عز الدين البغدادي
من المسائل الهامة التي تفرض نفسها بقوة والتي اعتقد ان هناك خللا
فقهيا كبيرا فيها مسألة الربا والقروض، وأمس كنت استمع الى برنامج فقهي على إذاعة
حكومية (الفرقان) يجيب فيه أحد المشايخ عن أسئلة المتصلين، وقد سأل أحدهم سؤالا عن
الاقتراض من المصارف الحكومية لغرض بناء داره، فأجاب الشيخ جوابا لم يخرج به عن
الفتاوى المعروفة، الا انها فتاوى تخلق إشكالات كثيرة وتكشف عن خلل في النظرية
الفقهية. حيث قال للسائل بأن هذا المال بما أنه من مصرف حكومي فهو مجهول مالك‼
ويكفي في تصحيح الأخذ منه إجازة الحاكم الشرعي وموافقته عليه وهو الفقيه المجتهد
باعتباره نائب الإمام، وهذه الإجازة موجود فعلا.
ثم قال: بأن على السائل أن لا ينوي القرض في أخذه للمال، بل هو مال
مجهول المالك وضع يده عليه، وبالتالي فإن الفائدة التي سيدفعها ليست ربا لأنه لا
يوجد قرض.
هنا مسألتان خاطئتان وقعت فيهما هذه الفتوى: بالنسبة للأولى أي
فتوى أو كارثة مجهول المالك فأنا لا أريد أن أقف عندها الآن لأني سبق وأن ناقشتها
(راجع الرابط في التعليق الأول). وأما المسألة الثانية فإن النية هي المحرك الفعلي
للتوجه نحو الفعل. وهي ليست اختيارية أبدا، فعندما أسافر مثلا لطلب العلم او للهو
فلا يمكن أن أنوي أمرا آخر يغير النية الواقعية، لأن النية هي ما دفعتني فعلا
وليست ما ينطق به لساني أو أقوله في نفسي. وبالتالي لا يمكن أن تقول لشخص انو كذا
وكذا، لأن هذا ليس ممكنا.
مع ملاحظة أنّ كون النيّة خارج الإرادة لا تتنافى مع كون الفعل
إراديّا، فمثلا من يجوع يدفعه ذلك للأكل، وفعل الأكل اختياري أمّا تحقّق القصد
والدافع باتجاه فعل الأكل فهو أمر غير اختياري. ومن هذا يتبين بأن الشخص عندما
يقترض مالا، والمعاملة اسمها اقتراض، وهي في واقعها ووصفها المادي اقتراض، فإن
تغيير النية لو فرض إمكانه لن يغير واقعها… وهذا مثال يبين لك إشكاليات النظرية
الفقهية المعاصرة، بل وعدم منطقيتها في أحيان كثيرة.
0 تعليقات