علي رجب
شهدت مالي خلال الأيام
الماضية انقلابا عسكريا تنحى على أثره الرئيس أبو بكر إبراهيم كيتا، من الحكم، و
قدم الكولونيل آسيمي جويتا، مساء الأربعاء 19 أغسطس، نفسه زعيماً للتحرك العسكري
الذي أرغم الرئيس إبراهيم ببكر كيتا على الاستقالة من منصبه، في انقلاب عسكري أبيض
كان محل رفض واسع من المجموعة الدولية، فيما عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً
طارئاً حول الوضع في مالي.
ولكن جميع الأنظار
اتجهت إلى الرجل الهادئ والشيخ المسن محمود ديكو، صاحب الأصول العربية الذي يتحدر
من منطقة تمبكتو التاريخية وسط مالي، حيث يشير المراقبون انه صانع التغيير في مالي
والرجل الابرز في الدولة التي تشهد عدم استقرار امني وسياسي وتغول الجماعات الإرهابية
منذ انقلاب مشابه في 2012ن والذي اعتبره البعض بمثابة آية الله خامنئي لقادة
الانقلاب، أو تكرار لثنائية عمر البشير وحسن الترابي في انقلاب الذي شهده السودان
في 1989 وعرف بانقلاب الإنقاذ.
الإمام
ديكو
ولد الإمام ديكو في
منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في منطقة "تمبكتو" بالشمال المالي،
كان في الأصل مدرسًا للغة العربية، تلقى تعليمه الأول في المدرسة التقليدية لوالده
حيث حفظ القرآن الكريم ثم انتقل إلى موريتانيا
حيث استكمل دراسته الشرعية في المعهد الإسلامي بمدينة بوتلميت التي تخرج
منها عام 1973، ثم أكمل دراسته في السعودية وتأثر إلي حد ما بالمنهج السلفي، قبل أن يصبح إماما لأحد أكبر مساجد عاصمة
البلاد باماكو، ثم لاحقا ترأس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي ، في 2008، الذي يعد
أعلي هيئة شرعية في مالي.
كذلك تقلد الإمام "ديكو"
منصب الأمين العام لـ"جمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام التي تعد أول جمعية
إسلامية تأسست في مالي عام 1980، وكان مسئولا عن البرامج الإسلامية في الإذاعة،
وفي عام 2000 ترأس تجمع الجمعيات الإسلامية في مالي.
ورغم انتمائه جغرافيا
إلى إقليم "أزواد" مركز نشاط الحركات المتشددة، يوصف ديكو بالاعتدال،
وعرف عنه رفضه لفكر هذه الحركات، كما قد سبق للحكومة أن اختارته لفتح قنوات الحوار
مع بعض التنظيمات المسلحة.
مرشد
التغيير
يعد الإمام ديكو
المعروف بين أنصاره بـ"إمام الشعب" من اللاعب الرئسيين في المشهد
السياسي المالي خلال السنوات الماضية، ولعب دورابارزا في وصول الرئيس إبراهيم كيتا
إلى الحكم في عام 2013، بوصفه شخصية دينية مؤثرة جدًا في السنوات العشر الأخيرة
بالبلاد ترأس خلالها المجلس الإسلامي الأعلى، ولكن لاختلاف التوجهات وعدم وفاء
الرئيس ميت-وفقا لأنصار الإمام ديكو- بتعهداته عاد إمام الشعب أو مرشد انقلاب
أغسطس الى صفوف المعارضة والتظاهر ضد "كيتا".
وتخلى ديكو سنة 2017
عن قيادة منصبه الحكومي رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى ليتفرغ لإنشاء حركته
السياسية الخاصة بهذه، في خضم محاولات له لفتح حوار مع الحركات المتشددة وخاصة مع
زعيم حركة "أنصار الدين" التي يقودها "أياد غالي" المقرب من
تنظيم القاعدة الإرهابي، وهو توجه للحوار كانت مالي رسميا أيضا قد دعت له.
"ديكو" قاد
حركة "5 يونيو( M5)" المعارضة، وهي الحركة التي تشكلت من أطياف المعارضة ضد سياسية"كيتا" وقاد تظاهرات حاشدة
تطالب باستقالة الرئيس المالي المتنحي.
حركة "5 يونيو"
بقياة إمام الشعب تحالف بين قوى المعارضة والقادة الدينيين يعمل على تأجيج الغضب
الشعبي في ظل الاقتصاد المتردي في البلاد والفساد الحكومي والنزاع العسكري المستمر
منذ 8 سنوات مع الإرهابيين.
انتقال الإمام محمود
ديكو إلى المعارضة السياسية يشكل سابقة في مسار الشخصيات الدينية في البلاد، وتزيد
الكاريزما التي يتمتع بها من المخاوف من أن يتحول إلى شوكة في حلق النظام الذي لم
يتأخر في محاولة كبح زخمه السياسي حينما وُجهت له تهمة تتعلق بالمساس بالأمن
العام، لكن نزول أنصاره إلى الشارع حال دون استمرار السلطات في مضايقة الداعية
الإسلامي.
فقد شهدت العاصمة المالية باماكو خلال الأسبوع
الأول من يونيو 2020، مظاهرات غير مليونية
طالبت برحيل الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا منددة بسوء إدارة البلاد.
وقال الإمام ديكو في
ساحة الاستقلال بباماكو:” نندد بسوء إدارة النظام والتجاوزات والاختلاسات والكذب”.
كما حمّلت الحشودُ الرئيسَ المالي مسؤولية جل المشاكل التي تعيشها البلاد من “سوء
للإدارة وفساد وتدهور غير مسبوق للخدمات الاجتماعية واحتداد فقر الطبقات الكادحة"
حسب بيان لمنظمي الاحتجاجات. ووجه المتظاهرون إنذارا للرئيس كيتا بتقديم استقالته
حتى الساعة السادسة مساءً من اليوم نفسه، رافعين لافتات مكتوب عليها “سبع سنوات،
يكفي".
ومع تصاعد الاحتجاجات
دعا الرئيس إبراهيم ببكر كيتا، إمام الشعب الى الحوار لتهدئة الشارع حيث
التقى "كيتا" ففي مكتبه بالقصر
الرئاسي مع الإمام ديكو، في يونيو 2020 ، تباحثا حول سبل وآليات تهدئة الأوضاع
الاجتماعية والسياسية في البلاد، وفقا لبيان رئاسة مالي.
وذكرت تقارير إعلامية
دولية أن لقاء الرئيس والإمام توصل لاتفاق
على إبقاء رئيس مالي كيتا في منصبه برئاسة "شرفية" مع حكومة وحدة وطنية
ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، لكن عدم وفاء "كيتا" أدى الى
عودة التظاهرات وانقلاب أغسطس 2020 بقيادة الكولونيل آسيمي جويتا.
موقفه
من فرنسا
موقفه من فرنسا يمثل
موقف برجماتي لإمام الشعب، حيث دعا باريس الى احترام رغبة الشغب المالي، قائلا في
خطاب له :" أنا لست عدواً لفرنسا، لكن على فرنسا أن تحترمنا".
عرف عنه تأييده
للتدخل العسكري الفرنسي في مالي سنة 2013، تحت أسم عملية "السرفال"،
ورفض في تلك الفترة وصف تدخل باريس بأنه احتلال، معتبرا أن فرنسا "جاءت لنجدة
شعب منكوب" على حد وصفه.
حيث تنامت سطوة
الجماعات الإرهابية والانفصالية في مناطق
شمال مالي خاصة مدينة تمبكتو التي ينتمي
إليها الشيخ ديكو، في نهاية 2011 ونجحت
التنظيمات الإرهابية "حركة التوحيد والجهاد" وحركة "أنصار الدين"
المقربان لتنظيم القاعدة بالتعاون مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد في تأسيس دولة
أزواد الإسلامية في إبريل2012 مسيطرة بذلك علي مناطق شمال مالي.
عدو الإخوان
إمام الشعب ابدي تخافوه
من سيطرة التيارات المتشددة على مالي، فدعم ، فأعلن دعمه "عملية السرفال"
التي أطلقتها فرنسا في يناير 2013 لمحاربة التنظيمات الإرهابية في شمال مالي
ومنعها من السيطرة على العاصمة بماكو، متجاهلا الحملى الشواء التي شنتها المنصات الإخوانية المنددة بالتدخل الفرنسي في شمال مالي، وضد الإمام "ديكو".
وقد قيام العديد من
التنظيمات الإخوانية في مصر موريتانيا
والمغرب، خلال 2013، بإصدار بيانات
إعلامية منددة بالتدخل الفرنسي، ففي موريتانيا أصدر نحو 39 داعية وعالم ديني بحرمة
المشاركة في الحرب والتعاون مع فرنسا واعتبارها دولة غازية، كما أطلقت جمعية
العلماء المسلمين في الجزائر بيانا مشابها رافضا للحرب الفرنسية في مالي، وفي مصر
دعت "الجبهة السلفية" التي أصبحت ضمن تحالف الإخوان في مرحلة ما بعد 30 يونيو أنصارها للاحتجاج أمام السفارة
الفرنسية بالقاهرة للتنديد بما يسمي بالممارسات الاحتلالية الفرنسية في مالي.
مالي
الى اين؟
ولكن الشيخ الإمام لم
يلتفت ويتأثر بحملة الإخوان وكان داعما لموجهة الإرهاب والجماعات المتشددة، وتحقق
له ذلك، وقاد التغيير في مالي لسنوات عديدة ، ليطرح تساؤلا مستقبل مالي في ظل
الحضور الطاغي لشيخ ديكو بين أبناء الشعب المالي.
-السيناريو
الأول " جماعة ضغط
يتجه السيناريو الأول
أن يلعب"ديكو" دور الحارس والمراقب، عبر الإمساك بخيوط الشارع والسلطة عبر وجود حلفائه في السلطة أو
لعب دور جماعات الضغط في الأنظمة الديمقراطية.
-السيناريو
الثاني- سيناريو الخميني
السيناريو الثاني هو
سيناريو سيطرة "ديكو" على السلطة، كما فعل آية الله الخميني في الثورة الإيرانية
عام 1979، وتحول إيران إلى الجمهورية الإسلامية،
وهو سيناريو يتوقف على الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية وخاصة فرنسا.
-سيناريو "البشير-الترابي"
السيناريو الثالث في
صعود"ديكو" الى السطة هو تكرار تجربة نظام الانقاذ برئاسة الرئيس
السوداني السابق عمر البشير-ازيح بثورة شعبية عن حكم السودان في أبريل 2019- تحالفه
مع الزعيم الاسلامي الراحل حسن الترابي في الاستيلاء على السلطة في السودان وحكم
الدولة الافريقية نحو 30 عاما.
هل يكرر الإمام "ديكو" سيناريو "البشير- الترابي" في السودان، ام
يسطو على السلطة في تكرار لموقف الخميني في ايران
1979، ام انه سيكتفى بلعب دور الحارس، للدولة والشعب ومراقبة السلطة؟
0 تعليقات