عز الدين البغدادى
هناك مسألة هامة جدا أكّدت عليها النصوص الشرعية وهي مسألة
"الولاء والبراء"، حيث يطلب من المؤمن أن يوالي المؤمنين ويتبرّأ من
أعدائهم، كما قال عزّ وجلّ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ
كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ )، وقد استغلت هذه المسألة بشكل كبير لا
سيما في المدرستين الشيعية بقراءتها المشهورة والوهابية.
لكن هناك خلط في الفهم حصل في مفهوم البراء، فالبراء ليس موجّها
ضدّ من يخالفنا في الاعتقاد، بل ضدّ من يهدّد أهل الإسلام، كما قال عز وجل: ( لا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) فأجاز أن يكون بين الطرفين برّ، بل وجعل هذا من
العدل والقسط. ثمّ وضح بأنّ النهي المقصود إنما هو عن خصوص من قاتل وأعان على أهل
الإسلام، فقال: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ
تَوَلَّوْهُمْ ).
كما أكد هذا المعنى حيث قال عز وجل: ( لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) ، فالمؤمن لا يوادّ ( مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) أي
من عاداه.
بل كان هناك من المشركين من كانوا يتمتّعون بعلاقات طيّبة مع
النبيّ (ص)، ويحبونه وينصحون له، قال ابن هشام: وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عَيبة
نصحٍ لرسول الله (ص) بتَهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها.
بل إنّ اليهود وهم الّذين كانوا يعيشون مع المسلمين في المدينة
عدّهم النبيّ (ص) مع المسلمين أمة واحدة، حيث جاء في صحيفة المدينة: وإنّ اليهود
يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإنّ يهود بني عوف أمّةً مع المؤمنين،
لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. حيث تجد أنّ هذا النصّ ثبتهم أنّهم جزء من أمة
تضمّهم مع المسلمين، كما أنّ الأمة شيء واحد في وقت الحرب تتكافل وتتضامن، لكن مع
بقاء كلّ منهما على خصوصيّة دينه.
كما إنّك تقرأ قول الله عز وجل: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ
عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى
ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ
) ، فجعل النصارى أقربَ واليهود أبعدَ ما يكون، ولا يخفى عليك بأنّ اليهود أقرب
اعتقادا إلى المسلمين، فتوحيدهم أفضل قطعا مما عليه النصارى، إلا أنّ التفضيل جاء
بسبب سياسي وهو أنّ اليهود كانوا أكثر خطرا على الإسلام، وكانوا يكيدون له
ويتواطئون مع أعدائه، مع ما عرف عن كثير منهم من شحّ وتعامل بالربا.
وعلى هذا، ينبغي وأنت تتحدّث عن الولاء والبراء أن تفرق عندما تنظر
إلى أهل الكتاب بين أبناء الوطن وغيرهم، فلا يمكن أن أجعل النصارى الّذين عاشوا في
هذه البلاد منذ مئات السنين والصليبين الّذي غزوا بلاد الإسلام، لا يمكن أن أجعلهم
سواء.
0 تعليقات