محمد عبد الجبار الشبوط
في الإجابة عن سؤال: لماذا فشلت الدولة العراقية نحن بحاجة الى
تحديد معنى الفشل اولا، والاعتراف به في حال انطباقه على العراق ثانيا.
اقصد بالفشل عدم النجاح في إقامة الدولة الحضارية الحديثة. والدولة
الحضارية الحديثة ظاهرة تاريخية وسياسية قابلة للقياس العلمي.
اقول ظاهرة تاريخية لان الاستقراء التاريخي منذ ظهور اول
دولة-مدينة في وادي الرافدين الى اليوم يكشف عن سير تطوري تكاملي للمجتمعات في بناء
دولها باتجاه ما نسميه اليوم بالدولة الحضارية الحديثة. وهذا ما يشجعنا على القول
ان قيام الدولة الحضارية الحديثة سنة تاريخية من النوع الثالث الذي يسمه محمد باقر
الصدر "الاتجاه التاريخي العام". (اضافة الى السنن الحتمية والسنن
الشرطية).
واليوم توجد عدة منظمات تقوم بمهمة قياس الدولة الحضارية الحديثة
على مستوى العالم انطلاقا من معايير او مؤشرات محددة. وبين ايدينا الان مثلا مؤشر
الدول الهشة، ومؤشر الشفافية، ومؤشر حكم القانون، ومؤشر الديمقراطية، ومؤشر
الحرية، ومؤشر الابتكار العلمي. ومؤشر السعادة، وهكذا. وتغطي هذه المؤشرات مختلف
الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية للدولة والمجتمع. ويمكن من
خلال هذه المؤشرات معرفة موقع الدولة في قائمة الدول الحضارية الحديثة. وبعض الدول
تكون في اعلى القائمة، وتبدأ القائمة بالتنازل حتى نصل الى الدول الفاشلة او الهشة
او المتخلفة او غير الحضارية وغير الحديثة. وبالتالي فان الحديث عن الدولة
الحضارية الحديثة ليس حديثا عقائديا او ايديولوجيا؛ انما هو حديث علمي يستند الى
الارقام والمعايير الواقعية الملموسة التي يمكن قياسها. ونعثر على اسم العراق في
المواقع المتدنية لهذه المؤشرات، او قد لا نجده فيها اصلا.
ونحن الان نقول ان العراق فشل، حتى الان، في ان يكون دولة حضارية
حديثة. صحيح ان العراق (بلاد ما بين النهرين، او الرافدين) هو مهد الحضارة، وانه
يملك احد اكبر احتياطي النفط في العالم، وان شعبه من الشعوب العريقة في العالم،
لكن مع ذلك، فان العراق غير موجود في قائمة الدول الحضارية الحديثة. وهذا امر ليس
فقط يعرفه العراقيون وانما يعانون من نتائجه السلبية واثاره المضرة على حياتهم
اليومية.
يأتي العراق في المرتبة ١٧ من قائمة الدول الهشة او الفاشلة، حيث
حقق ٩٥,٩ درجة (من الهشاشة) في حين جاءت اليمن بالدرجة الاولى من الفشل (١١٢,٤
درجة). اما الدولة الاقل هشاشة والاكثر نجاحا فهي فنلندا التي جاءت بالمرتبة ١٧٨
(١٤,٦ درجة).
للدولة الهشة او الفاشلة عدة سمات منها ضعف الحكومة المركزية، عدم
توفير الخدمات العامة، انتشار الفساد والجريمة، اللاجئون والحركة غير الطوعية
للسكان، وتدهور اقتصادي حاد وهكذا.
وفي مؤشر الديمقراطية لعام ٢٠٢٠ احتل العراق الموقع ١١٨من اصل ١٦٧
دولة. بل ان العراق لم يصنف في هذا المؤشر ضمن الدول الديمقراطية بسبب ارتداد
التجربة وانحراف النظام الديمقراطي الذي شُرع في بنائه منذ عام ٢٠٠٣ وتحوله الى
نظام اوليجارشي بسبب عيوب التأسيس وعدم اهلية "الاباء المؤسسين" لبناء
الديمقراطية.
وفي مؤشر السعادة العالمي احتل العراق المرتبة ١١٠ من اصل ١٥٣ دولة.
ويحتل العراق المرتبة ١٦٢ في مؤشر الفساد لعام ٢٠١٩ من أصل ١٧٩
دولة.
ولم يظهر اسم العراق في مؤشر سيادة القانون لعام ٢٠٢٠.
وبدون هذه الارقام التي قد لا يطلع عليها الا المتابعون المتخصصون،
يدرك المواطن العراقي العادي layman انه لا يعيش في دولة حضارية حديثة، حيث الخدمات سيئة والامن مهزوز
والشعور بالسعادة والرضا مفقود. وكل هذا يكفي للقول ان حصيلة الدولة العراقية بعد
١٠٠ سنة من تشكيلها انها دولة فاشلة، متخلفة، غير حضارية.
0 تعليقات