د. محمد إبراهيم
بسيوني
صدر اخيرا كتاب
الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (الأرض الموعودة). صدر الجزء الأول من
مذكراته الذي يغطي فترات من مسيرته السياسية وحملته الانتخابية من عام 2008، إلى
ليلة مقتل أسامة بن لادن في 2011 وسيصدر الجزء الثاني من مذكراته لاحقاً.
أوباما حرص على أن يـصدر
كتابه في جميع أنحاء العالم بـ25 لغة منها الإسبانية والصينية والعربية والتشيكية
والفنلندية والفيتنامية، وذلك طمعا في تحقيق مكاسب مالية مضاعفة على غرار ما فعلته
زوجته ميشيل من قبل حينما نشرت مذكراتها في عام 2018 بمقابل 65 مليون دولار.
حاول اوباما أن يقدم
فيه تقريرا صريحا عن الأحداث الرئيسة التي عاصرها وهو يتولى قيادة بلاده، وعن
الشخصيات التي عملت معه أو تعامل معها، وعن الأخطاء التي ارتكبها، وعن القوى
السياسية والاقتصادية والثقافية التي كان عليه وعلى فريقه مواجهتها، مختتما حديثه
بأنه يأمل أن يلهم الكتاب الشباب "للعب دور في إعادة تشكيل العالم بصورة أفضل".
احاول هنا ان اعرض
بعض السطور على بعض التعليقات التي صدرت حول الكتاب، منها تعليق المعارضة الهندية،
ممثلة بحزب المؤتمر الهندي، التي أبدت استياء شديدا من الكتاب لما احتواه من كلام
غير مقبول بحق زعيمه "راهول غاندي" ووالدته السيدة سونيا غاندي التي لم
ير فيها أوباما سوى أنها من بين الإناث الجميلات.
والحقيقة أن أوباما
تحدث في كتابه عن ثمة زعماء ممن قابلهم، فوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأنه "جسديا
لا يبدو ملحوظا"، ووصف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالجريء
والانتهازي، وسخر من الزعيم الصيني السابق "هو جينتاو" لأنه حينما
التقاه في بكين كان يقرأ من أكوام من الأوراق المعدة، فتساءل "أليس من الأفضل
إعطاؤنا تلك الأوراق لنقرأها في أوقات فراغنا بدلا من تضييع الوقت؟". لكنه
حينما أتى على ذكر الهنود وصف رئيس الوزراء الهندي السابق "مانموهان سينج"
بأنه يتمتع بنوع من النزاهة غير الفعالة المتناغمة مع سيئات الدولة العميقة، ثم
وصف "راهول غاندي" بأنه شخصية عصبية ومتوترة وقال عنه: "إنه كما لو
كان طالبا قد أنهى واجباته الدراسية ويريد إقناع معلمه دون أن يمتلك ملكات الإقناع".
لم يكتف أوباما بما
سبق وإنما تجاوزه إلى ما يشبه التدخل في الشأن الداخلي الهندي بصيغة الإملاء
والتحريض، وذلك حينما كتب عن حاجة أعضاء حزب المؤتمر إلى طرد السلالة النهرو/غاندية
من حزبهم لأنها برائيه رمز للإقطاع والتعفن ونموذج استنسخته أحزاب أخرى في أماكن
عديدة، ولم تقدم للهند شيئا لجهة محاربة الفقر وتعزيز ثروة البلاد.
والمعروف أن أوباما
التقى غاندي مرتين فقط لفترة قصيرة، الأولى في واشنطن عام 2010 بصفته الأمين العام
لحزب المؤتمر الحاكم، والأخرى في نيودلهي خلال زيارة أوباما للهند عام 2017، ولهذا
رد أحد نواب حزب المؤتمر المعارض على أوباما قائلا: "يا سيد أوباما .. لا أحد
يستطيع معرفة أي شخص خلال خمس أو عشر دقائق .. أحيانا يستغرق الأمر أعواما .. أنت
مخطئ في الحكم على شخصية راهول غاندي". أما المتحدثة الرسمية باسم الحزب فقد
غردت قائلة: "لسنا بحاجة إلى باراك أوباما ليصدر حكما على زعيمنا راهول غاندي".
اما ما قاله بخصوص
فترة الثورات المضطربة في العالم العربي، التي تعرف بـ«الربيع العربي». فهو يشير
لانطباعاته الشخصية السلبية، بعد لقائه الأول مع الرئيس الراحل حسني مبارك، وحكم
عليه بأن الرجل «معزول عن الواقع بحكم سنه المتقدمة، وبقائه بعيداً عن الشارع،
معتمداً على حاشيته»، وتوقع بالتالي أن ذلك الوضع لا يمكن أن يستمر، وقرر التحرك
لمساعدة المطالبين بالتغيير. هذا طبعاً وصف غير أمين وليس دقيقاً. فالمتابعون
لتاريخ الشرق الاوسط يدركون تماماً أن شرارة التغيير الفوضوي انطلقت مع حقبة جورج
بوش الابن، والمحافظين الجدد في إدارته، ومشروع «الفوضى الخلاقة» الذي أطلقته
وزيرة الخارجية حينها كوندوليزا رايس، وكانت إحدى نتائجه غزو العراق بحجة نشر
الديمقراطية وفيها تم التعاون والتنسيق مع إيران، حتى لا تعترض وعملاؤها في العراق
على غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين.
ولعل الخطاب الذي
ألقاه جورج بوش الابن، في شرم الشيخ، خلال مؤتمر السلام العالمي، وانتقد فيه بعنف
السياسة المصرية، لدى نظام الرئيس مبارك الذي انسحب من القاعة محتجاً، أظهر ملامح
الوجه القبيح لمشروع «الفوضى الخلاقة». ولم يزر الرئيس حسني مبارك واشنطن بعدها
أبداً. واستبشر مبارك بانتخاب أوباما، وحرصه على زيارة القاهرة وتوجيه خطاب للعالم
الإسلامي من جامعتها، إلا أنه توجس حينما علم عن إصرار أوباما على عدم حضور مبارك
للخطاب. ثم التقى الرجلان في لقاء جاف وبارد، كان وداعياً بكل ما تحمله الكلمة من
معنى. كان باراك أوباما يكمل الفوضى الخلاقة، وكانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون
تطلق برنامج «الديمقراطية والتنمية»، وهو برنامج ربط تحرير الشعوب عبر استخدام
التقنية الحديثة في أحد توجهاته.
0 تعليقات