نصر القفاص
عشت طفولتى فى "زمن عبد الناصر" وجزء من شبابى فى
"زمن السادات".. ثم أخذني "زمن مبارك" إلى أعتاب الشيخوخة..
باعتباره حكم مصر ثلاثين عاما.. درست الإعلام ومارست الصحافة المكتوبة والمرئية –
التليفزيون – أصبت فى آرائى وأخطأت.. قاتلت بالكلمة وقلت ما كنت اعتقده.. بشرت
"بزمن السيسى" وحاربت "الإخوان" قبل وبعد ثورة يناير – ومازلت
أختلف معهم جذريا – لرؤيتي أن هذه الجماعة زرعها الاستعمار البريطاني فى جسد مصر..
ثم تولت أمريكا رعايتها لتتمدد فى عدد كبير من دول العالم.. وطوال حياتى لم أتعرض
لقصف قلمى أو خنق صوتى سوى فى السنوات الخمس الأخيرة.. أنقذني
"الفيسبوك" من الشعور بالقهر.. رحت أكتب رؤيتى وأعبر عن رأيي على صفحتي..
حلقت فى سماء التفاؤل بفعل سحر هذه النافذة, وتأثيرها المذهل فضلا عن أنها أعطتني
مساحة حرية غير عادية.. شعرت بالدهشة الشديدة حين أطل الدكتور "أيمن منصور
ندا" أستاذ الإعلام المرموق, ليكتب رأيه ورؤيته فى الإعلام.
دهشتى كانت لأن الرجل كاتب رفيع المستوى.. وتضاعفت دهشتى لجرأته
وصراحته التى تدمى رؤوس الذين يمارسون الإعلام على أنه "خدمة فى
البيوت"!! وإن كان "لينين الرملى" قد سبقه فى التعبير إبداعا عن المعنى
ذاته.. وتلقف النص "صلاح أبو سيف" بتقديم فيلم "البداية"!!..
وكان ضمن أسباب دهشتى أننى
لم أكن قد تشرفت بمعرفة "الأستاذ" الذى تابعت محاولات اغتياله معنويا
عبر شاشات لا تتورع عن السب والقذف والتلفيق.. لكنهم "أراجوزات" هذا
الزمان.. كتبت مدافعا ومناصرا لأستاذ الإعلام, ليقينى أنه لم يقل غير الحق
والصدق.. جرت محاولات لإقناعى بالابتعاد عن الصواب.. قام بها من جعلوه أكبر مسئول
عن الإعلام!!
زادنى كلامه ثقة وإيمانا
فى اختياري الموقف الصحيح.. ثم شرفنى الدكتور "أيمن منصور ندا" باتصال
وعرفته تليفونيا.. وأراه على خير قريبا!!
أذهلني إيقاف أستاذ الإعلام عن عمله.. وأذهلني أكثر حملته الصحفية
المكتملة لكشف ما يجرى فى "جامعة القاهرة" التى أعتز بأننى تخرجت منها..
كنت أرفع رأسي متفاخرا أنني أحمل شهادتى الجامعية من كلية الإعلام التى قدمتها تلك
الجامعة هدية لمصر والعالم العربى لحظة انكسار بفعل النكسة..
تابعت ما كتبه الدكتور "أيمن" عن زميله الدكتور
"محمد عثمان الخشت" رئيس الجامعة.. ولكونى لم أعرف الدكتور
"الخشت" سوى عندما رأيته يقدم نفسه كمجدد للفكر الإسلامي فى حضور فضيلة
الإمام "أحمد الطيب" شيخ الأزهر.. وكان يمكن أن يصبح عندى ذكرى, بعد أن
عجز عن الرد على شيخ الأزهر الذى علمه كيف يكون الكلام والفكر والمعرفة!!
استمر الدكتور "أيمن منصور ندا" يكتب كاشفا جرائم فكرية
ومادية ارتكبها رئيس الجامعة.. كان الرد عليه صمتا, وعبر بيانات تأييد وإشادة
باهتة وقعها عدد من الذين يبحثون عن فرصة تقرب أو اقتراب من الذين يملكون العطاء
للذين لا يستحقون!!
وكما فشل الذين تناولهم نقدا فى حملته على "الأراجوزات"
سوى بالترهيب والعرض على النيابة لأكثر من مرة.. تصورت أن رئيس الجامعة المتهم
لحين التحقيق فيما تم نشره, سيفشل فى النيل من أستاذ الإعلام.. لكننى فجعت بأن
الذى يصرخ ضد الفساد بمستندات.. يتحول إلى متهم ويتم حبسه دون أن نفهم كيف؟!
ولماذا؟!.. وأصارحكم أننى ضبطت نفسى لأول مرة مرعوبا.. ليس خوفا أن
ينالنى سوء.. لكنه رعب من نتيجة ما أصبح الناس يشيرون إليه فى كل مكان.. لأنه
عندما تصبح الكلمة جريمة فى القرن الواحد والعشرين, فقل أن العواقب ستكون وخيمة..
وقل أن الخطر قادم وخطير.. هكذا علمنى التاريخ.. فقد سبق أن حدث ذلك مع الشيخ
"على عبد الرازق" لكنه كان محظوظا بعدم حبسه.. وسبق أن حدث مع "طه
حسين" لكنه لم يذهب إلى السجن.. وحدث مع "لطفى الخولى" الذى تحدى
"يوسف السباعى" وقت أن كان رئيسا لمجلس إدارة "الأهرام"
وانتصر له قضاء مصر العادل بحيثيات حكم تجعلنى أرفع رأسى كمصرى.. وكان قد سبقه
وكيل نيابة فعلها مع "طه حسين" وأصبحت مذكراته عنوانا لنصرة صاحب الرأي!!
احتجت لساعات طوال أحاول خلالها استيعاب ما يحدث.. لم أتردد فى أن
أقول كلمتى.. لكن فزعى وخوفى الذى بلغ حد الرعب, كان يشل تفكيرى.. وخشيت أن أنفلت
أو أتجاوز – والعياذ بالله – حتى تمالكت نفسى لأتمكن من أن أصرخ قهرا!! وليس عيبا
أن أعترف بذلك.. فقد أصبحت فى سن الشيخوخة, ورأيت طوال سنوات خمس مضت ما لم أتخيل
أن أعيشه أو أراه.. تعففت أن أشكو.. وما أشير إليه يعلمه عشرات بينهم زملاء
ومسئولين كبار.. بل كبار جدا.. وإذا كنت قد انحرفت عن الموضوع.. أستميحكم عذرا..
فالأمر جلل وخطير.. لأننى علمت بحالة الدكتور "أيمن منصور ندا" الصحية
من أصدقاء ومقربين له ومنه.. ورغم ذلك رفض "الأستاذ المحترم" أن ينحنى
أو يصمت.. أختار أن يقول الحق, وما يعتقده حتى لو كان خطأ.. لكنه لم يرتد
"لبس الأراجوزات" لأنه يملك علما وعقلا, ويقدر معنى أن يملك قلما ويكتب.
صدر قرار حبس الدكتور "أيمن منصور ندا" وهو الشاكى..
وسبق أن تم الإفراج عنه بكفالة مرة بعد أخرى.. وللقضاء كل الاحترام والتقدير.. لكن
لا تقدير ولا احترام لأى "أراجوز" وكل "أراجوز"!! ولا تقدير
ولا احترام لأى "فاسد" وكل "فاسد" حتى لو كان ثمن عدم تقديرهم
حريتى أو حياتى.. مع تكرار البوح بخوفى وفزعى ورعبى لأننى إنسان, والخوف والفزع
والرعب يراود أى إنسان إذا تعرض للقهر.. لكننى تمردت على ذلك حين سمعت
"ذكرى" تغنى.. وقد غنت "آمال ماهر" الأغنية ذاتها وكلماتها
تقول
"إحترامى للحرامى صاحب المجد العصامى"!!
0 تعليقات