آخر الأخبار

مع فخر المخدرات في سفر الإباء

 

 





الشيخ عمار الشتيلي

 

 

معروف أنّ المرأة تمتاز برقّة المشاعر ، وشفافيّة العواطف ، ممّا يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ؛ لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً.

 

وإذا كانت هذه الحالة تمثّل الاستعداد الأَوّلي في نفس المرأة ، فلا يعني ذلك أنّها تأسُرها وتَقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية ، فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوّة الإرادة ونفاذ الوعي وسموّ الهدف ، أنْ تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية.

 

وهذا ما أثبتته السيّدة زينب ع في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في كربلاء وما أعقبها من مصائب سفر الإباء من كربلاء إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشام.



فالشجاعة الزيبية ركيزة مهمة تميزت بها قيادتها لركب ال الرسول صلى الله عليه وآله بمعية الإمام السجاد ع، لما لها من مظاهر ومضامين وتجليات نعرض لبعضها تباعا :

 

أولا : التسليم لأمر الله تعالى

هذه الشجاعة تعطي قوة لشخصية الإنسان ، وتجعله راضيا ومنسجما روحيا ونفسيا مع إرادة الله تعالى ومشيئته ، وهذا ينعكس إيجابيا على كل ما يقدمه في سبيل الله بلا خوف ولا حزن ولا تحرج من لومة لائم، وعندها سيكون التسليم لإرادة الله شجاعة في تقبل المواقف الصعبة، والرضا بالتضحية على اختلاف أشكالها، وعظيم أثمانها، واستصغار كل عطاء وفداء في ساحة إحقاق الحق وإعلاء كلمة الإسلام.



أعطيت ربي موثقا لا ينتهي إلا بقتل فإصعدي وذريني

 

هذا دمي فلترو صادية الظبا منه وهذا بالرماح وتيني

 

خذها إليك هدية ترضى بها يا رب أنت وليها من دوني

 

أنفقت نفسي في رضاك ولا أرا ني فاعلا شيئا وأنت معيني



من كلام للإمام الحسين ع :( لك العتبى ياربّ، صبرا على قضائك، ياغياث المستغيثين، لا معبود سواك، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى)

مقتل الإمام الحسين، المقرم، ص : 357

 

(قال ابن زياد للسيدة زينب ع : كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ ؟فَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ)

البحار،. المجلسي، ج٤٥، ص : ١١٥



ثانيا : التوازن بين العقل والعاطفة

من كواشف الشجاعة عند القيادة هو الموائمة بين العقل والعاطفة في المواقف الصعبة، والمنعطفات الحساسة التي تعترض الحركة الإسلامية، والحراك الرسالي والجهادي.

 

وأجلى مصداق لذلك صمود السيدة زينب ع وثباتها أمام الأعداء كالجبل لا تزلزله العواصف، فكانت تحاجج القوم، وتكشف قبح حقيقتهم، وتصحح مسارات الرسالة، وتشذبها مما علق بها من سموم فكرية وشبهات عقدية، دون أن يثنيها عن ذلك تدفق عاطفتها المتأوهَه على فقد أهل بيتها ع ، ودون أن ينهار صبرها أمام بكاء اليتامى وانين الثكالى.



ثالثا : مهارة توجيه الرأي العام

من كواشف الشجاعة التي تميزت بها القيادة الزيبية امتلاك مهارة التعامل مع المواقف بحسب معطياتها ، ومع طبقات المجتمع بحسب اختلاف ميولهم النفسية ومعتقداتهم الدينية ومرتكزاتهم الفكرية.

 

فكانت توجه الرأي العام بمهارة فائقة رغم اختلاف طبيعة المدن وساكنيها ومستوى ثقافتهم على طول الخط الجغرافي الذي سار في ركب الإباء،. والذي كانت تخطب عليه السلام في جماهيره كلما سمحت لها الفرصة. والتي كانت ذروتها في الكوفة والشام.

 

فغالبية أهل الكوفة كانوا على معرفة كبيرة بالإمام الحسين ع، وعندئذ لم تكن بحاجة الى بيان هويته، وتوضيح منزلته الرفيعة. و إنما أرادت بلورة الرأي العام تجاه الظلامة التي وقعت عليه، و إذكاء روح الثورة في الناس، ونصب محاكمة في ضمائرهم تؤنبهم على تقصيرهم.

 

فكانت تحرك العاطفة بمهارة وتركيز فائق، وهو توظيف مهم جداً لابد للقائد أن يعتمده خصوصاً في الأزمات الشديدة ، فجعلت خطابها منصباً على جسامة الجرم الذي اقترفوه بسكوتهم وتخاذلهم.

 

أما خطبتها في الشام فقد تغيرت آليات توجيه الرأي العام، واختلفت أساليبه عما كانت عليه في الكوفة ، فقد اعتمدت على الجانب الإقناعي والعاطفي معاً؛ لأن أهل الشام كانوا يرون الشهداء والأسارى على أنهم خوارج يستحقون كل ما حلّ بهم، فوجهت الرأي العام نحو معرفة حقيقة ومقام السبايا ،. وأنهم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأردفت ذلك ببيان الجرم العظيم الذي اقترفه يزيد بحقهم، حتى أنها لم تنتهِ من خطبتها إلا وقد أحالت مجلس احتفال يزيد بالنصر إلى مأتم عزاء لأخيها الحسين ع.

 

وبكلا الخطبتين أجادت وبكل جدارة فن توجيه الناس، والتعامل معهم، والتأثير الإيجابي فيهم، وتحريكهم نحو الهدف المطلوب.



والحديث صلة في مظاهر أخرى

لشجاعة القيادة الزيبية

 

إرسال تعليق

0 تعليقات