عمر حلمي الغول
باق ايام قليلة جدا أقل من اسبوع ليغادر العام 2020 دورة الزمن،
تاركا ندبة سوداء في سجل التاريخ البشري، كونه القى بظلال كثيفة وقاتمة على الحياة
الكونية كلها. عام مثقل بالكارثة، أوقف دورة المجتمعات، ووضع سلسلة طويلة من
الحواجز والممنوعات والعقبات والإرباكات، تميز بالإحباط والركود وإنقطاع الأنفاس، وقطع
الوصل بين بني البشر. دمر قطاعات إقتصادية هامة، ونشر عادات وقيم غير مسبوقة في
التاريخ البشري.
شهد العام منذ ولوجه مكانته في التاريخ وباءً ليس فريدا، ولا
إستثناءً، ولا هو حديثا بالمعنى الدقيق للكلمة، لإن عائلة الفايروس موجودة، منذ
ستينيات القرن الماضي، عندما جرى الكشف عنه. وتم تسليط الضوء عليه من قبل علماء
الطب والإجتماع، والمختصون من الأجهزة الأمنية، وانتج له وعنه قبل عودة إنتشاره
نهاية عام 2019 أفلام ومسلسلات اميركية وعربية، ولا اعرف ان كانت هناك أعمال فنية
من ثقافات وأمم اخرى، وتم تهيئة المناخ الإنساني لقدوم وباء "كوفيد 19"،
وبسطوا له السجاد الأسود، وعزفوا له نشيد الموت والخراب، والكمامات وغرف العناية
الفائقة، وفتحوا له مستشفيات ميدانية، واغلقوا المدن والأحياء والآوطان، ومازال
وباء الكورونا يستبيح الإنسان، كل بني الإنسان، ولم يترك بلدا ألآ وحط رحاله به،
ولم يبقِ بيتا إلآ وسعى لدخوله، كان حاضرا وفتاكا في الجو والبر والبحر، هاجم دون
تردد القصور ومباني الحكومات والبرلمانات والأجهزة الأمنية والنوادي الرياضية
والملاعب والمسارح والسينمات والجامعات وصفوف الطلاب والتلاميذ ورياض الأطفال،
هاجم الكبار والصغار على حد سواء. وحال دون أفراح الأزواج الشابة، وأغلق ابواب
بيوت العزاء، وحتى ان بعض الموتى المصابون بالوباء، دفنوا دون الوداع الأخير من
قبل ذويهم ومحبيهم، وايضا دون تمييز.
وللموضوعية يمكنني الجزم من وجهة نظري، ان الوباء لم يكن قاتلا
وخطرا بمستوى ما روجوا له، ولا وفق الحملة التي اثار زوبعتها من وقف خلفه، لإنهم
عمموا بضاعة فاسدة، عنوانها ترهيب البشر، ونشر الرعب فيهم، وبينهم، وعليهم،
واطلقوا العنان لآلتهم الإعلامية لبث القلق والفزع، الذي يعتبر سببا محفزا لكل
الأمراض الخبيثة والخطيرة. واذا اخننا مجمل ارقام الوفيات (نحو مليون وسبعماية
الفا) والمصابين (قرابة الثمانين مليونا) ونسبة خطر الموت لا تزيد على 2% من
المصابين. وبالتالي إذا نظرنا لأثر الوباء على البشرية، نجد انه محدودا جدا، واقل
من آثار فايرس الإنفلونزا، او إنفلونزا الخنازير، وجنون البقر ... إلخ. وإذا دققنا
نلحظ، ان اخطار الوباء على الإقتصادات القومية والعالمي كانت أكثر قوة، وتأثيرا،
وهددت، وتهدد قطاعات كاملة بالشلل والإنهيار الكامل، والعنوان الأبرز فيها، قطاع
السياحة بكل مجالاته، كما عززت مواقع قطاعات اخرى مثل الهاي تك والكمامات
واللقاحات الطبية الجديدة وغيرها.
ولهذا على العالم وخاصة ممثلي الحكومات، وأصحاب الإختصاص العلمي
عموما والطبي خصوصا، وإلى جانبهم الإعلاميين مراجعة الكيفية، التي يتم التعامل
فيها مع الوباء، وتهدئة النفوس، والسعي لتشديد إجراءات الوقاية الفردية والجماعية،
دون الإغلاقات الشاملة، وضمان صيرورة العملية الإقتصادية، وتطورها، والنهوض بها. آن
الآوان رغم الحديث عن السلالات الجديدة من الفيروس نتاج التحورات، وقف متاهة
الترهيب، والتخويف، ومنح العباد قوة الأمل بمستقبل افضل من خلال إجراءات الوقاية
والحماية بمستوييها.
وإذا كان للوباء "حسنة" أو "إيجابية"، فهي
تكمن في مساواته بني الإنسان دونما استثناء، لم يميز بين فقير وغني، ولا بين زعيم
ومواطن عادي، لا بل انه يمكن القول، انه هاجم القادة والحكام ورؤساء الحكومات
وقادة اجهزة الأمن قبل المواطنين، أو لنقل بنفس الفترة والوتيرة. كما ان الواجب
يملي على الإعتراف بالفضل له، بانه كان احد الأسباب المحفزة والفاعلة في إسقاط
الترامبية، وقائدها الرئيس المنتهية ولايته في الولايات المتحدة، وأحد العوامل
الممهدة لسقوط حليفه الصهيوني المتطرف نتنياهو، وعمق ازمة النظام العالمي برمته،
واسهم في نقل البشرية خطوة للأمام نحو بناء منظومة عالمية جديدة، مغايرة ومختلفة
تماما عن النظام القائم، الذي نعيش نهاياته وأفوله، وساهم في فضح وتعرية العديد من الحكام العرب،
وكشف عوراتهم، واسدل الستار على حقبة من التاريخ العربي بما لها، وما عليها، وفتح
الأبواب امام مرحلة جديدة من النهوض العربي.
ايام قليلة تفصلنا عن عام جديد، آمل ان تنتهي دون مغامرات مجنونة
من قبل بعض المهزومين، والمغامرين وفاقدي الأهلية السياسية والأخلاقية، وارجو
ان يكون عام الإنتصار على وباء الكورونا،
ووباء الإستعمار الصهيو اميركي، ووباء الإرهاب والجريمة المنظمة، عام مليء بالأمل
والحيوية والسلام والحرية والمساواة بين بني البشر. وكل عام وانتم بخير.
0 تعليقات