آخر الأخبار

لماذا أصبحنا هكذا !! ترييف المدن المصرية ....الفيل الذي لا يريد احد أن يراه الحلقة الأولى .....

 



 

 

أحمد برهام

 

 

فى ثلاثينيات القرن الماضى كان نسبة السكان فى الريف المصرى تصل الى اكثر من 72% من اجمالى عدد السكان ، وبلغت اليوم نحو 57-56% تقريبا ، اى انها فى انخفاض مستمر وبشكل لا يمكن تجاهله .

 

هذا الانخفاض صاحبه طبعا عملية هجرة مكثفه الى المدن المصرية ، لم تقتصر فقط على التغير الديموغرافى ، وانما صاحبه تغييرات ثقافيه و اجتماعيه و اقتصاديه وامنيه عميقه ، نعيش اثارها حتى اليوم ولا نتخيل ان بعض هذه الآثار هى النتيجة الطبيعية لعملية ترييف المدن المصرية !

 

لا ينبغى ان يؤخذ هذا الموضوع على انه اهانة لفئة معينه من المصريين ، فقط هو رصد للتاريخ و الواقع الذى نعيشه او الذى عشناه فعلا ، بحلوه و مره ، ولا تنس انى ابن محافظه ريفيه الطابع ، هى محافظة الشرقيه ، فلا معنى للمزايدة هنا !

 

عملية الهجرة الى المدينة ، ليست حكرا على مصر ، بل هى مسألة عالميه ومفهومه وطبيعيه ، ونسبة القاطنين فى الريف فى انخفاض مستمر عالميا ، سواء للتحديث المستمر للريف حيث يتحول الى مدن تدريجيا ، أو نتيجة للهجرة بحثا عن حياه أفضل، ولا مشكلة فى هذا

المشكلة هنا تحدث عندما يصر الريفى على نقل الريف معه الى المدينة ، هنا بدلا من ان ترتفع نسبة السكان فى الحضر ، بالمفهوم الثقافى وليس الديموغرافى ، يتم "" ترييف المدينة نفسها "" وتحويل ثقافتها المدنية الى الثقافة الريفية تدريجيا بسبب كثافة الهجرة فى وقت قصير إضافة للدعم الاخوانى واليسارى لبعض جوانب هذه الثقافة التى تخدم مشروعهم التخريبى مع ضعف دور الدوله وتخاذلها احيانا!!

 

عندما نتحدث عن "" الريفى "" فاننا لا نقصد المهنه او الموقع الجغرافى بقدر ما نقصد "" الثقافه السائدة "" فى المجتمع الصغير فى الريف ، او حتى القبيله فى البيئه الصحراويه !! فكلاهما مجتمع صغير مغلق يتسم بسمات ثقافيه متشابهه نسبيا و يختلف تماما عن الثقافه الحضريه الاكثر اتساعا و انفتاحا وقبولا للاخر !

 

وكم من ريفى الاصل هاجر من قريته لافق اوسع ، وعاش حاملا ثقافة المدينه ، دون ان يؤثر هذا على احترامه لقريته و طباعها ، وهو ما ننادى به هنا ، ان تحتفظ لكل مكان بخصوصيته ولا تخلط ما يصلح هنا على ما لا يصلح الا هناك

سنتناول فى حديثنا لرصد الظاهرة و تبعاتها جوانب مختلفة و نرى كيف أصبحت تؤثر على كل جوانب حياتنا ، وتفسر الكثير جدا مما يحدث بشكل يومى ، ويجعلنا نتساءل ، لم نكن هكذا منذ عقود ؟!! لماذا انحدرنا الى هذا القاع الآن ؟! ماذا حدث ؟!

 

لماذا أصبحنا هكذا ؟!!

 

طبيعة الثقافة الريفية

 

نحتاج فى البداية ان نستوعب الثقافة الريفية ، لنفهم تأثيرها على الثقافة الحضرية ، ونستطيع ان نرصد التغيرات و نعيدها لأصلها إن أمكن !

 

إذن ما هى خصائص هذه الثقافة ؟

 

الريف مجتمع صغير وشبه مغلق ، بمعنى ان كل ما لديك فى منزلك معروف لدى جيرانك ، ولا سبيل لاخفاءه ، وتحرى الاختفاء حفاظا على الخصوصية يعرضك للشكوك و القيل والقال ، وما أكثرها، هذا يجعل الجميع مكشوفا او شبه مكشوف ما يفرض عليه التحفظ قسرا، ويجعل الغموض والخصوصية أمرا غير مقبول ومثيرا للشك والشائعات ، ويجعل تدخل المجموع فى شئونك امرا طبيعيا اعتياديا ، بل ومن صميم حقوق هذا المجموع (مش بيفكرك بحاجه الموضوع ده فى أحداثنا اليومية ؟)

 

صعب جدا ان ينتقل شخص من خارج القريه الى القريه ، ويتعايش معها و يصبح جزءا منها ، الا اذا قدم قبلها كل شىء على المكشوف للمجتمع الريفى الذى يسكن فيه ، يعنى يتنازل بشكل كامل طوعى عن كامل خصوصيته ، لتصبح مشاعا للجميع ، فاذا اجتزت اختبار فحص حياتك الشخصية اليومية بنجاح وثبت تطابقها مع حياة اغلب أفراد المجتمع ، عندها يبدأ الريفى فى تقبل الشخص الجديد باعتباره لا خطر منه ويقل اهتمامه بخصوصيتك باعتبارها لا تخالف ما الفه عنده وعند جيرانه ، و لا اختلاف حقيقى بينك وبينهم ، حتى وان بقى أهل القرية يعتبرونك غريبا أجنبيا، لكن مرحب بك على كل حال !

 

طبعا إذا حدث العكس فأيامك ستتحول لجحيم مقيم ، توقع تنمرا بك وبأسرتك طوال الوقت ، أنت بالنسبة لهم شخصيه غامضة مخيفه ، وبالتالى لابد انك تخفى شيئا ما ، وعادة ما يكون هذا الشيء ذو طبيعة أخلاقيه فى عقلية الريف المصرى ، فتوقع أن تكون هناك تأويلات وتفسيرات سيتطوع بها البعض دوما ، لتفسير وتبرير هذا الغموض ، وغالبا ستكون تبريرات ( غير أخلاقية ) ، ولهذا ستكون موضع اتهام دائما ، لأنك ( الغريب ) !!

 

هذا الأمر لا يقتصر على الريف المصري كما تتصور ، بل انه طبيعة الريف فى الدنيا كلها ، طبيعة المجتمعات الصغيرة المغلقة، فى مصر وأوروبا وأمريكا و جنوب شرق آسيا ..

 

نستكمل الحلقة القادمة

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات