آخر الأخبار

وزير يعبد الأصنام!! (1)

 




 

إيمان إمبابى

 

لن أتحدث عن تدمير شركة الحديد الصلب بحلوان.. ومحاولة شطب اسمها من تاريخ وذاكرة مصر والمصريين.. إن بيعا, أو خصخصة, أو طرحا على مائدة القمار العملاقة التى تحكم العالم.. والتى يسمونها "البورصة".. والله لن أتحدث عن الرئيس "جمال عبد الناصر".. ولا عن الأمن القومى المصرى.. ولا الصناعات الثقيلة, أو "التصنيع التقيل" الذى غنى له "عبد الحليم حافظ".. قسما بالله.. لن أشير من قريب أو بعيد إلى عدد العمالة الماهرة النادرة.. التى يجرى دهسها الآن على قارعة طريق البورصة.. ولن أذكر إطلاقا.. تأميم "بريطانيا العظمى" لصناعة الحديد منذ سنوات لأنها اعتبرتها أمن قومى للوطن.. سوف أغلق فمى تماما عن الحديث فى شأن البرلمان, والحكومة, والساسة, والقادة.. فقط اسمحوا لى بالترحم على من رحل.. والدعاء بالصحة لمن بقى على قيد الحياة من رجال هذا الوطن العظام.. وليس آخرهم المشير محمد حسين طنطاوى.

 

 

سوف أتحدث عن رجل اتهم المصريين.. بأنهم عبدة أصنام.. وأردف أنه ليس من عبدة الأصنام.. رجل تحدث على الملأ مخاطبا الملايين عبر فضائية واثنتين.. بلغة "سايس" فى منطقة عشوائية.. فذكر أن مصنع الحديد والصلب "مايسواش عشرة صاغ".. نعم.. إنه هشام توفيق.. وزير قطاع الأعمال.. الرجل الذى شمر عن ساعديه هاشا باشا للإجهاز على الحديد والصلب.. من هو هشام توفيق؟.. أعتقد لا داعى الآن للحديث عن مؤهلاته ومسيرته العملية.. يهمنى فى اللحظة الآنية.. أن أعرض أفكار الرجل وقناعاته.. التى خطها بنفسه على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".. تعالوا معى.. نتجول فى صفحته.. حتى لا يتهمنا أحد بالادعاء على الرجل.. فهو لم يبخل فى الإفصاح عن نفسه.. وقناعاته وأفكاره.. الرجل غارق فى محبة الخديوى "اسماعيل" والأسرة الملكية.. حتى آخر فرد فيها.. تفضلوا بالدخول..

 

يوم 25 ابريل 2018.. كتب: "سيدى حضرة خديوى مصر اسماعيل ابن ابراهيم ابن محمد على باشا..البعض وأنا منهم يرى أنه أحق من جده بلقب بانى مصر الحديثة.. نعيش على إنجازاته ونرى أثر عمارته حتى اليوم بعد أكثر من 120 سنة على وفاته.. احتراماتى وتقديرى سيدى"..

 

 

بينما فى 30 يونيو 2016 كتب:

 

 "ولى النعم, من بعد الله, على مصر.. لا اعلم سيدى لم هفت نفسى اليوم لرؤية صورتك على صفحتى".. الرجل لم يتغير قيد أنملة لسنوات.. لا ضرر فهو حر فيمن يحب وما يعتنق.. أما ما ليس حرا فيه أبدا.. فهى خلطة الأكاذيب المغلفة بجهل والتى تستحق الرد.. فقد استفحل نفوذ الجهلاء فى بلادى.. بما يعد معه الصمت على تخريبهم للعقول خيانة.. إقرأوا معى السطور التالية!

 

وفى 14 فبراير 2012 كتب تحت عنوان:

 

 "إسماعيل عشرة.. العسكر صفر" فقال:

 

 "بعيدا عن الصراع الدائر بين مختلف القوى السياسية من عسكر وإخوان وثورجية، أعتقد أن تجربة الشهور الماضية قد كشفت بوضوح كم الأكاذيب الهائلة التي عشناها مع مختلف أصناف العسكر منذ ثورة يوليو 52.. كم كنت مغفلا يا عم صلاح جاهين وياعندليب لتروجا لبضاعة فاسدة.. وكم كنتي ساذجة يا جماهير لتجري وراء أحلام وشعارات أثبتت السنين زيفها.. و لحكامنا الأشاوس أقول غسلتم مخ أمة بأسرها ومحوتم من التاريخ حقبة عشنا ومازلنا نعيش على إنجازاتها.. فإذا رجعنا إلى فترة حكم الخديو اسماعيل والتي دامت 16 سنة من عام 1863 إلى عام 1879، نجده قد حقق فيها التالي لبلاده: الإنتهاء من مشروع قناة السويس بعد أن هدده الفشل في آخر عهد سعيد، و منع السخرة والعبودية، وإعادة الأراضي التي تم تخصيصها في عهد سعيد لشركة قناة السويس, تدشين أول مجلس وزراء مصري لإدارة مصالح الدول, تدشين أول برلمان مصرى, إنشاء القاهرة الخديوية بمرافقها من مياه و غاز للإنارة و التي مازلنا نفخر بها إلى اليوم، و حديقة الحيوان و طريق الهرم و دار الأوبرا, تطوير زراعة القطن والسكر وإنشاء عشرات المحالج والمصانع المربوطة بها, تطوير السكك الحديدية أضاف 1500 كيلو متر لـ 250 كيلو متر ورثها من سلفه, إنشاء مرفقي المطافيء و البريد, في مجال التعليم تضاعف عدد التلاميذ في المدارس الإبتدائية في عهده من ثلاثة الاف إلى 16 الف. إنشاء الكباري بلغ عدد الكباري المشيدة في عهده 276 كوبري.

 

شق الترع بلغ عدد الترع المنشأة في عهده 112 ترعة أهمها ترعة الإسماعيلية بطول 98 كم والإبراهيمية بطول 150 كم و البحيرة بطول 42 كم, تنظيم القانون المدني و قانون التجارة المدنية و قانون التجارة البحرية و قانون العقوبات و قانون تحقيق الجنايات إنشاء المحاكم المختلطة, وإخضاع الأجانب المقيمين في مصر لها أسوة بالمصريين, إنشاء مجلس الدولة.

 

السؤال لك عزيزي القارئ: ترى ماذا حققت لنا حكومات العسكر على مدى ستون عاما منذ ارتدائها قناع الثورة عام 52؟ أحلاماً بعدالة اجتماعية أدت إلى توزيع الفقر على المصريين الذين تضاعف عددهم نتيجة للسياسات الخاطئة إلى أربع أضعاف عددهم قبل الثورة, مجانية تعليم خرجت الملايين من البؤساء غير المؤهلين لشغل أي وظيفة, خدمات صحية مميتة, آلاف العشوائيات التي يقيم بها ربع المصريين, قيم اجتماعية منحطة. هل نجد الشجاعة لمواجهة أنفسنا بالحقائق بعد كشف الأقنعة؟"!!!

 

تعمدت نشر ما قال الرجل نصا.. لأنى سأرد على كل نقطة أوردها.. "فالكوكتيل المسموم" الذى اعتاد "عبدة صنم الملكية" إلقاءه فى وجوهنا ترهيبا وتخويفا بات كريه الرائحة.. يليق بحوارات لقتل الوقت بين المتسكعين على النواصى من العاطلين عن العمل.. أما التاريخ.. فلا يلق أن يلوكه جاهل أو فاسد أو انتهازى.. وللتاريخ سأبدأ من أول نقطة.. قناة السويس.. مرجعى المؤرخ الكبير "عبد الرحمن الرافعى" فى كتابه "عصر إسماعيل" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب..

 

أولا: قناة السويس

 

بعد وفاة سعيد وتولى اسماعيل.. حرص "إسماعيل" كما سلفه على إرضا الأوروبيين من أنصار المشروع.. فمضى فيه قدما محملا مصر تبعات إتمامه.. كما تحمل سلفه تبعة البدء فيه.. وللحقيقة فقد هاله الامتيازات التى نالتها الشركة فى القناة فاعترض على 4 بنود هى: تعهد الحكومة بتقديم العمال للشركة حتى 20 ألف عامل بصفة دائمة, وإلا فهى مطالبة بتعويض الشركة.. ملكية الشركة لترعة المياة العذبة المزمع إنشاؤها وتقاضى أجر مقابل رى الأفراد لأراضيهم بحسب تقديرها.. ملكية الشركة لجميع الأراضى التى ترى أنها فى حاجة إليها لحفر القناة, وإعفاؤها على الدوام من الأموال الأميرية عليها, وملكيتها للأراضى التى ستقوم باستصلاحها وعدم دفع ضراب عنها لمدة عشر سنوات.. إلزام الحكومة بنزع ملكية الأطيان المملوكة للأفراد إذا احتاجتها الشركة.. إعترضت الشركة على مطالبه.. فلجأ لتحكيم "نابليون الثالث" إمبراطور فرنسا.. وذلك كان أول خطأ فى هذا الملف.. فى 6 يوليو عام 1864 أصدر الإمبراطور حكمه الجائر:

إبطال حق الشركة مطالبة الحكومة بتقديم عمال مصريين.. مع إلزام الحكومة المصرية بتعويض مالى للركة قدره 38 مليون فرنك! - تنازل الشركة للحكومة عن حقها فى ترعة المياة العذبة وإلزام الحكومة بحفرها مع احتفاظ الشركة بحق الانتفاع بها.. وإلزام الحكومة أن تدفع للشركة مقابل هذا تعويضا قدره 16 مليون فرنك! - جعل الأراضى المملوكة للشركة 23 الف هكتارا - وإعادة الأراضى الأخرى التى اتضح عدم لزومها للمشروع ومساحتها 60 الف هكتار مقابل تعويض تدفعه الحكومة المصرية للشركة قدره 30 مليون فرنك!.. وبذلك يكون مجموع ما تدفعه الحكومة المصرية للشركة كتعويضات 84 مليون فرنك.. أى ما يقابل 3 مليون و360 الف جنيه انجليزى.. وإذا كان رأسمال الشركة أصلا هو 8 مليون جنيه انجليزى.. فيمكنك تقدير فداحة التعويضات التى حكم على مصر بتحملها.. وهى ما يقرب من نصف رأسمال الشركة!!

 

وفى 22 فبراير عام 1866 تم توقيع الاتفاق بين الحكومة المصرية والشركة بهذه البنود.. وفى مارس من عام 1869 عقد الخديوى اسماعيل اتفاقا جديدا مع الشركة ألغى فيه إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية المفروضة على وارداتها من الخارج.. مقابل تعويض قدره 20 مليون فرنك.. وتنازلت الشركة للحكومة المصرية عن بعض المبانى الخاصة بها مقابل عشرة ملايين فرنك أخرى!!

 

وفى 16 نوفمبر 1869 أقيم حفل افتتاح القناة.. وهو حفل لم يعرف التاريخ حفلا آخر يضاهيه فى الإسراف والتبذير.. فقد تكلفت الخزانة المصرية وقتها مليون و400 ألف جنيه انجليزى قيمة نفقات الحفل.. يضاف إليها 5 مليون و814 الف جنيه انجليزى فوائد وسمسرة ونفقات تحكيم!!.. ليبلغ إجمالى ما تكبدته مصر من أموال لهذه القناة 16 مليون و800 ألف جنيه انجليزى.. وفق ما ورد فى كتاب "تاريخ مصر المالى" أما ما قدمته الحكومة فى بيانها لمجلس شورى النواب عن ديونها ونفقاتها أن مجموع المدفوع لقناة السويس 16 مليون و70 الفا و119 جنيه انجليزى.. وهو ما يختلف عما أورده "ادوين دى ليون" القنصل الأمريكى فى مصر وقتها فى كتابه "مصر الخديوى" الصادر فى 1877.. أن إجمالى النفقات على القناة كان 17 مليون و423 الف و178 جنيه انجليزى!!.. أما شركة القناة نفسها فقد أوردت أن إجمالى نفقات القناة بلغ 451 مليون و656 الف و660 فرنك.. أى ما يوازى 18 مليون جنيه انجليزى!!

 

إجمالى أسهم مصر فى قناة السويس التى اشتراها سعيد كان 176 الف و602 سهم.. من إجمالى 400 الف سهم.. كانت قيمتها 3 مليون و426 الف جنيه انجليزى.. وهو عدد كبير كان ليدر أرباحا على الخزانة المصرية ويسمح لمصر بالمشاركة فى الإدارة.. لولا أن معين المال المصرى بدأ ينضب.. بعد القروض الباهظة والاستدانة المستمرة والإسراف فى الإنفاق.. وبدأ الخديوى يفكر فى بيع أسهم مصر.. عرضها على فرنسا.. ولما ترددت بادرت الحكومة الانجليزية بالشراء فهى فرصتها المنتظرة لوضع يدها على القناة.. فاشترت أسهم مصر بأربعة ملايين جنيه انجليزى.. وبهذا أضاع اسماعيل على مصر الميزة الوحيدة التى بقيت لها من المشروع بكل نفقاته!.. ولتكتمل الخسارة.. تنازل الخديوى عن 15 % من أرباح مصر من القناة بمقتضى العقد مع الشركة.. مقابل 22 مليون فرنك.. أى 880 ألف جنيه انجليزى سدادا للديون!

 

هنا يجب أن يكون السؤال.. هل يحتسب الأمر كإنجاز للخديوى "إسماعيل".. بكل تلك النفقات.. التى انتهت ببيع الأسهم؟!..

 

التالى.. تدشين مجلس الوزراء والبرلمان المصرى

 

إرسال تعليق

0 تعليقات