نصر القفاص
هذا زمن يهتك فيه الفأر عرض الفيل!
أتابع ثورة الكاتب الصحفى "خيرى حسن" وغضبه تجاه
"الباشمهندس" رئيس مجلس إدارة "دار المعارف".. هنا فشلت فى
تجويد صمتى.. فعندما يرفض ناشر كتابا.. هذا حقه.. وإذا كان الكتاب يحمل اسم
"محمود عوض" الأستاذ بمعنى الكلمة, فهو يحكم على نفسه بأنه
"جاهل" وكلمة "جاهل" عند أهل الخليج تعنى الطفل الصغير!!
وبالتأكيد الصغار لا يعرفون "محمود عوض" لأنه كان كبيرا ومبدعا ومفكرا
عظيما.. والجهال لا تهمهم معرفة مفكرين ولا مبدعين, خاصة إذا كانوا من أصحاب الرأى
والمواقف الناصعة التى تخلد أسماءهم وتجعلها مصابيح يصعب أن يطفئها أى
"باشمهندس"!!
لم يدهشنى رفض "الباشمهندس" الجالس على كرسى من كراسى
الكبار, لكتاب هو عبارة عن مقالات سبق نشرها للأستاذ "محمود عوض"
وأصارحكم أننى رفضت أن أنصح الصديق "طه عوض" بعدم الذهاب بالكتاب إلى
"دار المعارف" خشية أن يعتبرنى مبالغا لو قلت له أن "دار
المعارف" التى نعرفها ونحترمها ونقدرها.. بقدر ما أبكى عليها فى زمن
"الباشمهندس".. تختلف تماما عما كانت عليه من دار فكر وتنوير.. وكان
يمكن أن أبتسم فى مرارة لو عرفت أن "الباشمهندس" رفض نشر الكتاب.. وفقط!!
أما وقد تكلم "الباشمهندس" مبررا الرفض بكلمات تفوح منها
رائحة كريهة.. وقال معان تليق به وبمعرفته وحجمه.. فقد قال: "دار المعارف
ليست مؤسسة خيرية" مع أنه يعلم حق العلم أنها ومؤسسات أخرى كثيرة يتحكم فيها
أمثاله أصبحت مؤسسات خيرية عندما جلسوا على مقاعد الكبار لإدارتها.. ثم أضاف
"الباشمهندس" أن لجنة القراءة "بتاعته" ترفض الكتاب.. ولعلى
أتحداه أن ينشر أسماء أعضاء هذه اللجنة.. ولن يعلن بكل تأكيد.. لأن اللجنة نصحته
بالنشر على نفقة شقيق المؤلف.. فإذا دفع المؤلف يجوز النشر!! وذلك فى حد ذاته ينسف
فكرة استناده إلى لجنة قراءة.. لأنه منطق التجار والباعة الجائلين!!
أذهب إلى مصارحتكم بأسباب رفض النشر, وهى كامنة فى الكتاب –
المقالات – ذاتها.. فهذا كتاب يحمل فكرا يصعب على أمثال "الباشمهندس"
تحمل مسئولية نشره, رغم أن المقالات معظمها منشورة فى كبريات الصحف المصرية
والعربية خلال زمن كان يتألم من الفكرة لكن يحتملها.. وكان يصرخ من الحقيقة ولا
يقدر على طمسها.. وعندما وصلنا إلى "زمن الباشمهندس" لم يعد مقبولا نشر
ما كتبه الأستاذ "محمود عوض" لأن كلماته من قبره كفيلة بإيقاظ الوعى
وتبصير الناس بحقائق تحملها دفتى الكتاب – المقالات – ولأنى قرأت الكتاب واستمتعت
به بقدر ما علمت وتعلمت منه.. أكاشفكم بأنه لا "الباشمهندس" ولا لجنة
قراءته رفضوا الكتاب.. فالذى رفض الكتاب هم الذين أجلسوه على مقعده, باعتبارهم
ينفذون خطة تجفيف منابع المعرفة والإبداع.. فهؤلاء السادة أجلسوا "باشمهندس"
على مقعد رئاسة "الهيئة الوطنية للصحافة".. وأجلسوا على مقاعد مسئولية
المؤسسات الصحية "باشمهندسين" صغار!!
كتاب الأستاذ "محمود عوض" سبق أن نشر مثله عن "دار
المعارف" وقت أن كان يديرها أساتذة يفهمون معنى الكلمة.. وأجمل هذه الكتب
"من وجع القلب" وهو الكتاب الذى تشم فيه رائحة صحافة مصر العظيمة.. وسبق
أن نشرت دور نشر أخرى مقالات للمبدعين فى كتب, مازالت تجد من يبحث عنها ليتعلم
ويستمتع.. فالهيئة المصرية للكتاب نشرت عشرات الكتب للأساتذة "يوسف
إدريس" و"أحمد بهاء الدين" و"جمال بدوى" وغيرهم وكلها
مقالات سبق نشرها.. فالمقال فى زمن كانت مصر تفاخر خلاله بصحافتها, كان إبداعا فى
المعنى والمبنى.. ومقالات "محمود عوض" التى رفض "الباشمهندس"
نشرها فى كتاب تحمل أخطر وأهم التقارير الاستقصائية عن حكاية تدمير الصناعة
المصرية.. والكتاب – المقالات – تحمل تفاصيل الهيمنة الأمريكية على العالم العربى
تنفيذا لرؤية إسرائيل.. كما يحمل الكتاب حكاية تدمير الصحافة المصرية وفق منهج منذ
أكثر من ربع قرن.. ويكشف الكتاب – المقالات – بالمعلومات والقرائن والبراهين من
خطط لتسطيح الوعى المصرى وتدمير الثقافة.
لا أبالغ إذا قلت أن "الباشمهندس" لا علاقة له
بالموضوع.. ولن أتشاءم لأقول أن نقابة الصحفيين التى ناداها "خيرى حسن"
لن تتحرك.. ولن أحبطكم لو قلت أن "اتحاد الكتاب" سيتشاغل عن الموضوع..
لأن الحقيقة أن خطة تجفيف منابع الفكر والإبداع تم تنفيذها فى غفلة من المبدعين
على مراحل.. ولم يعد أمامنا غير صفحات "الفيسبوك" وشاشة
"اليوتيوب" لننشر عبرها ما يجب أن تقرأه وتشاهده الأمة وتبحث عنه.
عشنا للأسف لليوم الذى أفرغ فيه "الباشمهندس" ما فى
بطنه, كلاما فارغا.. ومنطق متهافت بجرأته على عدم نشر كتاب "محمود عوض"
باعتباره مقالات.. ودعواتى للصديقين "خيرى حسن" و"طه عوض" بأن
يمنحهما الله القدرة على تحمل ما حدث فى "زمن يهتك فيه الفأر عرض
الفيل"!!
0 تعليقات