آخر الأخبار

محطات تأملية بين نقد القراءة وقراءة النقد!

 





 

 

علي الأصولي

 

ربما فات الكثير من دعاة تعدد القراءات. فاتهم عدم وجود فرق جوهري بين تعدد القراءات وبين تعدد الاجتهادات. فحسبوا أن لا فرق يذكر بين الموضوعين. ولذا حاول بعضهم فتح الباب على مصراعيه ممهدا بوجوه صناعية وشرعنة تعدد القراءات بكل ما أوتي من قوة فكرية وتوظيفها في هذا الشأن، ومن هؤلاء أسماء بارزة في الوسط الديني الفقهي.

 

والذي أحاول أن أنبه عليه في المقام هو بيان الفرق الجوهري الذي غفله البعض،

 

ويتلخص هذا الفرق ببساطة شديدة. بكون أن التعدد القراءاتي أعم من الاجتهاداتي. بلحاظ ان الثاني بيئته تفرض عليه ضبط أدواته من جهة والنظر إلى موضوعاته من داخل إطاره من جهة أخرى.

 

وهذا مما لا يتسنى للأول - أي تعدد القراءات - فهي لا تخضع لقواعد وأدوات منضبطة ولا إطار محدد سلفا.

 

ومن هنا يمكن رد دعوى عدم الانسجام وفتح باب الاجتهاد والأعراض بل وغلق باب تعدد القراءات.

 

بما حاصله: عدم الضبط بالأدوات والقواعد والأطر. والتي تجدها في العمليات الاجتهادية منضبطة.

 

والتمسك بضرورة الضبط هو للحفاظ على نتائج النظر ففي الاجتهاد نتائج منضبطة وبتعدد القراءات مخرجاتها فوضوية لخضوع القراءات للأمزجة والانتقائية والاستحسانات وغيرها من الأمور الغير علمية بالتالي.

 

مكن إطلاق وصف على دعاة تعدد القراءات وأن أزعج بعضهم و هذا الوصف، ولكن بالتالي لا استطيع إخفاء عقيدتي وأنا أتجول في ثنايا الهرموطيقيا.

 

أدق وصف لهؤلاء هو - لصوص النصوص - وعادة اللص هو السطو على الغير لأخذ وسلب حق الغير والاستفادة من ذاك المغصوب وما يخدم نفسه ومشاريعه.

 

طبيعة اللصوص وطبيعة اللص هو السطو والسرقة والانتحال وكل هذه الممارسات راجعة لفشله من تكوين ذاته وعنوانه ولذا تراه يسطو على الغير لسد النقص!

 

هكذا هم دعاة تعدد القراءات لا مشاريع لهم في متن الواقع وأن وجد مشروع هنا أو هناك وكتب له الفشل فسوف يبذلون الغالي والنفيس وعدم انهيار أمجادهم الشخصية وخير منقذ هو مشروع تعدد القراءات والجنوح لفلسفات الهرمونطيقيا على ما ذكر نقاد تعدد القراءات فالجنوح لفلسفات الهرموطيقيا وأركيلوجيا النص و نظرية النص المفتوح و أنسنة التراث ودعوات القراءات الجديدة للنص متجاوزة كل التراث الفقهي الذي خلفه العلماء في علم أصول الفقه - كآلية معرفية محكمة للتعامل مع دلالات النص - مستخدمة معول التأويل الحداثي للتراث وراضخة لهيمنة النموذج الليبرالي على المشهد الفكري المعاصر.

 

إن ما نشهده في مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك مثلا. من فوضى معرفية وكل يغني عن ليلاه. هي نتيجة طبيعية لتوغل مفهوم تعدد القراءات شرقت أو غربت.

 

فالدعوة إلى تفكيك النص وترسيخ مفهوم لا نهاية المعنى التفسيري.

 

مع أنها من الدعاوى الصحيحة في الجملة ولكن رميها بوسط مجتمع متعدد الثقافات والمدارس والأفكار والمستويات سوف ينتج لنا ثقافات بتعدد الأفراد ويكون المجتمع أشبه بالمجتمع الهندي مثلا وتعدد المعتقدات إذ مع إيمانهم بالرب ولكن يتقاطعون بمصاديق ذلك الرب!

 

نعم: إغراء المتلقي وكونه هو من يحدد النص وفقا لفهمه وثقافته وترسيخ مفهوم أن ما وصل إليه ليس بالضرورة هو الحق القراح سوف ينتج مشاكل حتى داخل الأسرة الواحدة!

 

هذه المفاهيم. تم اقتباسها من - رولان بارت - موت الكاتب - أي: إن المعنى "لا يقطن مع كتَّاب بذاتهم، ولكن يتولَّد عن طريق التفاعل بين التراكيب الواسعة للمعنى الثقافي وتفسيرات القُرَّاء".

 

تعالوا إلى الويكبيديا : لمعرفة ما هي التفكيكية، إذ نصت على أن التفكيكية منهاج أدبي نقدي ومذهب فلسفي معاصران ينحوان إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل أو على الأقل متماسك للنص أيا كان، فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة يؤديها و يقوم بها القاريء الذي يقوم بالتفسير. بالتالي يستحيل وجود نص رسالة واحدة متماسكة ومتجانسة. وتستخدم التفكيكية (( للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادعاها المتضمن أنها تمتلك أساسا كافيا في النظام اللغوي الذي نستعمله ، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها المحددة)).

 

 وأي مناقشة للتفكيك لابد أن تبدأ بالقارئ، وتجربته التي لا يوجد قبلها شيء. فهو يفكك النص ويعيد بناءه وفقا لآليات تفكيره. أي يعتمد على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة.

 

ويلاحظ التقاء الهرمونطيقيا مع التفكيكية في النتيجة.

 

وبالجملة. أن الدعوة إلى دراسة نصوص القرآن والسنة دراسة بلاغية منفكة عن سياقها، تدرس فقط على أنها نص أدبي ، وينظر في معاني ألفاظها ودلالاتها كانت متأثرة بهذه النظرة إلى حد ما لا محصل لها وسوق النتائج الموضوعية،

 

حكي أنه في عام (1996) قام - ألان سوكال - وهو أستاذ الفيزياء في جامعة نيويورك، بإرسال مقالة أكاديمية إلى مجلة علمية بحثية تصدرها جامعة ديوك، وهي مجلة ( Social Text / سوسيال تكست) المقال كان بعنوان" تجاوز الحدود، نحو هرمونطيقيا تغييرية لجاذبية الكم".

 

نشر المقال فعلا بعد أشهر، في عدد خاص بحروب العلم، حيث اعتبرت المقالة متعلقة بالموضوع.

 

عندها أعلن - سوكال - أن مقالته ما هي إلا فخ نصبه للمجلة، وأنها ملأها بهراء أكاديمي وعبارات غير مفهومة وتراكيب معقدة المقصود منها اختبار المجلة الأكاديمية فيما تنشره من بحوث، هل يفهم احد من المحررين ما ينشر، أم أن الغموض والتعقيد الأكاديميين أصبحا هدفا بحد ذاته؟

 

وسقطت المجلة في فخ - سوكال - وكانت القصة فضيحة كبيرة صارت تعرف ب ( Sokal Affair / سوكال أفاير ) خاصة أن الهيئة التحريرية للمجلة تضم أسماء لامعة في التدريس الأكاديمي النيويوركي، انتهى موضع الشاهد،

 

نعم: أنا من المؤمنين بأن تعقيد المقالات بزخم المصطلحات ناتج إما عن عمق الكاتب الذي يعاني أزمة عدم إيصال الأفكار بوضوح للمتلقي. أو أن الكاتب أصلا يعاني من فراغ معرفي هائل ولذا يحاول تجاوز هذا الفراغ والتستر خلف التلاعب بكبرى المصطلحات ولا ثالث في البين،

 

أن فخ - سوكال - وقع فيه الكثير من الشباب الواعد وجملة من فقهاء ما يسمى بالخط التنويري. كما وقع بهذا الفخ شروس وشبستري وملكيان وغيرهم من الكتاب في إيران.

 

ولأجل بيان طبيعة وماهية هذا الفخ - فخ شرعنة تعدد القراءات - جاءت هذه المحطات التأملية.....

 

إرسال تعليق

0 تعليقات