هادي جلو مرعي
في كل مرة، وخلافا لما إتفقت عليه بلدان العالم نعود في بلداننا
العربية الى الجدل ذاته حول الحريات ومستواها ومداها، وحدود تدخل الدولة، ومايتيحه
الدستور للمواطنين من حريات وحقوق دينية واجتماعية تتعلق بالسلوك والتربية، والتعبير
عن الرأي، ويبدو إننا في هذه الجغرافيا نريد حرية كاملة في التعبير عن كل شيء،
سواء في التعبير عن آرائنا، أو ممارسة سلوكيات تتباين المواقف حولها، ونتيجة لما
وصلنا إليه من مشكلات، وانعدام الحلول بدت القطيعة واضحة بين رجال الدين وفئات اجتماعية
بعضها اتخذ مسارا صادما ورافضا، يقابلها فئات متمسكة بالدين وقيم الأخلاق
والتربية، ولكنها تحتفظ بملاحظات حقيقية على سلوك رجال الدين والمؤسسة الدينية
التي تبدو عاجزة عن مواكبة التطورات والتقلبات السريعة في الحياة، وعدم استيعاب
الثقافات الوافدة، والتعاطي معها بوعي متكامل لخطورتها، أو نوع التعامل معها،
وتنوير المجتمع بمايمكن أن يؤدي إليه هذا التزاوج الغريب بين سلوكيات وأفكار
تقليدية ومعتادة، وبين مايداهم المجتمع من سلوكيات وأفكار وثقافات جديدة تغري فئات
متعددة، وتسحبها الى دائرة أخرى بعيدة عن دائرة المجتمع التقليدية التي بنيت عليها
قواعد سلوك وتفكير شكلت بنية الثقافة في بلداننا العربية، وهي مختلفة حتما عن كل
ما إعتاد عليه الغرب بكل مايملك من رؤية وتصور للحياة وللسلوك والتفكير في السياسة
والدين وإدارة المؤسسات العامة والخاصة.
عندما تغيب الدولة، أو تفقد القدرة على الإدارة المتوازنة
لمؤسساتها، وحين يتدخل غير أهل الدراية والخبرة والحل والعقد في تسييرها لاتعود
السلوكيات متوازنة، ولايمكن تصور مجتمع طبيعي يتعاطى مع الأحداث والتصورات والحياة
بشكل متوازن يضمن مجتمعا خلاقا متطلعا الى المستقبل، ولايتيح الفرصة للذين يبحثون
عن الفوضى والتحلل، ولاالذين يريدون فرض وصايتهم على الناس، فيطبقون قيمهم على
الجميع حتى المختلفين معهم، وهنا تكمن مشكلة الدولة التي تتطلب استعادة حضورها
وهيبتها، وحينها تعود الأمور الى التوازن كما في الدول الطبيعية، فعديد الدول
تمتلك رؤية واضحة لإدارة شؤونها المختلفة، في حين نجد دولا مثل العراق ظهر وكأنه
فقد البوصلة حيث تغيب المؤسسات، ويظهر أصحاب الآراء المتطرفة، وكأنه صراع بين
إبنين فقدا أبويهما، أو ضعف الأب عن أداء دوره، وصار كل إبن من الابنين يسحبه باتجاه
لأنه ضعيف ومتهالك ولايمتلك سلطة حقيقية، ولايتمكن من فرض شروطه كأب يجب أن يطاع
بما يستطاع، وليس كما يشتهي ويريد.
ممارسة الدين، والتعبير عن الرأي، وحتى الغناء والرقص والدعارة
والسلوك العام والعمل والسفر وتأسيس المنظمات والتربية والتعليم والرياضة والصحة
والشباب، وكل مؤسسة تتصل بحياة الناس، وتوفر لهم ضمانات العيش الكريم والخدمات
العامة يجب ان تكون تحت وصاية الدولة، شريطة أن تكون دولة واعية، وليست دولة
تحكمها مجموعة منفلتة، أو قيادة منحرفة عن المسار الطبيعي الذي تقره قوانين الحياة
لتمنع ماتراه مخالفا، وتتيح ماتراه ملائما لحاجات المجتمع، وبخلاف ذلك تعم الفوضى،
ولانعلم الصحيح من الخاطئ، ولاتكون هناك ممارسات طبيعية، بل يسيطر الشذوذ عليها،
وهو مانراه اليوم ونعيشه، وللأسف فحتى المناخ أصبح شاذا للغاية.
0 تعليقات