حسن مطر
انزعج صديق من نقلي لحديث مروي عند السنة والشيعة حول جواز البقاء
على الجنابة بدون غسل حتى الفجر في شهر رمضان استناداً لما كان عليه النبي نقلا عن
عائشة.
الانزعاج نابع ربما من رؤيته أن ما يمارسه النبي في حياته الخاصة
لا يجوز أن تتحدث فيه الناس أو أن هذه الروايات موضوعة وتحط من قدر نبي الإسلام،
وربما لأن البقاء على جنابة من أكبر الموبقات الجارحة للصيام وحرمة الشهر الفضيل
وهذا لا يليق بمقام النبي.
هذا الحديث عمدة الأدلة عند أهل السنة حول عدم مفطرية حالة الجنابة
– حتى لو عمدا - للصوم مع دخول وقت صلاة الفجر.
أما عند الشيعة فالرأي الراجح - على الأقل حاليا - أنه يبطل ويفسد
الصيام ويوجب الكفارة تعمداً في بعض المواضع. ورغم أن تلك الرواية عن عائشة مذكورة
عندهم إلى جانب روايات أخرى مجيزة – كصحيحة حبيب الخثعمي – إلا أن هناك روايات
أخرى معارضة ومانعة، وقد حملها السيد الخوئي على التقية لأنها مروية عن عائشة!
ويقول السيد محمد صادق الروحاني في هذا الاضطراب في الأدلة:
"فإن من المستبعد جدا التزامه (أي النبي) بفعل هذا المكروه، مع أنه لا يلائم
مع الأمر بالكفارة، فالأظهر تعارض الطائفتين بنحو لا يمكن الجمع بينهما، والترجيح
مع الأولى لأنها اشتهرت بين الأصحاب..".
نرجع إلى الموضوع الأول وهو انزعاج الصديق حيث يذكرني بجهلة الشيعة
الذين يشغلون قنوات اليوتيوب بجدالاتهم العقيمة والمتهافتة مع غيرهم من السنة، إذ
ظهر أكثر من شخص منهم يستنكر رواية أن النبي رأى امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة و
كان يومها فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر فقال : أيها الناس إنما النظر من
الشيطان، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله.
وهذه الرواية يرويها
الكليني والمجلسي الأب ويقول عنها يوسف البحراني: لا منافاة فيه لمقتضى مقامه صلى
الله عليه وآله فإن استحسان الحسن واستقباح القبيح، والرغبة في الأول والنظرة من
الثاني أمر جبلي وخلق بشري كما لا يخفي"!
يبدو أن الفهم والمزاج الشيعي المعاصر بين العوام ينحو أكثر للتشدد
والعزلة وأن شخصية الرسول تتخذ تقديساً خارج إطارها التاريخي المرسوم في التراث الإسلامي
قاطبة.
والواضح أن ذلك التراث يتقاطع مذهبياً في أكثر مفاصله وأن التباعد
في بعض المفاصل متكلف بعناوين التقية غير المبررة و"عمل الأصحاب"
المبهم. لا تثريب على عوام الناس الذين تربوا على أن الرسول ليس بشراً حتى لو
قرأوا الآية مليون مرة: " إنما أنا بشر مثلكم"، فيما تجد من يلبس
العمامة يجهل تراثه أو يتجاهله لأهدافه المذهبية.
هل تشعر أيها المؤمن أنك أشد تقديساً لنبيك من الآخر؟ أم أن ذلك
مزاج أو مذاق مذهبي مصطنع بفعل لوازم العصمة والخوارق للأئمة وما إلى ذلك؟
0 تعليقات