علي الأصولي
الأساسات والمرتكزات
إن مسألة السجالات والجدالات الكلامية الفلسفية ليس وليدة مقطع
تاريخي بعينه،
فالمنقول الذي وصل لنا أن تاريخ هذه المماحكات قديمة بقدم نفس
الأفكار وتباين وجهات النظر ، ولعل الفلاسفة الإغريق واليونان لهم النصيب الأكبر
في تثبيت هذه المسألة التي وصلت عبر تاريخهم العتيد،
وقد أخذت هذه السجالات الحيز الأكبر في العهد الإسلامي وتحديدا
ابتداء من القرن الثاني حيث بداية نشوء المذاهب والمدارس الفكرية والعلمية داخل
الجسد الإسلامي العام.
فقد صاحبة هذه السجالات عناوين اللجاج والخصومة والقطيعة والتناحر بل
والتقاتل في بعض الأحايين،
وتميز المجادل بسمة المصلحية المفرطة في سبيل إثبات صحة ما يذهب
إليه فكرا أو عقيدة، ورمي الخصم بالبطلان المطلق. بدون النظر إلى بعض جوانب ما
يذهب إليه الخصم إذ ربما تكون صحيحة وفقا للمباني العلمية،
وتحول السجال والجدال. من موقع إثبات الرأي المتبنى إلى موقع إثبات
خطاء وأخطاء الآخر بقول مطلق، وبالتالي لا نتيجة مثمرة جراء هذه الحروب الكلامية،
إلا مزيدا من التباعد،
القرآن الكريم ساير الفطرة الإنسانية - لان الإنسان بطبعه ميالا
للجدل - ولم يكبح هذا الطبع بل حاول توجيهه فحسب ولذا نجد قرآنيا - وجادلهم بالتي
هي أحسن - سورة النحل/. فهذه الآية عبارة عن توجيه وتهذيب لنفس الجدال وإلا بدون
هذا التوجيه ينفرط الجدال إلى مشاكل وهو نقض لغرض الفائدة المرجوة بطبيعة الحال من
فكرة أصل المجادلة،
نعم: حث القرآن الكريم على ضرورة تقديم البراهين في أي دعوى وضرورة
مطالبة الآخر بالبراهين على ما يدعي ( قل هاتوا برهانكم برهانكم أن كنتم صادقين )
البقرة ١١١.
وأما قصة ( تعالوا إلى كلمة سواء ) آل عمران ٦٤/ فهي دعوة نقاشية
بلحاظ التطور الثقافي والمعرفي آنذاك، ولكن لا يعني هذا عدم تطوير الآلية النقاشية
وإخراجها من كونها جدال كلامي فلسفي إلى حوار حضاري. لإثبات صدق المدعيات
وواقعيتها،
وعندما أقول واقعيتها فانا اعني أن الواقع تارة يكون ملحوظ بذاته
وتارة يكون ملحوظ بحسب ذواتنا على ما ذكره الفيلسوف كانت، فالواقع لا يمكن ادعاءه
بالنسبة لنا بل الأمر متروك لإفهامنا حول الواقع الذي أثبتنا واقعيته بالدليل
والبرهان،
اختلاف زاوية النظر!
وانسياقا مع ما قرره الفيلسوف - كانت - الواقع بحسب ذاته والواقع
بحسب ذواتنا - وما نحن فيه الآن،
ربما تسعفنا القصة الرمزية التي رواها أو رويت عن - بوذا - وحاصلها
: جيء بمجموعة من - العميان - وأمروهم بان يتلمس كل منهم جزء من الحيوان - الفيل -
الذي وضع أمامهم. أحدهم تلمس الرأس والأخر تملس الأذن والثالث تلمس الذيل، والرابع
تلمس الرجل،
وبعد هذه العملية كل منهم أعطى وصفا مغايرا لما وصف به الآخر،
وبالتالي اختلفوا بالتوصيفات ولم يعلم اي منهم ما هو الحيوان الذي كان أمامهم!
لعل قصتنا شبيه إلى حد كبير وقصة العميان - وهذا الفيل - فكل جماعة
تصف الدين من خلال الزاوية التي تمت رؤيته منها. ولذا كل جماعة ذهبت توصيف دينها
من خلال أئمة مذهبها.
هذه القصة يمكن أن تكون صحيحة. وصحيحة جدا فيما لو لم تكن هناك
مرجعية برتبة سابقة تحدد طبيعة النظر والزاوية. وهذه المرجعية يفترض كونها مرجعية
- معصومية - لضمان صحة الحكم والنظر وبالتالي النتيجة،
وهذا ما نحاول إثباته من خلال هذه القراءة - الأساسات والمرتكزات -
فعلينا برتبة سابقة طوي عدة مقدمات والتدليل عليها للخروج من إشكال قصة وقبضة -
عميان بوذا والفيل - وعليه: ما قرره - كانت - صحيح إلى حد ما ، ولكننا سوف نستعين
بقنوات ندعي أنها على علم وإطلاع على - الواقع لذاته - ولأجل ذلك عقدنا هذه
القراءة. والى الله تصير الأمور، والحمد لله رب العالمين.
0 تعليقات