عمر حلمي الغول
تعمل الدوائر الصهيونية بمستوياتها المختلفة منذ بدأت في تنفيذ مشروعها
الكولونيالي على ارض فلسطين التاريخية على ملاحقة وتشويه ونفي الذاكرة والهوية
الوطنية الفلسطينية العربية في كل الميادين، وإرتكبت عشرات المجازر الوحشية ضد
ابناء الشعب الفلسطيني، بعضها تم الكشف عنها، والبعض الآخر مازال طي سراديب أجهزة
الإرهاب الصهيونية. ولهذا تحاول الدولة الإستعمارية إخفاء وطمس أية مجازر أو جرائم
حرب إرتكبتها حتى المعروفة منها، والتي شاهدها العالم على الفضائيات العالمية،
وتحاول ان توحي للرأي العام العالمي أن جيشها القاتل واداة الإرهاب المنظم، بانه "جيش
أخلاقي"، و"يلتزم بالمعايير القانونية"، وأن ما يثيره الفلسطينيون
والعرب وأنصار السلام في العالم حول وحشية ودونية الجيش، ليس سوى "تشويه".
وهذا ما يجري مع فيلم "جنين جنين" الوثائقي منذ عقدين من الزمن،
الذي اخرجه الفنان المبدع محمد بكري ابن قرية البعنة عام 2002، وعرض عام 2004. زمن
الفيلم 54 دقيقة وثق من خلاله بكري جريمة الحرب الإسرائيلية في مخيم جنين البطل. ومنذ
ذلك التاريخ والفيلم والفنان بكري محل ملاحقة ومطاردة لإغلاق دائرة الضوء عنه،
وحذفه كليا من الماضي القريب والحاضر والمستقبل، وتصفية كل نسخة منه بكل الوسائل. وكان
آخر حكم على الفيلم والمخرج المبدع مساء يوم الإثنين الماضي الموافق 1/11/2021 في
محكمة اللد، التي حكمت ظلما وبهتانا وزورا قرارا بمنع عرض الفيلم، ومصادرة كافة
نسخه في إسرائيل، وإلزام المخرج بكري بدفع تعويض بمقدار 175 الف شيقل لمقدم الدعوى
(ضابط إسرائيلي شارك في جريمة إقتحام وتدمير وقتل الأبرياء في المخيم البطل)، كما
وحكمت بتغريمه مصاريف الدعوى القانونية بقيمة 50 الف شاقل ايضا. وإعتبرت القاضية،
ان الفيلم يتضمن "تشهيرا" بالضباط القاتل وجنود جيش الموت والجريمة
المنظمة الإسرائيلي... إلخ
وهذة ليست المرة الأولى التي يحاكم القضاء الإستعماري الفيلم والذاكرة
الوطنية الفلسطينية، ولا أعتقد انها ستكون الأخيرة. لا سيما وان الفنان بكري
ومحامييه سيطعنوا في الحكم الجائر والعنصري، والذي يعري نتنياهو وساعر وبينت
وليبرمان وكل جوقة الصهاينة الإستعماريين، الذين يدعون الآن وعشية الإنتخابات
البرلمانية للكنيست ال24، بانهم ليسوا ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الجليل
والمثلث والنقب والمدن المختلطة بهدف كسب الأصوات الفلسطينية لصالح كتلهم وأحزابهم
المستبيحة للدم والحقوق والمصالح والثقافة والهوية الوطنية الفلسطينية.
حكم محكمة اللد الصهيونية العنصرية لاقى ترحيبا وتأييدا من قائد اركان
الجيش كوخافي، ووزيرة الثقافة الصهيونية، حيلي تروفر وكل اركان المؤسسة الصهيونية
في الحكم والمعارضة، وهو ما يعكس الإصرار الصهيوني على نفي الرواية الوطنية
الفلسطينية، والسعي لشطب الهوية والشخصية الفلسطينية، ومحاربة الثقافة والفن
الملتزم، والمدافع عن الحقيقة. لإنهم يخشون تعرية عنصريتهم ووحشيتهم، لذا يعملون
بكل الوسائل والسبل على تكميم الأفواه وحذف الصورة والوثيقة، والتعتيم على الكفاح
السياسي والمطلبي لإبناء فلسطين في كل التجمعات في الداخل وفي داخل الداخل والشتات
والمهاجر.
فيلم "جنين جنين" ليس سوى عكس لمذبحة صهيونية إرتكبها جيش الموت
الصهيوني في وضح النهار، وعلى مرآى ومسمع كل العالم، ولم يضف الفنان شيئا سوى نقل
الحقيقة من قلب المخيم البطل وبعد أكثر من اسبوعين من إرتكابها عام 2002، حيث تمكن
المخرج مع طاقمه الفني من التسلل للمخيم الذبيح وتوثيق البصمات السوداء للجيش
العصابة القاتلة، ومع ذلك حاولوا إنكار الفيلم الوثيقة، ولي عنق الحقيقة، والإدعاء
الكاذب، بأن الفيلم إستهدف "التشهير" و"تشويه" صورة الجيش
اللا أخلاقي.
النتيجة الماثلة للرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي تؤكد مجددا للمرة
الألف حقيقة ساطعة، ان ما يسمى القضاء الصهيوني ليس سوى أداة من أدوات الجريمة،
والعمل على طمس وتبديد الحقائق، وتضليل الرأي العام، وحماية أدوات القتل من جيش
وأجهزة امنية وقطعان المستعمرين من الملاحقة القانونية في المحاكم الدولية، وتشويه
معالم الصراع القومي. بيد انهم فشلوا، وسيفشلوا لاحقا، لإن الشعب العربي الفلسطيني
حقيقة ماثلة، وراسخة رسوخ الجذور في الأرض والتربة الوطنية.
الفنان المخرج محمد بكري ليس وحيدا في معركة الدفاع عن الهوية والشخصية
الوطنية، وعن الحقوق والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، لإن كل الأحرار من الوطنيين
والقوميين والديمقراطيين يقفون بقوة معه، وخلفه، وإلى جانبه. ومعه ايضا كل انصار
السلام والعدالة السياسية والإجتماعية في العالم. وستبقى عدسة وصورة بكري وكل
الفنانين الفلسطينيين في ميدان الدفاع لتوثيق جرائم الحرب الصهيونية دون تردد، او
خشية من القضاء الصهيوني الشريك فيها. كما سيبقى الشعب ونخبه الحية يلاحقون
ويحاصرون القتلة الصهاينة من سياسيين وعسكريين في المحاكم وبكافة الوسائل والسبل
الفنية والثقافية والمعرفية والقانونية حتى ينتصر الحق ويعم السلام.
0 تعليقات