عز الدين البغدادي
في أصول الفقه تجد ما يعرف بمباحث الحجة الذي يناقش الأدلة الشرعية
التي يعتمدها الفقيه في استنباطه، ومن تلك الأدلة ما يعرف بـ "المصالح
المرسلة" وبموجبها يمكن للفقيه أن يفتي حسب مصلحة ما يراها راجحة، وهذا أمر
عرف به المالكية ووافقهم بعض الفقهاء وعارضهم غيرهم ومنهم الامامية، وفصل بعضهم كالأحناف.
ومن يرفض المصلحة ينطلق من رؤية مثالية مفرطة تفهم المصلحة
باعتبارها شيئا سلبيا، أو أنها تعبّر عن حالةٍ من الانتهازيّة، رغم أن المصلحة أمر
محترم شرعا ونحن نعتقد ان كل تكليف فهو ينطوي على مصلحة يراد تحصيلها أو مفسدة
يراد دفعها، وواقعا فإن هذا الموقف المثالي غير الناضج وغير المنتج يذكرني بما
قاله القرطبي عن دليل "سد الذرائع" حيث قال عنه: ذهب إليه مالك وأصحابه،
وخالفه أكثر الناس تأصيلا، وعملوا عليه في أكثر فروعهم تفصيلا".
المشكلة أن الإسلاميين الذين كانوا يتحدثون كثيرا عن منطلقاتهم
الشرعية التي ترى أن المصلحة لا تصلح أن تكون دليلا شرعيا رجعوا الى العمل بها،
وبشكل مرعب وخطير، وبرروا بها الكذب والسرقة والقتل والخيانة، بل ومارسوا إدارة
دور الدعارة والقمار والرقيق الأبيض وغير ذلك وغير ذلك، وكلها تحت تبرير واحد وهو
"المصلحة تقتضي".
فبعد ان رفضوا المصلحة بمعناها الأصولي الذي ينظر الى المصلحة
الكلية الواقعية للأمة ككل؛ فإنهم رجعوا ليأخذوا بالمصلحة بمعناها الشخصي
الانتهازي وجعبوها مبررا لانتهاك الحرمات.
0 تعليقات