آخر الأخبار

فقه الاضمحلال

 

 



 

محمود جابر

 

من القواعد والمسلمات التى يجب أن نؤمن بها يقينا، إن الفكر الإسلامي ليس هو الإسلام، بل هو صنعة المسلمين العقلية فى سبيله وبمشورة مبادئه، الفكر مستحدث، يخضع لقانون التطور، ولعوامل الاضمحلال، أما الإسلام فله كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

 هذا الفكر الإسلامي، هو نتاج العقل الإسلامي بناء على مكتسباته المعرفية، وعليه فهذا العقل ونتاجه غير معصوم من الخطأ، وما كان غير معصوم فإن طاعته مشروط باقترابه من روح الدين، وما نراه من نتاج العقل الإسلامي فقها ( فى صورة فتوى) أو كلاما فى صورة خطب أو وعظ؛ والمشحون بخطاب الكراهية، هذا النتاج لا يمكن تفكيكه إلا بمزيد من الوعي والفهم والقراءة وانفتاح العقل والخروج من حالة الاضمحلال الفكري والتبعية الاقتصادية والانهيار الاجتماعي الاقتصادي الذى نحيا فيه .

 

فأحد مظاهر الاضمحلال هو رفض الآخر، فالآخر لدى المنغلق الجاهل الساذج كل من يخالفه وقد حكى التاريخ صورا كثيرة من صور الصراع المذهبى ما أدى بالشافعى أن يموت متأثرا بجراحه من عدوان تباع مذهب آخر عليه، يجب ان ندرك أن الإسلام كدين يتسع للجميع، كل الجميع سواء المختلف دينيا أو مذهبيا أو فكريا، فالإسلام يعنى السلم، وكل من سلام الناس أو سلمه الناس من العدوان عليهم فهو المسلم وبذلك فإن مظلة الإسلام تتسع لكل إنسان يؤمن بالاجتماع الانسانى فى مجتمعه، ويؤمن بالمواطنة وان هذا الوطن يجب ان نعيش فيه نتقاسم همومه وآلامه وأن يكون كل مواطن لأخيه عونا، بمنطق الجار وبمنطق الجار الجنب والجار الجنب كل من لازمك فى بيت أو عمل أو درس أو طريق أو زميل درس.

 

هذا الجار والجار الجنب وفقا لآيات الكتاب له حق عليك وواجب حسن الجوار وحسن المعاشرة وان تكون عونا له فى حياته وفى مرضه وفى ضائقته وإن مرض وجب عليك أن تعوده وإن مات وجب عليك ان تشيعه وتترحم عليه...

 

الحديث هنا يتعلق بالجار، لم تتحدث آيات القرآن عن هوية الجار، ولا عن دينه ولا عن مذهبه، ولكن تحدثت عن الجار كل جار على الإطلاق ...

 

المفهوم الدينى يتحدث عن البهجة والتلطف فى الاجتماع الانسانى وفى المجتمع وأن تبسمك فى وجه أخيك صدقه، وان تعامل الناس بخلق حسن ...

 

أخيك والناس متساويان، لان الله قال يا ايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده، والنفس هى آدم وكلكم لآدم، وأخيك إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق...

 

يخرج من هذه المعاملة كل من اقترف أثما يتعلق بالمجتمع وليس بالأفراد، وما يتعلق بالمجتمع هى الخيانة، وقطع الطريق وضرب السلم والأمن العام للمجتمع ... لهذا نبهت الآيات الكريمة بعدم الصلاة عليهم والاستغفار لهم، لان سلوكهم يلحق الضرر بالمجتمع ككل وليس ذنب اقترفه فى حق شخص بعينه... فمن آذاك فلا يجب عليك كراهيته، ومن قدم لك أى صورة من صور الإساءة أو الأذى فأنت مخير بين القصاص منه والعفو عنه... لكن من الحق ضررا بالمجتمع ككل كخيانة عبد الله بن ابى بن سلول لا يجوز لك أو لغيرك أو حتى للنبى ان يعفو عنه لأنه خان الله وكانت خيانته لله هى خيانته للمجتمع والحرص على وقوع الأذى على من يعرف ومن لا يعرف .

 

إن نتاج الجماعة السياسية الإسلامية خلال ما يزيد عن نصف قرن هو نتاج الاضمحلال الاجتماعى الذى نعيش فيه، نتاج الأزمة التى نحياها، نتاج جماعة لا تنتمى للمجتمع ولا تؤمن بالمواطنة وهذا الإيمان يخالف الدين الإسلامي شكلا وموضوعا نصا وعقلا، لان هذا النتاج يعج ويفوح وينضح بالكراهية من كل جوانبه... الحديث فى مجتمع مستقر اجتماعيا عن جزية وإظهار البغض للمخالف وصناعة منتج فقهى لمن يخالفك فى الدين أو المذهب هو من قبيل مخالفة الدين ومن قبيل خيانتك لله وللرسول .... وهؤلاء يؤمنون بالله ولا برسوله ...

 

فالمسلم الحق هو هذا الذى يألف ويؤلف، ولا يحب لأحد إلا ما يحبه لنفسه، وهو الذى يحرص على جاره والجار كما أسلفنا فى السابق، وهو الذى يمنع الأذى المادى والمعنوى عن الآخرين ...

 

النموذج الوحيد الذى يحاكى طبيعة السلطة هو إرث النبى المكتوب والمحفوظ فى صحيفة المدينة، هذه الصحيفة التى أقامت سلطة تشاركية على أساس المواطنة والتكافل فى الأمن بين كل سكان المدينة من مسلمين مهاجرين ومسلمين كانوا من أهل المدينة، ويهود – آخر – المدينة وأهلها، آخرين ليس مسلمين وليسو يهودا ولم توضح الصحيفة لهم دين، لكن الصحيفة جعلتهم جميعا شركاء فى حفظ امنها وحمايتها والتكافل الاجتماعي بينهم، لم يدفع أحد منهم جزية بل كانوا جنب إلى جنب مع إخوانهم فى المدينة أى جميعهم مواطنين كاملوا المواطنة غير منقوصين على أى أساس ولم يسقط عنهم هذا الحق الا بعد خيانتهم سواء كانوا يهودا أو مسلمين .

 

هذا المنافستو هو روح الإسلام الحق ومن يخرج عنه فقد خرج من حياض الإسلام ..........

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات