عز الدين البغدادي
في العلوم الشرعية والإنسانية يمكن لشخصين ان يدرسا نفس المادة
العلمية لكنهما يختلفان تماما في النتائج، والسبب هو الاختلاف في المبدأ او
المنطلق.. وهكذا كان الصدر، حوزويا ولكن ليس كغيره.. درسته الحوزة الفقه والأصول
ودرس هو الفلسفة والفكر الحديث، فقدم رؤية نظرية هامة وناضجة وكبيرة في
"فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"الاسس المنطقية
للاستقراء". بدأ كما بدأ غيره من طلبة العلوم الشرعية، لكن نظام تفكيره
وعقلانيته وسموه الأخلاقي عوامل جعلته يتحول الى حالة متميزة تماما. كان اكبر من
الطائفية، لذا أحبه المسلمون على اختلاف توجهاتهم واكبروا فيه فكره وشخصيته. وكان
اكبر من الفردية والأسرية، فمع كل ما قدم بقي بسيطا متواضعا، لم يستعل على الناس
بنسبه أو أسرته، ولم يتمنن على أحد من طلبته أو مريديه.
لا تظلموا الرجل، فالفكرة لا تطبق نفسها بنفسها، بل يطبقها
المؤمنون بها، وعندما لا تجد من ينهض بها فليس هذا مسؤولية المفكر، وهو بأي حال
غير معصوم. اعترف ان الصدر لم يكن سياسيا بارعا، وقد أخذته موجة لم تكن في توجهاته
الأولى، لكنه كان مفكرا كبيرا وأنسانا بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وكان كتلة من الأخلاق
والنبل والمروءة فضلا عن العلم.
0 تعليقات