محمود جابر
يقول الله تعالى فى
محكم كتابه العزيز (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ
هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا
عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ
لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ
الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ
تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ( النمل 14- 22.
لا يمكن أن نتعامل مع كتاب الله تعالى إلا وفق منهج علمى رصين، على ان لا
يخرج هذا المنهج خارج حدود المعرفة القرآنية، واذا أخذنا قضية الرسل فى كتاب الله
تعالى لابد ان نضع منهجا للتعامل مع رسل الله تعالى وأنبيائه وهذا المنهج هو
استقراء للآيات المحكمات فى كتاب الله تعالى ...
أول ملامح إرسال الرسل :
الأول : أن كل امة من البشر أرسل الله تعالى لها رسول أو أكثر.
الثاني : أن كل رسل أو نبى بعث الى قوم كان منهم وكان يحدثهم بلسانهم من أجل إقامة
الحجة عليهم .
الثالث: أن المكرم، الذى أعطاه الله تعالى البيان، واليقين المبين فى القرآن هو الإنسان
الذي أرسل الله إليه رسل وأنبياء منهم .
فهذه مسلمات منهج إرسال الرسل .... والتى لا خلاف عليها حتى عند الذين
اقروا بها رغم انحراف فهمهم حينما يتعاملون مع آيات القرآن دون ضابط ...
سليمان والهدهد:
يتحدث البعض عن الدلالات فى الاية وكيف يمكن ان نصرف الدلالة من الطير إلى
غيرها دون قرينة ....
ونحن هنا نأتيكم بعدد غير محدود من القرائن الدالة على ما نقول ..
تقول الآيات ... (وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)
...
إذا جيش سليمان مكون
من ثلاثة أصناف :
1-
الإنس
2-
الجن
3-
الطير
وهنا
لابد أن يكون لنا عدة أسئلة فى هذا الخصوص:
الأول:
هل سمعتم بجيش مكون من هذه الأصناف الثلاثة؟ وهذا سؤال مؤجل ....
الثاني:
ما هى أنواع الطير التى كانت فى جيش سليمان، وحيث أن الطير تعنى عامة الجنس من
الطير هل كان الجيش عبارة عن اوز وبط ودجاج وعصافير وببغاوات وحدأة و نسور وبوم
ووو
وبالنظر
إلى الآيات سنجد أن كلمة (الهدهد) معرفة ب)الألف و اللام (...
حيث
لا بد أن نسأل : هل الجيش كان فيه هدد واحد فقط حتى يقول الهدد بالصورة الذهنية
المعتادة؟
أم
أن هناك هداهد كثيرة تحت ملك سليمان؟.
لو
قلنا أن سليمان كان يتحكم في طائر واحد لاصطدمنا بنفس الآية، لأنها تتحدث عن الطير،
والطير تشمل طيورا كثيرة و أصنافا من الطير متعددة.
لو
قلنا العكس أن نبي الله سليمان كان يتحكم في طيور كثيرة و هداهد كثيرة، لبثت أن القرآن الكريم يفتقر إلى الدقة. لأنه كان من الأسلم أن يقول: فتفقد
الطير فقال : ما لي لا أرى الهدهد رقم الفلانى أو الهدهد رقم (200) مثلا؟.
ثم
نأتي للفظ آخر فى نفس السياق وهو يتفقد الطير، يستخدم كلمة (غائبين) حينما يتفقد
الطير فقال مالى لا أرى الهدهد ..
فلو
كان الهدد من صنف الطيور والوحش لقال : ( ام كان من الغائبة) حين أن الجمع بالواو
والنون أو الياء والنون للعاقل وليس للطير أو الوحش !!
لأعذبنه
عذابا شديدا أو لأذبحنه : هل يعقل أن يتوعد نبي الله سليمان كائنا ضعيفا طائرا غير
عاقل بالعذاب؟.
وإذا
كان الرسل رحمة الله إلى الناس فهل يعقل أن يبقى سليمان رحيم وهو يعذب طائرا عذابا
شديدا؟!!
(لأذبحنه)
كثيرهم
من توهم كون الهدهد هنا هو طائر لمجرد ورود كلمة( لأذبحنه) لأنهم يستبعدون ذبح
البشر كما يزعمون.
لكنهم
لو رجعوا للقرآن الكريم لعرفوا يقينا أن الذبح يمس البشر.يقول الله تعالى: {فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ
مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ
مِنَ الصَّابِرِينَ} (102) سورة الصافات.
أيضا
نجد قول الله تعالى : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ
الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم
بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} (49) سورة البقرة.
وهنا
يدرك القارئ الواعي أن وعيد سليمان للهدهد بالعذاب الشديد أو بالذبح إنما ينم عن
عظم جرمه، وليس هناك عاقل يتخيل أن يرتكب طائر كالهدد جرما يستحق عليه العذاب!! فالهدد
فى الأول والأخير كائن غير مكلف .
(أو ليأتينى بسلطان مبين)
لا
شك أن سليمان عليه السلام، نبي و ملك عادل. فلا يرضى بتوقيع الحكم قبل المحاكمة . لكن
هل من العقل أن ننصب محكمة لمحاكمة أفعال الطيور و الهداهد؟.
إذا
الهدد مطالب أن ياتى ببيان، فمن الكائن الذى علمه الله تعالى البيان ؟ هل الطير
والوحش والزواحف؟
الله
يقول فى كتابه (خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ...
ألا
تكفى كل هذه القرائن فى أن هدد سليمان ليس طائرا؟
فالبيان
مقترن بالعقل والعقل مقترن بالتكليف، و قرينة العقل كافية لإثبات هذه الحقيقة
القرآنية، و كافية لنسف كل التفاسير الخرافية التي تقوم على هدم سنن الله تعالى في
خلقه .
بحيث
يصبح الهدهد كائنا علمه الله البيان،
و يتحدث و يقول ...و يؤدي مهمات
يعجز عنها كثير من البشر العقلاء !!
وجئتك من سبأ
بنبأ يقين...
الهدد جاء من مكان فيه مملكة ودولة عرفها وبلغ من البيان
فى المعرفة أن وصل إلى درجة اليقين فى المعرفة، علما بأن الطيور جميعا لا تعرف
مكان عيشها، أى الدولة التى يعيش فيها هو يعرف مكان عيشه بعلامات جغرافية وليس
بعلامات الجغرافيا السياسية .
فهل يعرف الطائر الفرق بين أن يعيش فى اليمن او العراق
أو مصر؟!!
لكن
هدهد سليمان عليه السلام، يعرف معرفة دقيقة للمكان الذي كان فيه و أطال مكثه هناك
حتى تأخر عن موعد العودة، ويخبر سليمان بالجغرافيا السياسية أى المكان الذى فيه
مملكة كذا أو دولة كذا !!
وهدهد سليمان بلغ حدا من المعرفة أن يعرف الخبر اليقين
من الخبر الكاذب، فهل تعرف طائرا أو حيوانا او وحشا يدرك الفرق بين المعرفة
اليقينية والمعرفة غير اليقينية؟
فلو قلت نعم هناك حيوان او طائر يعرف هذا اذا لم يعد
حيوانا ولا طائرا لأنه تعلم البيان واليقين وأصبح عاقلا، فهل يمكن للطير أن يكون
عاقلا ومكلفا؟
وستستمر الآيات فى توضيح مدى قدرة الهدهد المعرفية وهو
يرصد مملكة سبأ، فيقول وجدت أمرآة تملكهم، الطائر يعرف الفرق بين الرجل والمرأة
وفى كلامه ما يشبه التعجب حول ان تملكهم امرأة !!
بل إن مملكة سبأ وفقا لتقرير الهدهد جمعت كل مقدرات
القوة والنهوض والحضارة والتقدم، وأوتيت من كل شىء (!!)، حتى أصبح عرشها عظيم ... الهدد
يعرف الفرق بين الدولة القوية والدولة الضعيفة وأسباب القوة وأسباب الضعف !!
وفى الأخير وضمن التقرير يرى أن القوم لا يعبدون الله
ولكن يعبدون الشمس، وكل هذه المعصية والكفر - وفقا لتقرير الهدهد- لان الشيطان زين
لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل ؟
وبما ان للهدهد كل هذه المعرفة فهو يعرف سبيل الله، وهذا
السبيل لا يعرفه الكثير من البشر الذين يدعون انهم مؤمنون او مسلمون ....
كل هذه القرآن الدالة والناطقة بالحق ثم يأتي من يقول لك
أين الدلالة فى التأويل وصرف الحديث من الهدهد الطائر الى رجل عاقل من الناس ............
يتبع
0 تعليقات