عمر حلمي الغول
من حق الدول أن تدافع
عن سياداتها الوطنية والقومية، وان تحمي مصالحها وحقوقها وفق القوانين والمواثيق
والمعاهدات والأعراف الدولية. والواجب يملي على كل دولة عدم التراخي أو التهاون أمام
أي عدوان أجنبي على أجوائها وحدودها البرية او مياهها الإقليمية. لأن التقاعس
والتخاذل يسمح للأعداء والطامعين بهذا البلد أو ذاك لاستباحته، وانتهاك كل
القوانين والمعاهدات البينية أو الإقليمية والأممية.
لذا تفرض الضرورة
اللجوء لاستخدام كل الأسلحة السياسية والدبلوماسية والقانونية، وحتى إذا استدعت
الضرورة يمكن اللجوء للقوة المسلحة في حال لم تجدِ الوسائل السلمية. وكل هذه
الأشكال كفلها القانون الدولي للدول والشعوب في حماية حدودها الدولية، وصيانة
مصالحها وحقوقها السياسية والاقتصادية وثرواتها البرية والمائية.
بيد أن علينا الاعتراف،
بان سيادات الدول لم تعد هي ذاتها، التي تبلورت مع نشوء وتشكل الأسواق القومية في
عصر النهضة في أوروبا نتيجة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في كل دولة على إنفراد، وبين مجموع
دول العالم، ونتاج ما أفرزته الحروب البينية والعالمية، وانتهاء مرحلة الاستعمار
القديم، وصعود الاستعمار الجديد. ومن العوامل المؤثرة في محتوى وطبيعة السيادة، هي:
أولا تأثير الدول المختلفة على بعضها البعض وفقا للمصالح البينية؛ ثانيا هيمنة
ونفوذ الدول والأقطاب الاستعمارية على شعوب ودول مستعمراتها القديمة. لا سيما وأنها
خرجت من الباب وعادت من الشباك، وبقي نفوذها وتأثيرها على القرار السيادي موجودا؛
ثالثا عدم تمكن غالبية دول العالم الثالث من تحقيق استقلال اقتصادي كامل، مما أبقاها
أسيرة التبعية لدول المركز؛ رابعا كما ان العوامل الداخلية الناجمة عن التناقضات
والتعارضات بين الموالاة والمعارضة، ودور منظمات وهيئات المجتمع المدني جميعا تؤثر
سلبا او إيجابيا في قوة وضعف سيادات الدول؛ خامسا وهناك نماذج من الدول سياداتها
الشكلية مستباحة من قبل القواعد العسكرية للدول الرأسمالية، وبوجود مندوبين ساميين
لدول المركز ممثلين بسفراءها ومستشاري الرؤساء وقادة الحكومات وقادة الأجهزة
الأمنية، الذين ما ان تغيب رؤسهم، حتى تطل أقدامهم لاستنزاف الدول التابعة؛ سادسا
في الحالة العربية السيادة لها ملامح أوسع نسبيا، من حيث المبدأ ما ورد اعلاه
ينطبق على الدول العربية، لكن هناك ميزة وسمة خاصة تسم الدول العربية وسياداتها،
تتمثل في الصراع العربي الصهيوني، ونشوء دولة الإستعمار الإسرائيلية على أنقاض
نكبة الشعب العربي الفلسطيني بهدف الهيمنة على الكل العربي، وهذا ما أكده شعار
الحركة الصهيونية "دولتك يا إسرائيل
من النيل إلى الفرات"، ووفق كتاب شمعون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"
الصادر عام 1994، فإن حدود إسرائيل بات من المحيط إلى الخليج، وهو ما تجسده
النظرية الإبراهيمية، التي تبلورت في العقود الثلاثة الأخيرة، ولعل إطلاق الرئيس
ترامب "الصفة الإبراهيمية" على إتفاقات التطبيع المجانية بين الإمارات
والبحرين الأخيرة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية يعكس هذة الحقيقة.
وعليه في النموذج
العربي الرسمي، تصبح السيادة لكل دولة على إنفراد غير منفصلة بشكل ميكانيكي عن
الصراعات القومية القائمة، وأولها، ومحورها، ومركزها الإستعمار الصهيو أميركي. وبالتالي
الحديث عن الفصل التعسفي بين السيادة الوطنية والقومية مردودا على الأنظمة
السياسية القائمة، واي خروج عن محددات السياسات العربية الناظمة للكل العربي ذات
الصلة بالصراع العربي الصهيو اميركي يعرض السيادات للخطر، وليس العكس. وبالتالي
تصريحات الإمارات والبحرين ومن سيحذو حذوهم بالتطبيع المجاني الخياني في المستقبل
المنظور عن القرارات السيادية، هي مهزلة، وسقطوط وطني وقومي. لإنه لا يمكن ان تكون
لإي دولة عربية سيادة بالصلح والإعتراف المجاني مع دولة الإستعمار الإسرائيلية،
كون هذة الدولة اقيمت كأداة وظيفية تنفيذية لنهب وإستغلال ثروات ومصالح وحقوق
العرب جميعا، وليس الشعب العربي الفلسطيني خصوصا. كما ان قلب معادلات الصراع
السياسية في الإقليم تخدم اولا المشروع الصهيو اميركي، وتبدد مصالح وحقوق العرب
عموما والدول المنخرطة في التطبيع المجاني خصوصا ثانيا .
ولا اود الإثقال على
الحكام، مع ذلك اريد تذكيرهم، كيف كان رد الفعل العربي الرسمي بعد زيارة الرئيس
السادات لإسرائيل في التاسع من نوفمبرعام 1977!؟ الم ترفض كل الدول العربية تلك
الزيارة، وعقدت قمة عربية، ونقلت مقر جامعة الدول العربية من مصر؟ ومع ذلك لم
يتبجح الرئيس المصري انذاك بموضوع السيادة المصرية الخالصة، ولم يقبل العرب ذلك،
لإنهم لم يفصلوا بين السيادة الوطنية والسيادة القومية. لإن الفصل كان ومازال هدفا
صهيو اميركيا. وهناك ضوابط ومرتكزات للسياسات العربية الرسمية مثبتة في مبادرة
السلام العربية، وقرارات القمم العربية والإسلامية، وقرارات الشرعية الدولية. أضف
لذلك ما الذي يجبر الإمارات والبحرين وغيرهم للتطبيع مع إسرائيل؟ هل انتم جزء من
دول الطوق؟ هل بينكم وبينها حرب مباشرة أملت عليكم التطورات عقد إتفاقية سلام؟
ولماذا تعريض الأمن الوطني والقومي بابخس الأثمان؟ ما هي مصلحتكم الإمنية او
الإقتصادية أو السياسية؟ وهل التطبيع المجاني يخدم خيار حل الدولتين على حدود
الرابع من حزيران 1967 أم العكس؟
إذاً الحديث عن
السيادات بشكل مجرد فيه الكثير من المبالغة والمغالاة، ولا يعكس الحقيقة على
الأرض، ويتجاهل مجموع العوامل ذات الصلة. وما يجاهر به بعض الحكام المتورطين
بالتطبيع ليس اكثر من مهزلة، وإستخفاف وإستهبال بعقول الحكام انفسهم والمواطنين
العرب، وإستسلام معلن امام الحكام الصهاينة الأكثر فجورا في التاريخ، وتساوق مع
صفقة العار الترامبية، والترويج لها، والضغط على القيادة والشعب العربي الفلسطيني
للقبول بها. ولكنها لن تمر، وسيهزم المخطط الصهيو اميركي العربي المتواطىء على فلسطين
وشعبها وقياداتها.
0 تعليقات