بهاء الصالحي
مبدئيا لابد من تحقيق نطاق التعريف للجماعات الوظيفية علي نطاق
التوافق الاجتماعي وكذلك التمايز وتحقيق الحاجة ككتلة حرجة تلبي وظيفة محددة طبقا
لمرحلة تاريخية محددة ،وبالتالي فأننا هنا بصدد جماعة المسيحيين الشوام في مصر
وكذلك المسلمين الشوام كمقدمة ديموغرافية لخلق طبقة الإسلام السياسي ،وهنا تصبح
الجغرافيا عنصر غير حاسم وكذلك فكرة الانتماء لمجتمع معين دون غيره بل يصبح البعد
الأيديولوجي هو الحاسم في تلك الحالة لأن الانتماء الجغرافي قد تم إبطاله من خلال
تسييد الفهم البراجماتي لمفهوم الأممية الإسلامية وبالتالي جاء الفهم الخاص جدا
ضيق المجال من خلال تعظيم مقولة أولي الأمر منكم وفكرة الواحدية في الألوهية وإسقاطها
علي مفهوم الحكم وضرورة أن يكون هناك خليفة واحدا مخالفته خروج علي مقتضي الشرع.
أما مفهوم التوظيف هنا فهو مرتبط بصياغة إستراتيجية لجماعة ما دون أخري
بما يخلق سياق متصل من الأفكار الرئيسية التي تحكم ردود أفعال تلك الجماعة
الوظيفية ومدي قدرة تلك الأفكار علي إيجاد صيغ توافق جديدة مابين العام وهو مجموع
متوسطات الأفكار والسلوك التي توافق عليها غالبية أعضاء للمجتمع ،وكذلك الكتلة
الصلبة التي تدير مجموع علاقات تلك الجماعة الوظيفية ومدي قدرة تلك الأفكار علي إيجاد
صيغ توافق جديدة، وكذلك تعدد مستويات التنظيم بحيث تصبح موئل للجماعة حال الحوادث
الاجتماعية التي تخلق نوع من التعويض النفسي أو الإسقاط غير العادل علي جماعة
محددة وتحميلها مسئولية تلك الأزمة وهنا يبدو الخلط بين الأفكار كخلفية إيديولوجية
تتعلق بالحوار السلمي الأفكار وكذلك سعي بعض المتنفذين اجتماعيا لخلق ذاتا موضوعية
للتباين مع الآخرين وهنا يتم الخروج عن مقتضي الصراع السلمي للأفكار الي فكرة
السلطة الفكرية وهنا يتم الخروج عن مقتضي الصراع السلمي للأفكار ذلك الصراع الذي
يؤدي في النهاية لخلق مرجعية فكرية للمجتمع ومن هنا يتم تجنب الحروب الدينية كفكرة
محورية عبر تاريخ البشرية والتي تم تجاوزها مع معاهدة وستفاليا ١٦٦٤ حيث تم خلق
فكرة أوربا المتعددة الأفكار المتحدة في التوجه الاجتماعي من خلال احترام الآخر
كخيار قائم علي فكرة مرارة التجربة الصراعية واحترام هبة الجوار الجغرافي، وتلك
المرحلة لم نصلها بعد في عالمنا العربي والإسلامي حيث استطالت خطوط التوازي بحيث
قتلت فرص التواصل المشترك المحتملة ، حتي علي مستوي الفهم النفعي العلاقات
بأنواعها .
ولعل جماعة المعلم يعقوب الذي تعامل مع الحملة الفرنسية وكون ظهيرا
اجتماعيا لها عبر فترة وجود الحملة في مصر وعودته معهم لفرنسا وكذلك الشوام
القادمين مع أزمة ١٨٦٠ حيث ورد أولا النصارى، منهم ثم تلاهم المسلمين والفارق
الزمني لا يتجاوز العقد ،وميلاد المعلم يعقوب ١٧٤٥ لأسرة قبطية متوسطة الحال وعمل
في المهن المالية المعتادة وهو كأحد أبناء الطبقة الوسطي يسعي لحراك اجتماعي ومن
هنا جاء سعيه لطبقة الانكشارية بكل عوامل التغريب النفسي التي تعانيها تلك الطبقة
فهي طبقة خلقت دون سند اجتماعي بل بقرار سلطاني حيث يتم تجميع أبناء غير المسلمين
وهم صغار لم يتكون وعيهم الفكري وأن كان وعيهم النفسي قد تكون بالفعل ، ثم مارس
مهارة القتال مع المماليك ضد الدولة العثمانية وبالتالي تكونت مع تلك الممارسات
فكرة النفعية في بعدها المادي البسيط كثقافة وبالتالي جاءت لديه مهارة التبادل
للأدوار وفق خطة موضوعة ، ومن هنا يكون المجتمع وقتذاك سواء في مكونه العثماني
ممثلا في الانكشارية وكذلك الأيوبي ممثلا في المماليك والمصري ممثلا في التنوع
العرقي في الصعيد المصري من خلال الانقسام ما بين عرب وفلاحين علاوة علي غياب فكرة
الدولة من خلال تأصيل فكرة الدين وإسناد الأمر للمجلس الملي ، ومع التوزيع
الجغرافي، ومن هنا جاء دور المعلم يعقوب كأحد قادة الرأي في واقعه حيث حارب في
معركة القوصية حيث انتصر علي المماليك بحكم معرفته بهم عقليا ، ولكنه لما جاءت
حملة حسن باشا التي أرسلها السلطان العثماني للقضاء علي مراد وإبراهيم ، ولكن ذلك
الوعي المغاير بفعل إدراكه للواقع من خلال فكرة الصراع العسكري جعله يراهن علي
الحملة الفرنسية ،هنا وعي الجماعة الوظيفية في صورتها المتطرفة وذلك بفعل تهميش
الأطراف لحساب المركز بحكم غياب فكرة الدولة الوطنية ذات المرجعية الواحدة مع دول
وطنية أخري وهنا أزمة الفقه السياسي في الإسلام حيث تم تأصيله من خلال تجارب
تاريخية مختلف علي صحتها من الأساس.
ولم تكتب لتلك التجربة بحكم غرابتها وشذوذ الواقع وقتذاك عن تاريخ
مصر الحقيقي ، فسرعان ما مات المعلم يعقوب في السفينة الفرنسية العائدة بجنود
الحملة والقي بجسده في البحر ، ولعل شرعنة تجربته نابعة من نمط التفكير الاجتماعي
وقتذاك مما أدي لإعادة الاعتبار له وفق محمد شفيق غربال ولويس عوض .
يتبع
0 تعليقات