آخر الأخبار

لحظة عابرة ، بقيت مرارتها فى القلب …

 

 




حمدى عبد العزيز

29 نوفمبر 2021

 

 

بالأمس كنت في أحد مراكز الأشعة بمدينة الإسكندرية ..

 

، وسبب تواجدي في مركز الأشعة ليس هو المهم الآن ، فالأهم هو إنني أثناء جلوسي في قاعة الانتظار لفت نظري دخول رجل أربعيني معتدل الهندام يرتدي بلوفر فوق قميص وبنطلون ونظارة طبية ، مصطحباً سيدة مقاربة له في العمر تقريباً بهندام ينتمي للطبقة الوسطي المصرية فقد كانت ترتدي فستان طويل داكن اللون وغطاء رأس أو (حجاب) داكن أيضاً ، وغالب الظن انهما ربما يكونا زوجان فقد كان معهما ولد صغير ..

 

اشار الرجل للمرأة والولد بالجلوس علي مقاعد الانتظار وذهب إلي عاملة التحاليل ، ثم عاد بعد دقائق معدودة مرتبك الوجه تبدو علي عينيه مزيج من علامات الأسي والضيق والاحباط متجهاً إلي المرأة التي برفقته والتي كانت جالسة في مقعد مقابل لي مباشرة ..

 

عندما عاد الرجل إليها كان قد وصل به القدر من الإحباط ماجعله لايتحكم في درجات صوته ولا في اختلاجات عضلات وجهه ، أو حركات يديه العصبيتين مردداً علي مسامعها ومسامعنا في آن واحد

-         تمان تلاف وتلتميه وخمسين (8350 جنيه) .. ليه؟

 

كرر ذلك ثلاث أو أربع مرات .. وكأنه يريد أن يطرح هذا السؤال علي كائن ما تراه عينيه الزائغتين ..

 

ثم أردف مخاطباً المرأة التي تنظر إليه واجمةً ..

 

- طالبين تمان تلاف وتلتميه وخمسين جنيه ..

، وبعد أن التفت يميناً ويساراً فقد لاحظ أن صوته وصل إلي مسامع الجالسين علي مقاعد الانتظار في انتظار إجراء تحليلاتهم أو آشعتهم استدرك الموقف قائلاً لها بصوت يهزه الحرج ..

 

- ماعملتش حسابي

همت المرأة المرافقة للرجل الأربعيني واقفة حاسرة النظرات هامسة بصوت مهزوم ..

- طيب ياللا بينا

نبقي نيجي مره تانيه ..

 

لم يسمح لي القدر الحرج المتاح من الفضول في مثل هذه المواقف أن اعرف هل هي المريضة ، أم أنها مصاحبة لمريض هو ذلك الرجل الأربعيني ذو النظارة الطبية ، أم أن المريض هو طفلهما الذي كان يلهو غير عابئ بتلك اللحظة الحرجة التي يتعرض لها الأثنان اللذان هم - في غالب ظني - والده ووالدته ..

 

شعرت ساعتها أنني اتضائل أمام تلك اللحظة ، وأن متاعبي إن كانت متاعب ، ومعاناتي إن كانت معاناة فهي أمر تافه وضئيل ولايساوي شيئاً أمام تلك اللحظة التي هيمنت فيها الهزيمة الإنسانية علي رجل وامرأة يصطحبون طفلاً ويغادرون مركز الآشعة والتحاليل مطأطئين رؤوسهم بين اكتافهم حاسرين الأعين في بلاط المكان ومن ثم الثلاث درجات التي سلمتهم إلي أسفلت الشارع العمومي إلي أن اختفوا عن ناظري ، ليظل ذلك المشهد بتفاصيله عالقاً بذاكرتي ليحافظ علي مزاق مرارته داخلي ..

______________

إرسال تعليق

0 تعليقات