علي الأصولي
في برنامج - المراجعة - آثار السيد الحيدري أصلا معرفيا هو من
تبناه في قراءته الجديدة المعاصرة ما قبل قراءة فصوص الحكم وشروحات القيصري وآراء
ابن تركة الأصفهاني في تمهيده ..
وخلاصة الأصل الذي قدمه هو نسبية المعرفة وبالتالي عدم امتلاك
الحقيقة .. وهذا الأصل وجد فيه غير واحد مساحة للمناورة من جهة وتخطأت أي فكر إسلامي
آخر وان كان معصوميا من جهة أخرى ..
إذ أفاد في - المراجعة - لا أحد يملك الحقيقة المطلقة .. حتى النبي
(ص) واستدل بقوله تعالى ( وقل ربي زدني علما )...
وفي نفس السياق .. وبعد كلام هنا وهناك حاول السيد الحيدري توضيح
مراد ما ذكره آنفا باستفتاء مستقل ..
إذ نص فيه: إن الحقيقة بقيد الإطلاق لا يملكها إلا الله تعالى
فالنبي (ص) يمتلك الحقيقة والواقع بمقدار ما أفاض الله عليه من علمه وهكذا
الأئمة(ع) .. وعلل ضرورة الالتزام بهذه المقولة هو دفعا لمحذور عدم التفريق
والتمييز بين الخالق والمخلوق ..
ولنا على ما أفاد تعليقات:
التعليق الأول: لابد من بيان مسألة تكون كبرى لجواب ما نريد وهي ضرورة التفريق
بين العلم بالذات والعلم بالتبع .. لأي حقيقة كانت بما فيها الحقيقة المطلقة ..
فالعلم بالذات هي من مختصات الله وحده فقط وفقط ..
والعلم بالتبع فتكون على نحو الآراء من قبل من كانت عنده بالذات
إلى من وجدت عنده بالتبع وهو مطلق الإنسان لا الإنسان المطلق .
وبناء على هذا التعليق فقد ابتعدنا من محذور السيد الحيدري وضرورة
بيان الحد الفاصل بين الخالق من جهة والمخلوق من جهة والحقيقة المطلقة التي هي عند
الله ذاتا وعند الإنسان الكامل عرضا وتبعا فلاحظ ..
التعليق الثاني: ذكرت في مقالات سابقة أن القرآن فيه - كل ما يرتبط بالهداية ..
هداية الناس وشؤوناتهم منذ المبدأ إلى المعاد وما بعد المعاد .. ( وما فرطنا في
الكتاب من شيء ) ودلالة ( كل شيء ) لا تتجاوز الشؤونات المرتبطة بالهداية والحياة
والممات وما إلى ذلك .. خلافا لمن زعم أن كل شيء إطلاقي - يعني في الكتاب علوم
الفيزياء والكيمياء ونحو ذلك - وقلنا أن هذا الفهم لا نتفاعل معه بحال من الأحوال
..
ومن الذاهبين إلى أن - كل شيء - فى القرآن ما يخص الجانب الهدايتي
.. هو السيد الحيدري .. وعليه فلابد من أن يلتزم بلوازم مقالته وقوله تعالى ( وما
فرطنا في الكتاب من شيء ) وقوله ( وجعلناه تبيانا لكل شيء ) ومن الأشياء هي
الحقيقة المطلقة .. ووجودها في القرآن من الوضوح بمكان بدلالة النص ..
التعليق الثالث: وبعد إثبات صغرى وجود الحقيقة في القرآن إخفائها أو كمونها وعدم
الاطلاع عليها من قبل الإنسان المطلق أو الإنسان الكامل كما يعبرون لا تعدو إما أن
وجودها في القرآن لغو أو أن وعاء الإنسان الكامل غير صالح لمعرفة واستفادة المعنى
المعبر عنه بالحقيقة .. وعلى السيد الحيدري تحديد موقفه أي الأمرين يلتزم .. وكما
ترى الزاوية حرجة وكلاهما مر !
التعليق الرابع: إن عدم علم النبي (ص) بالحقيقة المطلقة هي ما تعلقه بذات الله
فقط وفقط ولكن على ما يبدو لي حصل خلط غير مقصود من سماحته بين الكمال اللامتناه
بلحاظ الذات الإلهية وبين الحقيقة العلمية المطلقة والتي هي من موجودات القرآن
ونفي وجودها دونه خرط القتاد ..
وقد استند السيد الحيدري على فتواه التي أطلقها من على برنامج -
المراجعة - على هذه الآية .. ومع أنها أجنبية في المقام ولا يصلح بها الاستدلال ..
ومع التنزل فهي لا تنفي عدم امتلاك الحقيقة بحال من الأحوال بل مفادها دعاء فحسب ..
بل يمكن أن يقال: ولو تنزلا مرة أخرى أن بعد هذا الدعاء تمت معرفة
الحقيقة من قبل النبي (ص) والأمر سهل .. وكيف ما كان الاستدلال بها عقيم كما ترى ..
نعم: حاول بعض طلبة السيد الحيدري والخروج من الإرباك بتوجيه رأي
أستاذه إذ أفاد بما مضمونه: أن الحقيقة المنفية والتي لم ولن تقع تحت يد النبي(ص)
هي الحقيقة المطلقة الذاتية .. لا الحقيقة المطلقة الفعلية ..
فأما الأولى : فهي من شؤون الله عز وجل و لا يعلم حدها ومنتهاها إلا الله وكل
شخص بلغ ما بلغ يقترب بنحو المعنى منها بقدره وسعة إناءه الوجودي و أقرب الأشخاص
لها هو رسول الله (ص).
و أما الثانية : فلما كانت الحقيقية مقيدة بالفعل فهي مدار الحد و الانتهاء فهي
معلومة للنبي (ص) وقد دل الدليل العقلي والنقلي على ذلك ، انتهى .
وهذا الكلام منه تام .. إلا انه خلاف ما نص عليه وظاهر كلام أستاذه
فراجع ..
الحقيقة في متن القرآن ..
بعد أن ذكرنا أن الحقيقة ترجع كشأن من شؤونات الهداية وضروراتها في
كل عوالم الإمكان .. ندعي بأنها عند الخاتم (ص) كونه هو الراعي لمسيرة الإنسان
وهدايته .. ولو تلاحظ قوله تعالى ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى
جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله).. هذا القرآن
العظيم الذي تتصدع الجبال منه ولا تتحمل نزوله تم قبوله بوعاء النبي (ص) بلا تصدع
ولا هم يحزنون قال تعالى...(قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ
نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)... وقلب النبي (ص) يعني
حقيقته لا قلبه الصنوبري .. بعبارة أخرى يعني باطنه أي باطن النبي(ص) وهذا النزول
القرآني شامل وعام وكامل بما فيها الحقيقة المطلقة ..
وأما نفيها بفتوى وجرة قلم لا قيمة لها في سوق التحصيل كما هو
المعروف في الوسط العلمائي ..
خلاصة ما تقدم ..
إن إطلاق عبارة السيد الحيدري ظاهرها عدم التقييد .. والمفروض هو
التقيد بقرينة ما .. لخروج الحقيقة المطلقة الذاتية الخاصة بالله فقط ..
ومع عدم التقييد وظهور الإطلاق فلا تمامية لمحاولة توجيه عبارته
بحال من الأحوال .. بيد أن الحقيقة تدور في عالم الإمكان ولا مانع عقلي من الإحاطة
بها ..
ولا يقال: أن الإنسان محدود فكيف توفق بين الحقيقة المطلقة وبين
محدودية الإنسان؟
فإنه يقال: إن لا مانع بين هذا وذاك .. بين كونه الإنسان محدود
وبين إمكان الإحاطة بلحاظ أن الكلام كل الكلام في الحقيقة الفعلية لا الذاتية
الممتنعة ..
ومن يدعي الخلاف فعليه ثبوتا نفي عدم الحقيقة وإثباتا عدم إحاطة
المعصوم بحاقها .. والأصل إمكانه وعدم استحالته ثبوتا وإثباتا ..
وكما قلنا استدلال السيد الحيدري بآية (وقل ربي زدني علما ) لإثبات
المطلب غير تام بل من الغرابة بمكان لوضوح عدم علاقة الاستزادة أو الأمر
بالاستزادة والإحاطة بالحقيقة .. بل لا يمكن الاستدلال بأية ( وفوق كل ذي علم عليم
) لاجنبيتها وما نحن فيه والحقيقة الفعلية في عالم الإمكان ..
نعم: نتمسك بشدة وقوله (أنزلنا الكتاب تبيانا لكل شيء ) وقوله
(لتبين للناس ..أو لتعلمهم الكتاب ) التبيان والتعليم للكتاب هنا مطلق لم يخصص وأيضا
تبيان واقعي وقطعي وليس فيه غموض .. بصرف النظر عن بعض الروايات الدالة على
المطالب .. والكلام طويل ..
والحمد لله رب العالمين ..
0 تعليقات