علي الأصولي
لا زال الكلام في مناقشة دليل السيرة - وقد ذكرنا دليلهم في الدرس
السابق - والرد الإجمالي عليه هناك فراجع .. وهذا الدليل له عدة صياغات منها: ما
ذكره الميرزا النائيني ومنها: ما ذكره السيد باقر الصدر. ومنها ما ذكره الشيخ
المظفر في كتابه - أصول الفقه ج٣ - وحاصل ما ذكر الشيخ محمد رضا المظفر - مع انها
نفس الكلمات - حاصل ما ذكر : إن الدليل مركب من مقدمتين قطعيتين:
١). ثبوت بناء العقلاء على الاعتماد على خبر الثقة والأخذ به.
٢). كشف هذا البناء منهم عن موافقة الشارع لهم وإشتراكه معهم، لأنه
متحد المسلك معه. هذا بأختصار رأي من تبنى مسلك الوثاقة والنقد السندي بقضهم
وقضيضهم.
ولنا أن نسأل في المقام عن موضوعة الاطمئنان بالخبر هل هو من
ذاتيات خبر الثقة أم لا؟
والمسلم وجدانا ان خبر الثقة مهما كان المخبر من وثاقة لا يلازم
الوثوق بخبره.
بينما أن الخبر الموثوق بالقرآئن والشواهد والمؤيدات يمكن
الاطمئنان له. وبالتالي: يكون الاطمئنان من لوازم ذاتيات الخبر الموثوق. ولك ان
تجرب بينك بين نفسك ووصول خبر ما. خبر ثقة وخبر موثوق. وحاول ان تسأل نفسك لمن
ترجح بينهما !
كثيرة هي أخبار الثقاة والتي هي من الغرائب بل والمنكرات وأخبارهم
خلافا لقواعد ومحكمات الدين ومع ذلك لا نجد لأخبارهم بدعوى وثاقتهم قبولا وما
نقولوه حتى عند من أخذ بالتشددات السندية. وهذا خير منه لرفع اليد عن خبر الثقة
وترجيح الخبر الموثوق.
وعلى ما ذكرناه تعرف حقيقة دعوى القطع والجزم بإطلاق السيرة
واعتمادها على أخبار الثقاة بقول مطلق. ولا اقل كون السيرة تأخذ خبر الثقة العادي
وتتشدد بالخبر المهم والخطير حتى يحصل عندهم وثوق. بالتالي: نظر العقلاء بما هم
عقلاء والأخذ بالأخبار يختلف بلحاظ طبيعة الخبر فإن كان عظيما فلا يجازف العقلاء
بترتيب النتائج لمجرد وثاقة المخبر بخلاف الخبر الموثوق والعرف ببابك.
وعليه: دعوى القطع التي ادعاها العلامة الشيخ المظفر متزلزلة
بالوجدان. بالنتيجة انخرمت قاعدتهم بلحاظ عدم كونها مطردة في جميع الأخبار والأخذ
بما نقله الثقاة. وجريان السيرة التي اعتبرها من أدل أدلة المقام تمامية على ما
أفاد وتوهمه الميرزا النائيني وسار من قلده على هذا المنوال.
بالتالي: التمسك بالسيرة العقلائية والمتشرعية بدعوى عدم المنع وهو
ما يكشف عن الإمضاء مردود بالمنع ووجوب عرض الرواية على الكتاب.
نص الشيخ الفياض تبعا لأستاذه المحقق الخوئي الذي تبنى مسلك
الوثاقة في موضوعة الحجية حجية خبر الثقة. قوله: إن موضوع الحجية هل هو خبر الثقة
وإن لن يفد الوثوق بالواقع فعلا كما هو مقتضى سيرة العقلاء او ان موضوعها الخبر
المفيد للوثوق بالواقع فعلا وإن لم يكن المخبر ثقة .. الى أن قال .. والجواب: أن
موضوع الحجية هو خبر الثقة فحسب، لا الخبر المفيد للوقوف فعلا وإن لم يكن راويه
ثقة وذلك لأمرين:
الأول: أن مفاد جميع الأدلة من الآيات الكريمة والروايات والسيرة
حجية خبر الثقة سواء افاد الوثوق الفعلي بالواقع ام لا، وعمدة الأدلة هي السيرة
العقلائية الجارية على العمل بأخبار الثقة في مقابل اخبار غير الثقة.
الثاني: أنه لا يمكن أن يكون موضوع الحجية الخبر المفيد للوثوق
بالواقع فعلا، إذ على هذا لا موضوعية للخبر. فإن العبرة إنما هي بالوثوق. فإذا حصل
الوثوق بالحكم الواقعي فعلا فهو حجة من اي سبب كان. سواء أكان من الخبر ام كان من
غيره. كالشهرة الفتوائية او الإجماع.
وبالنتيجة: ان القول بأن موضوع الحجية الخبر المفيد للوثوق بالواقع
فعلا لا يرجع الى معنى محصل - المباحث الأصولية ج٨ - بتصريف قليل –
وفيه: الرد على أولا: فقد عرفت السيرة ومؤداها مما سبق ولا مزيد.
والرد على ثانيا: ان عنوان الخبر محمول على الموضوعية لا الطريقية في الحجية.
وعليه: لا يمكن تعديه الا بعد حصول الاطمئنان لا كيفما اتفق. خاصة في الأمور
المهمة.
ومحاولة التعدي تحتاج الى دليل وهو مفقود.
وإن وجد عنوان - الثقة - في بعض الاخبار من قبيل - ثقاتنا - او -
ثقتي - فالاصل فيه الموضوعية وتعديه الى إثبات الصدور يحتاج الى قرينة على حمله
على الطريقة. بالتالي: الاصل في قبول الخبر الاطمئنان ولا اطمئنان لمجرد موثوقية
المخبر بمفردها ما لم تتراكم القيمة الإحتمالية على الصدور.
بالنتيجة: وثاقة الراوي جزء علة لصحة الصدور لا ان نجعل ملاك صحة
الرواية ومناطها الوثوق. وقد سمعنا من بعض الأصحاب يسأل الإمام (عليه السلام).
بقول - أيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه معالم ديني - وان امكن نقض هذا الفهم
بدخول الإحتمال المبطل للإستدال بمفاد: ان الأصل بالسؤال عن وثاقة يونس براي
المعصوم. فيكون من قبيل انتزاع الاطمئنان الشخصي. بينما ما نبحث عنه في المقام
الوصول للاطمئنان النوعي. وبالتالي: عدم إسراء السؤال عن الثقة عند غير المعصوم
(عليه السلام).
وعليه جرى قدامى الأصحاب والأخذ من الثقاة وقدامى فقهاء المذهب في
مصنفاتهم وعدم روايتهم الا من مشايخهم وثقاتهم. كما هو حال الطوسي والنجاشي
والصدوق وعلي بن ابراهيم بن هاشم في - تفسير القمي - ودونك - كامل الزيارات - لابن
قولويه جعفر الذي نص على - أنه لا يروي في الكتاب إلا ما انتهى إليه من جهة الثقات
من أصحابنا - ودونك أيضا مراسيل أصحاب الإجماع التي اعتبرت مراسيلهم كمسانيدهم
لانهم لا يرون الا عن ثقاة.
بالتالي: قصة الثقة والوثاقة حاضرة في الذهنية الشيعية قديما. وهذا
لا يعني رفع اليد عن الوثوق فأثبات الوثاقة لا ينافي الوثوق. وعليه: نحتاج الى
قرينة زائدة على مقولة الوثاقة خلافا لمن ادعى عدم حاجتها السيد باقر الصدر .
هناك كتاب مهم في المقام يمكن ان الوقوف عليه لبيان منهج الوثاقة
ومنهج الوثوق - لعادل هاشم - تحت عنوان - مختارات رجالية -
اهم ما يمكن ان يؤخذ كملاحظات على منهج النقد السندي أمور:
١). منهج إثبات ظني لصدور الراوية. وعدم الافضاء للعلم بها
بالنتيجة: حتى مع فرض وثاقة الراوي فهو ليس بمعصوم من خطأ او اشتباه او فهم وخطأ
النساخ عنه. وعدم الوثاقة لا يلازم كذب الخبر بقول مطلق اذ ربما يصدق الكذوب ويكذب
الصادق. وهذا يعني ضعف السند لا يدل على عدم الصدور كما ان سلامة السند لا يلازم
الصدور.
٢). التقيمات الرجالية إجتهادية توثيقا وتضعيفا وهي تختلف من وأحد
لآخر. لأسباب وعوامل لا مقام لذكرها هنا.
من قبيل إختلافهم بتوثيق وتضعيف داوود الرقي وسهل بن زياد الادمي
والمعلى بن خنيس والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان ويونس بن عبد الرحمن .. راجع كتاب -
إثبات صدور الحديث - للسيد علي حسن مطر الهاشمي –
وبالجملة: موقفنا من خبر الواحد الذي له دخالة كبيرة في أدبيات
الفقه. عدم حجيته - عدا موضوع الشهود والشهادات –
فعدم حجيته ليس بقول مطلق. ولذا إذا توفر خبر الواحد على شواهد
وقرائن ومؤيدات التي من خلالها توفر الوثوق والاطمئنان بالصدور فأن توفرت بها
ونعمت وإلا فلا.
وهذا لا يعني ما صح سنده من الأخبار المتواترة حجة بقول مطلق إذ لا
تلازم بين صحة السند وصحة الخبر وأن كان متواترا. كما لا تلازم بين ضعف السند وعدم
صحة الخبر.
بالتالي: الاخبار المتواترة تحتاج الى عواضد ترفعها لمستوى اليقين
العادي عند العقلاء المعبر عنه بالاطمئنان والوثوق.
نعم: ما تجدوه في بعض كتاباتي او مقالاتي تحت عنوان - نحو فقه آخر
- هو لاتخاذ هذا المسلك فليلاحظ ..
0 تعليقات