آخر الأخبار

مستقبل مشروع الجينوم البشري

 



 

د. محمد إبراهيم بسيوني

 

 

تتسابق الدول الكبرى فيما بينها على تعديل الجينات الوراثية للأجنة البشرية وهذا ما سيخلق ثورة في عالم الطب.

 

 الجينوم البشري  Human genome هو كامل المادة الوراثية المكونة من (الحمض الريبي النووي منزوع الأكسجين) والذي يعرف اختصارا بال دي إن إي DNA. هي مجموعةٌ من التعليماتِ تُحَدِّدُ ماهيةَ الكائنِ ومظهرَهُ وكيف ينحو ويتصرفُ في بيئتِهِ؟

 

تُصنعُ الجيناتُ من مادةٍ تُدعى الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسيجين DNA، وتعطي هذهِ الجيناتُ تعليماتٍ للكائنِ الحَيِّ كي يَصنَعَ جزيئاتٍ تُدعى ”البرويتنات”.

 

 الجين gene هو الوحدة الأساسية للوراثةِ في الكائنِ الحَيِّ.وقد بولغ في الجينات وحتميتها، وجعلوا لكل شيءٍ جيناً يتحكمُ فيهِ. ولكن تبدلت كثيرٌ من الحقائق حولَ ما يتعلق بالجينات بعدما خرجت نتائجُ مشروع الجينوم البشري.

 

كان الاعتقاد السائد انَّ الخَلِيَّةَ الواحِدَةَ تحتوي على (120000) جين، وبعد نتائجِ الجينوم البشري تبين أن مجملَ الجيناتِ في الجسم الإنساني هي (25000) جين فقط.

 

هذا الأسبوع بعد أكثر من ٣٢ عاماً من العمل، تم تحديد التسلسل الجيني للجينوم البشري كاملا. أي ليس فقط المناطق التي تتحول إلى بروتينات Coding regions بل أيضاً مناطق أخرى نسميها Non Coding لكنها تلعب دوراً مهماً في ضبط عمل الجينات. هذا تقدم مذهل ستكون له نتائج مهمة على البحث العلمي وعلى الطب وفي تقدم فهمنا للأمراض وكيفية معالجتها.

 

ويأتي هذا بعد عشرين عاماً تقريباً من نشر التسلسل الجيني ل٩٢٪ من الجينوم لأول مرة في نايتشر عام ٢٠٠٣، أي أنه تبقى حينها ٨٪ من الجينوم غير محدد. اليوم، لم يعد لدينا أي فراغات في الجينوم لا نعرفها فيما سمي telome to telomere T2T. الأمر يشبه اكتشاف مناطق جديدة كانت لا تزال مظلمة بالنسبة لنا، وهي تحتوي على معلومات بالغة الأهمية عن الأمراض.

 

 يصرح العلماء أننا اكتشفنا حوالي ٢ مليون طفرة جديدة في الجينوم بتحديد تسلسله كاملا. النتائج هي مضمون ٦ أوراق علمية نشرت في ساينس بالإضافة إلى بعض الأوراق الأخرى في مجلات علمية مختلفة.

 

أنشئت منظمة الجينوم البشري (Human Genome Organization (HUGO في الولايات المتحدة، وكان هدف هذه المنظمة الدولية هو حل شفرة كامل الجينوم البشري.

 

أما مشروع الجينوم البشري (HGP) Human Genome Project فهو مشروع بحثي بدأ العمل به رسمياً في عام 1990، وقد كان من المخطط له أن يستغرق 15 عاماً، لكن التطورات التكنولوجية عجلت العمل به حتى أوشك على الانتهاء قبل موعدهِ المحدد لهُ بسنوات وكلّف حوالي ثلاثة مليار دولار وأعلنت نتائجه الأولية عام 2000، وأعلنت النتيجة النهائية للمشروع عام 2003. وقد أدى ذلك لإجراء أبحاث في مجالات ذات أهداف أبعد. وقد تمثلت الأهداف المعلنة للمشروع فيما يلي:

 

* التعرف على الجينات التي يحتوي عليها الدنا DNA البشري، وعددها 120.000 جين تقريباً (ونعرف الآن أنها نحو 25.000 جين فقط).

 

* تحديد متوالية sequence القواعد الكيميائية التي تكون الدنا DNA البشري وعـددها 3.3 مليارات زوج قواعد.

 

* تخزين هذه المعلومات على قواعد بيانات databases.

 

* تطوير الأدوات اللازمة لتحليل البيانات.

 

* دراسة القضايا الأخلاقية، والقانونية، والاجتماعية التي قد تنتج عن المشروع (وهي من الخصائص التي تميز مشروع الجينوم البشري الأمريكي عن غيره من المشاريع المشابهة في جميع أنحاء العالم).

 

·   للمساعدة في تحقيق هذه الأهداف، قام الباحثون أيضاً بدراسة التركيب الجيني للعديد من الكائنات الحية غير البشرية، ومنها البكتيريا الشائعة الوجود في أمعاء البشر، وهي الإشريكية القولونية E. coli، وذبابة الفاكهة، وفئران المختبر.

 

 

كانت تبعاتُ هذا المشروعِ خطيرةً، فالجيناتُ لا تكفي وحدَها لتفسير ِالحياةِ، واختزال ُالسلوكِ البشريِّ في الجيناتِ غيرُ كافٍ، وفشلت الجينات في تحديدِ مصيرِ الإنسان. وقال احد علماء الأحياء الحائزين على جائزة نوبل ديفيد بالتيمور: (انَّ تَمَيُّزَنا عن الكائناتِ الأدنى منّا لا يرجعُ الى زيادةِ عدد الجيناتِ، ومن ثم لم يعد ممكناً الاعتمادُ على الآلِيَّةِ الجِينِيَّةِ وحدها لتفسير التطور. انَّ التميُّزَ الإنساني مازالَ سِراً يحتاجُ الى مزيدٍ من البحثِ).

 

القائلون بالحتميَّةِ الجِينِيَّةِ يقولون: ان لكل مرض ولكل سلوك جيناً يتحكم فيه، فهناك جينٌ للسمنةِ، وجينٌ للسلوكِ العدوانيِّ، وجينٌ للشذوذ، وجينٌ أنانيٌّ كما ادعى “ريتشارد دوكينز” عالم الأحياء البريطاني الذي ألف كتاباً بهذا الخصوص سمّاهُ ”الجينُ الانانِيُّ”. وهذا الكلام هو مجرد فرض ولا يوجد دليلٌ علميٌّ عليه؛ فمثلاً ذكورُ العناكب تلقح الإناث لتحقيق التكاثر وحفظ النوع، ولكن بعد ان يُتمَّ الذكرُ عمليةَ التلقيح يتمُّ القضاءُ عليه. فهل نقول أن ذكورَ العناكبَ لديها جينٌ ايثاريٌ؛ لأنها ضحت بحياتها من اجل التكاثر وحفظ النوع؟ لا هذا ولا ذاك، بل هذه العمليَّةُ تتمُّ بشكلٍ غرائزيٍّ دون معرفة مسبقة لذكور العناكبِ بما يحصل. عالم البيولوجيا السلوكيّة ”آلان غرافين” انتقد دوكينز على كتابه: ”الجين الاناني”، قائلاً بأنَّهُ قد بالغَ في تبسيطِ العَلاقَةِ بينَ الجينِ والكائنِ الحيِّ.ولكن كل الحتميات، تجعلُ دورَ الإنسان مقهوراً ومحكوماً، واسيراً لهذه الحتميات، لا إرادة له، هكذا يتحدث ”سام هاريس” في كتابه: (الإرادة الحرة)، ان الإنسان لا إرادة حرةً له بل هو كائنٌ مقهورٌ وخاضعٌ لهذه الحتميات.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات