا سيما وأن العيد أمر عام يجمع المسلمين كلهم ولا يوجد عيد لطائفة دون غيرها.

 

ثبتنا الله وإياكم على ولاية آل محمد، الولاية الحقة في قول الحق والثبات عليه.

 

( لم نذكر أسماء الكتب وأرقام الأجزاء والصفحات في المنشور اختصارا)...


إرسال تعليق

0 تعليقات