علي رجب*
“الانتخابات في إيران فرصة كبيرة يجب ألا نضيعها، لأنها تهيئ لتقدم
البلاد وتمنع أطماع الأعداء وتصد المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية للتأثير على
العملية الانتخابية، والمشاركة الواسعة تضمن مستقبل البلاد”.. بهذه الكلمات عبر
المرشد الإيراني علي خامنئي، عن رؤيته للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو
المقبل، وذلك خلال خطاب له في 17 فبراير 2021.
تحدث “خامنئي” بنفس نبرته المعتادة حول المشاركة الانتخابية، في ظل
تخوف النظام الإيراني من ضعف المشاركة المتوقعة جراء الظروف الاقتصادية والوضع
المتأزم في البلاد، وفقًا لما أظهرته استطلاعات رأي حديثة أجرتها مؤسسات إيرانية.
المرشد الإيراني علي خامنئي
وبينما تتحول الأنظار نحو طهران في انتظار معرفة من يحسم السباق
الرئاسي ويصل لـ”قصر سعد آباد”، مقر الرئاسة الإيرانية، خصوصًا مع مرض المرشد
الإيراني الأعلى المصاب بسرطان البروستاتا، يحتدم الصراع الداخلي بين معسكر
المحافظين المتشدد وبين معسكر الإصلاحيين الموصوف بأنه أكثر اعتدالًا من نظيره.
ويحظى رئيس الجمهورية الإيرانية بسلطات تشبه سلطات رئيس الوزراء في
الدول ذات النظام البرلماني، وهو أعلى سلطة رسمية بعد المرشد الأعلى، ويترأس
الحكومة ويُشرف على تنفيذ الدستور وممارسة السلطة التنفيذية، وكذلك التوقيع على
المعاهدات والعقود التي تبرمها الحكومة الإيرانية وتعيين السفراء وغيرها.
بين الصقور والحمائم
خلال فبراير الماضي، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أن تسجيل
أسماء المرشحين لانتخابات الرئاسة سيبدأ في مايو المقبل، ومنذ ذلك الحين أعلن
مجموعة من القادة العسكريين والمسؤولين والبرلمانيين الإيرانيين نيتهم الترشح لخوض
السباق الرئاسي المرتقب.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن غالبية المرشحين المحتملين هم من المنتمين إلى تيار
الصقور ومعسكر الحرس الثوري الإيراني الأكثر تشددًا، ومن بينهم “حسين دهقان”، المستشار
العسكري للمرشد الأعلى ووزير الدفاع سابقًا (2013–2017)، والعميد سعيد محمد، رئيس
مقر “خاتم الأنبياء” للإعمار، الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، وفريدون عباسي،
رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني)، وهو عضو في المجلس
المركزي للرابطة النووية الإيرانية، ومقرب من الحرس الثوري وجرى إدراجه على قائمة
العقوبات الدولية في 2007.
وضمت قائمة المرشحين أيضًا حسن سبحاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة
طهران، والبرلماني السابق، وعلي مطهري، زعيم حزب صوت الأمة الذين استُبعدا من خوض
الانتخابات السابقة من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني دون أسباب واضحة، وكذلك
محمد غرضي، الوزير السابق، وأحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، وحميد رضا حاجي
بابائي، النائب البرلماني المتشدد والوزير السابق في حكومة أحمدي نجاد الثانية
(2005 – 2013).
وفي المقابل، أعلن عدد من رموز التيار الإصلاحي عزمهم الترشح لانتخابات الرئاسة،
ومن أبرزهم مصطفى کواکبیان، البرلماني السابق والأمين العام للحزب الديمقراطي، ومحمد علي
أصفهاني، عمدة طهران السابق (مايو- نوفمبر 2018)، ومرشح حزب الثقة الوطني سابقًا،
إضافةً لـ”علي مطهري”، البرلماني السابق.
وتضم قائمة المرشحين المحتملين أيضًا، سياسيين بارزين من التيارين
المحافظ (المتشدد) والإصلاحي في مقدمتهم محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري
والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ومحمد باقر قاليباف، رئيس مجلس البرلمان
الحالي، وأحد قادة الحرس الثوري السابقين، وعزت الله ضرغامي، رئيس التليفزيون
السابق، وسعيد جليلي، المفاوض النووي السابق، فضلا عن أحمدى نجاد، الرئيس السابق،
ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وغيرهم.
مجلس صيانة الدستور يحسم قائمة المرشحين
إلى ذلك، يُشكل مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه التيار المحافظ أبرز اللاعبين
في تحديد القائمة النهائية للمرشحين، والتي يُتوقع أن تعلن في منتصف أبريل الجاري،
ويُحدد المجلس مدى أهلية المرشحين لخوض الانتخابات كما يشرف على العملية
الانتخابية برمتها.
ويقول الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات
الإيرانية، إن مجلس صيانة الدستور يمارس صلاحياته بموجب المواد من 91 إلى 99 في
الدستور الإيراني، ويعد مجلسا فوق برلماني من شأنه إجازة المرشحين للانتخابات
الرئاسية، لذا يلعب دورًا في التفريق بين المرشحين المحتملين والمرشحين المجازين،
والإقرار بأهلية أي مرشح للانتخابات.
وأضاف “أبو النورأن المجلس بمثابة الفلتر السياسي المسؤول عن تمرير
أو قبول أو رفض من يترشحون للانتخابات الرئاسية، ويبقى للناخب الإيراني أن يفاضل
بين مرشحين اختارها النظام الإيراني سلفا لهذه الاستحقاقات الانتخابية، معتبرًا
أنه أداة ضبط المرشحين واستبعاد المغضوب عليهم، كما فعل مع ثاني أهم شخصية في
الجمهورية الاسلامية وهو هاشمي أكبر رفسنجاني، فاستبعده من الترشح للانتخابات
الرئاسية في 2013، ما يؤكد أن المجلس أداة للمرشد الإيراني لتمرير أو قبول اور رفض
من يراه مناسبا للعمل مع في منصب الرئاسة.
الحرس الثوري في مقابل مؤشرات الاقتصاد
يسعى الحرس الثوري لحسم انتخابات الرئاسة لصالحه وفرض كامل سيطرته
على البلاد في ظل مرض المرشد الأعلى، ويعد الحرس الثوري أكبر المؤسسات الإيرانية
كمؤسسة عسكرية، متحكما في ملفات الاقتصاد والملفات الأمنية، بجانب تمتعه بنفوذ قوي
داخل المؤسسات الدينية والبرلمان.
وسبق للنائب السياسي لقائد الحرس الثوري، ياد الله جافاني، أن أعلن
أن الحرس لا يدعم أي مرشح في الانتخابات، ولعل ذلك يرجع إلى التجارب السيئة للحرس
مع الانتخابات، إذ خسرها ممثلون له في مرات سابقة أبرزها عام 2001، حين فاز الرئيس
محمد خاتمي بمنصب الرئيس على حساب علي شمخاني القائد السابق بالحرس الثوري.
ومع ذلك، يبدي المحلل الإيراني “رضا حقيقت نجاد” تخوفه من أن تؤدي نسب المشاركة
المنخفضة، التي يتوقع أن تشهدها الانتخابات على غرار الجولتين الأولى والثانية من
الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلى حسم الحرس الثوري وحلفائه للصراع الانتخابي
لأنه ينجح في حشد مؤيديه وداعميه في أيام الانتخابات، وبالتالي تشكيل حكومة عسكرية
متشددة تحت رئاسة صورية لرئيس مدني كـ”إبراهيم رئيسي” مثلًا.
ويوضح الدكتور محمد أبو النور أن الحرس الثوري له دور كبير في
توجيه الناخبين عبر استخدام أدوات الضغط البرلمانية والإعلامية والبحثية، لأنه
يملك “لوبيات” في مؤسسات وأماكن عدة، لافتًا إلى أن المؤشرات الحالية تشي بأن
الحرس الثوري سيتدخل لدعم “حسين دهقان” أو “إبراهيم رئيسي”، ومع ذلك لا يُمكن
الجزم بأن عمليات التوجيه التي يقوم بها ستنجح في نهاية المطاف، لا سيما أنها فشلت
في انتخابات سابقة كانتخابات 2017 التي خسر فيها “رئيسي” لصالح الرئيس الحالي “حسن
روحاني”.
ويواجه معسكر الحرس الثوري تحديًا كبيرًا جراء الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد
وعجزها عن مواجهة تداعيات جائحة كورونا في ظل العقوبات الأمريكية التي تأتي كنتيجة
مباشرة لسياسات الحرس الثوري التي أدت لتعقد الملف النووي وغيره من الملفات.
وحسب تقارير نشرتها مواقعة إيرانية معارضة من بينها موقع “إيران وير” فإن الاقتصاد
الإيراني انكمش بنحو 12%، وارتفع معدل التضخم بمعدل يقترب من 1400%، وهو ما انعكس
بشكل سيئ على الشعب الإيراني الذي يعيش نحو 80% منه تحت خط الفقر وفق تقرير سابق
صادر عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.
مواقع التواصل الاجتماعي فرس رهان في السباق الانتخابي
حرص المرشد الإيراني الأعلى “علي خامنئي” على الإشارة إلى دور
مواقع التواصل الاجتماعي في 21 مارس الماضي، قائلًا: “تدير جميع دول العالم فضاءها
السيبراني، ويمكن لهذا الفضاء أن يكون له تأثير كبير على أوضاع البلاد ومستقبلها”.
ويعكس حديث “خامنئي” مدى التخوف الذي يسيطر على النظام الإيراني من
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي كـ: (تويتر، وانستغرام، وتلغرام، وكلوب هاوس
وغيرهم) رغم حجب بعض تلك المواقع في البلاد، فإن مستخدمي الإنترنت يلجؤون لاستخدام
برامج كسر الحجب للالتفاف على التحكم السلطوي في الشبكة العنكبوتية.
وبدا تأثير مواقع التواصل واضحا في أكثر من مناسبة، منها الثورة
الخضراء التي اندلعت عام 2009 احتجاجًا على ممارسات الحرس الثوري، وكذلك في
انتخابات عام 2017، وما أعقبها من تظاهرات في نهاية نفس العام وأوائل 2018.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي داخل إيران، مؤخرًا، دعوات لمقاطعة
الانتخابات أو التصويت لمرشحي التيار الإصلاحي، وراجت هاشتاجات على تويتر وغيره من
المواقع من بينها: (#تصويتي الإطاحة بالنظام، و#نعم لجمهورية ديمقراطية)، حسب ما
رصدته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
ووفقا لاستطلاع رأي أجراه موقع “راديو زمانه” فإن 83.5% لن يشاركوا
في الانتخابات الرئاسيَّة، و6% لم يقرروا بعد، و10.5% ينوون المشاركة في
الانتخابات.
وتوقع “محمد مجيد”، الصحفي الأحوازي المتخصص في الشأن الإيراني، أن
يحجب نظام طهران موقع الانستغرام، قائلا في تدوينه على حسابه بـ”تويتر”: (خامنئي
في كلمته بمناسبة رأس السنة الإيرانية هاجم وسائل التواصل الاجتماعي واعتبرها
عاملاً للتأثير على الرأي العام الإيراني.. يبدو أنه سيتم حجب الانستغرام خلال
الأيام المقبلة في إيران).
ويتفق الدكتور محمد أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل
السياسات الإيرانية، مع الصحفي الأحوازي، مؤكدًا أن وسائل التواصل الاجتماعي ستشكل
عاملا مؤثرًا في الانتخابات، وقد تكون أداة في يد التيارات الإصلاحية والمدنية لحث
الشباب على المقاطعة، أو تكون أداة لتشويه فترة رئاسة حسن روحاني.
المراجع الدينية والتشابكات السياسية
في السياق نفسه، تلمح تقارير صحفية إيرانية إلى تراجع دور
المرجعيات الدينية في التأثير على العملية السياسية، بعد أن ظل لتلك المرجعيات
تأثير واضح على العملية الانتخابية في العقود الماضية، كما حدث في انتخابات 2005
عندما حظي أحمدي نجاد بدعم من آية الله محمد تقي مصباح اليزدي، وعندما وصل نجاد
إلى السلطة في 2005 قال مصباح اليزدي إن “انتصاره يشكل معجزة وهبة للشعب من الإمام
المهدي”.
وبجانب دور المرجعيات الدينية، تلعب التشابكات السياسية دورًا في حسم الانتخابات
المقبلة، وعلى رأسها ملف إيران النووي الذي يُشكل أحد أهم الأدوات المؤثرة في سياسة
البلاد الخارجية والاتفاقية الأخيرة التي أُبرمت مع الصين، والتي قُوبلت برفض من
بعض شرائح المجتمع الإيراني التي سيطر عليها التخوف من زيادة النفوذ الصيني في
طهران.
ويقول الدكتور محمد أبو النور إن تأثير المراجع الدينية تراجع
نوعًا ما في السنوات الماضية، وأصبح للمجتمع الإيراني توجه ليبرالي ظاهر، وهو ما
يخالف المراجع الذين يتركزون في الحوزات الدينية في قم ومشهد وأصفهان وطهران،
مضيفًا أن هؤلاء المرجعيات ابتعدوا عن هموم الشارع فضلا عن تقدمهم الواضح في السن،
فعلى سبيل المثال “آية الله صافي الكلبايكاني”، و”آية الله مكارم الشيرازي” هم من
الكهول فيما يبلغ “أحمد جنتي” 94 عاما، وبالتالي فهناك فجوة جيلية واضحة بينهم
وبين شرائح الشباب، وبالتالي فتأثيرهم في الانتخابات لن يكون كالسابق.
وفيما يتعلق بالملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة، يوضح
رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أن هذا الملف سيتم استخدامه بصورة
مكثفة من قبل المرشحين للرئاسة بعد إجازتهم رسيمًا من مجلس صيانة الدستور، وسيلجأ
المرشحون للتلويح بهذا الملف خلال المناظرات العلنية التي سيعقدونها قبل موعد
التصويت.
وعلى صعيد الاتفاق الإيراني- الصيني، يؤكد “أبوالنور” أن الصين
جعلت إيران مركزا استراتيجيا لوجيستيا، في مبادرة “الحزام والطريق”، ما سيجعل
طهران بمثابة سمسار للبضائع الصينية دون تشجيع الصناعات الوطنية المحلية.
واستكمل: هذا الاتفاق يبدو في أعين الإيرانيين كاتفاق إصلاحي صاغه
الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، وبالتالي فإن رموز التيار المحافظ
سيستخدمونه كورقة ضغط ضد مرشحي التيار الإصلاحي، وهو ما يوحي بأن الانتخابات
المقبلة ستكون ساخنة وسيتخللها الكثير من الأحداث اللافتة للنظر.
0 تعليقات