إبراهيم نوار
الديون أصبحت تستنزف قدرة الاقتصاد المصري على التحمل، حيث أن معدل
زيادتها يتجاوز معدل النمو الاقتصادي بمقدار ثلاث مرات تقريبا، كما أن أعباء خدمة
الديون تلتهم ما يقرب من 17% من الناتج المحلي سنويا، أي أنها تلتهم كل قيمة
الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مرة كل 6 سنوات تقريبا. المفترض أن أهم وظائف
وأهداف استدانة الدولة تتمثل في توسيع الجهاز الإنتاجي، وزيادة فرص العمل، وتعزيز
القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، ورفع مستوى الرفاهية للمواطنين. إذا كفت
الاستدانة عن تحقيق ذلك فإنها تصبح عبئا على الاقتصاد، وتؤدي إلى إضعافه، ومن ثم
يجب إعادة النظر فيها لمصلحة الحكومة والناس. غير ذلك هو عبث وإهدار للمصالح
الوطنية.
الأرقام الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي تعني أن صافي الأثر الاقتصادي
للاقتراض المحلي والخارجي هو قيمة سلبية، فلا هو يضيف إلى طاقات الإنتاج، ولا هو
يوفر فرص عمل ملائمة للخريجين، ولا هو يزيد الصادرات، ولا هو يرفع مستوى المعيشة
للناس، نظرا لأنه يقتطع سنويا من الناتج المحلي الإجمالي أكثر مما يضيف.
وتذكر أرقام البنك أن قيمة الديون الخارجية لمصر في نهاية عام 2021
ارتفعت بمقدار 16.4 مليار دولار، لتصل إلى 145.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 129.1
مليار دولار في نهاية عام 2020. هذا يعني أن معدل زيادة الديون في عام واحد بلغ
12.7% في حين أن معدل نمو الاقتصادي للسنة المالية 20/21 حسب تقديرات وزارة
التخطيط يبلغ 3.3%. هذا يعني أن سرعة زيادة الديون تبلغ ما يقرب من أربعة أمثال
معدل النمو الاقتصادي تقريبا. ومعنى اخر أن معدل النمو الاقتصادي يعادل 25% تقريبا
من معدل زيادة الاستدانة.
وتضيف أعباء الديون الكثير من الآلام الاقتصادية الإضافية، إذ أن
مصر تقتطع من ثروتها سنويا ما يعادل 17% من إجمالي الناتج المحلي تدفعها إلى
الدائنين لسداد أقساط وفوائد الديون بدلا من أن تنفقها على الاستثمار. كما أن
مجموع ما تستهلكه خدمة الديون يلتهم أكثر من 70% من المصروفات العامة للميزانية،
مع اتجاه للزيادة المستمرة، حيث كانت النسبة تبلغ أقل من 60% في السنة المالية
2014/2015، بينما هي تتجاوز الآن 71%.
هذه الشراهة المفرطة للاستدانة، خصوصا من الخارج، أوصلت الاقتصاد
إلى مرحلة حرجة شديدة الخطورة، تستوجب على الحكومة مراجعة الموقف واتخاذ إجراءات
قوية وجادة لوقف الاستدانة، فقد أصبحت مصر تقترض من أجل سداد ديونها، وتطلب
المعونات من أجل إظهار قوائم محاسبية شكلية ترضي صندوق النقد الدولي والقائمين حتى
لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية، وهو ما يمثل تهديدا لاستقلال الإرادة
الوطنية. ببساطة شديدة نقول إن سياسة الاستدانة الحالية تأتي بنتائج عكسية، وفقدت
مبرراتها، وليس من المنطقي أبدا أن تستمر، وأن الحكومة مسؤولة عن الرجوع بالاقتصاد
إلى وضع توازني مقبول، مع البحث عن طريقة لإعادة جدولة الديون، وتوجيه الموارد
التي يمكن أن تترتب على ذلك إلى تمويل استثمارات حقيقية لتوسيع طاقات الإنتاج
العيني وتحسين نوعيته.
0 تعليقات