آخر الأخبار

الأوربيون يناقضون أنفسهم

  

 


 

عمر حلمي الغول

 

الرهان على دول الغرب الرأسمالي بدءا من الولايات المتحدة مرورا بالاتحاد الأوروبي وانتهاءا بكل من يدور في فلكهم ودوامتهم في دعم حقيقي لتجسيد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، رهان خاسر. لانه لا جدوى من الانتظار، لان هناك فرقا شاسعا بين الحديث عن الخيار، وبين الجدية والمسؤولية في ترجمته. وليس كل من اعلن دعمه او تمسكه بخيار حل الدولتين يعنيه. وبالتالي إطعام النفس والشعب "جوز فارغ" من الوهم، ظلم للذات، وظلم للشعب، والمساهمة من حيث يدري او لا يدري المعني بالقرار، أو المسوق له، أو المسحج والمصفق له في دويخة الرهانات الخاسرة واللا منطقية.

 

نعم أوروبا ساهمت في دعم موازنة السلطة الوطنية منذ قيامها، وكذلك فعلت اميركا واداراتها المختلفة باستثناء إدارة ترامب. بيد ان كل ذلك الدعم كان بمثابة تسكين، وإبر مهدئة، وان جاز لي التعبير بدقة، فإن دعمهم لا يتجاوز الرشوة. والا لو كان الامر غير ذلك، ما الذي يمتع تلك الدول من أولا الاعتراف بالدولة الفلسطينية استنادا الى قرارات الشرعية الدولية من القرار 181 في نوفمبر 1947 الى قرار مجلس الامن الدولي 2334 في ديسمبر 2016 وما بينهما؛ ثانيا عدم الزامها حكومات إسرائيل المتعاقبة بدفع استحقاقات السلام؛ ثالثا صمتها، او اكتفاءها بإصدار بيانات الاستنكار والشجب لجرائم إسرائيل ضد الأرض والشعب العربي الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية، دون التصدي الجاد للانتهاكات وإرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم؛ رابعا المباركة غير المباشرة لكافة القوانين العنصرية التي صادقت عليها الكنيست بما فيها ما يسمى "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية"؛ خامسا التساوق مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، والادعاء جهارا، وفي وضح النهار، بانها الدولة الديمقراطية في الشرق الأوسط ... الخ

 

وكل ما تقدم يرتكز على حقيقة ثابته وراسخة لدى الغرب الرأسمالي الانكلوسكسوني والفرانكفوني، ان إسرائيل جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية السياسية والاقتصادية الأميركية الأوروبية، وبالتالي هي شريك كامل في كل جرائم إسرائيل، وتغطي ارهابها، وتماطل وتسوف لتمكينها من تحقيق كامل برنامجها الاستعماري على الأرض الفلسطينية والعربية. ولو كان الامر غير ذلك، لما انتظر الغرب صانع إسرائيل اللا شرعية 74 عاما دون تحقيق الشق الثاني من قرار التقسيم الدولي 181، ولما سمح بتشريد وطرد ونكبة الفلسطينيين من ارض وطنهم الام في العام 1948 و1967، ولما سمح على الأقل بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 بمواصلة الاستيطان الاستعماري، ولانهى المرحلة الانتقالية وسمح بتكريس الدولة الفلسطينية، وازال الاستعمار الاسرائيلي.

 

لكن الغرب ليس معنيا الا بمصالح إسرائيل، وتفوقها على العرب خصوصا وكل دول الإقليم الشرق اوسطي الكبير. وآخر همه مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولا يهمه مصالح العرب. لا بل يعمل على تبديد وتمزيق وحدتهم وتكاملهم ونفيهم إلى قاع التاريخ والجغرافيا والتطور الحضاري. لانه يخشى نهضتهم وقوتهم. وبالتالي يصفي حسابا تاريخيا معهم منذ الامس واليوم والغد وبعد الغد.

ولنأخذ نموذج صغير، الان الاتحاد الأوروبي بعد لعبة المناورة في وقف اجتماعات "مجلس الشراكة" بينه وبين إسرائيل طيلة السنوات العشر الماضية، يعود قادة الاتحاد للقاءات مع دولة الابرتهايد الإسرائيلية، وتقديم الدعم بعشرات ومئات الملايين من الدولارات لها دون وجود محفز واحد لعودة الاجتماعات الدورية.

 

وبودي ان اسأل رئاسة الاتحاد الأوروبي، وكل دولها على انفراد: هل حكومة التغيير المنتهية ولايتها أوقفت الاستيطان الاستعماري؟ هل أوقفت القتل والاغتيال والتدمير والحصار لابناء الشعب الفلسطيني؟ هل أوقفت اعدام الأطفال واخرهم الطفل ريان؟ هل اقرت بخيار السلام، والتزمت باستحقاقاته على الأرض؟ اين الجديد في السياسة الإسرائيلية؟ هل مقولة لبيد بتأييده حل الدولتين كاف؟ وماذا يقصد بحل الدولتين؟ وعن أي دولتين يتحدث؟ ما هي حدودهما؟ وهل يملك القدرة لبناء جسور السلام؟ ومن يريد السلام يرسل جنوده وقطعان مستعمريه وعصاباته لاستباحة المسجد الأقصى والحرم الابراهيمي الشريف، وحصار نابلس وجنين وطولكرم والخليل ورام الله والبيرة وغزة؟ وهل يتوافق الموقف الأوروبي مع ذات الموقف من ازمة أوكرانيا؟ اليست هذه ازدواجية معايير، وكيل بمكيالين؟

 

مما لا شك فيه، ان دول الاتحاد الأوروبي تناقض نفسها بين ما تعلن من دعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وبين مداراتها وصمتها شبه المطبق تجاه ممارسات وجرائم حرب اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ولا يكمن تناقضها في عدم تمكنها من تجاوزها السقف السياسي للولايات المتحدة، الموقف الذي نردده امام اقرانناعندما نريد مواساة انفسنا، او عند لجوئنا للسياسة الذرائعية في تغطية شراكة دول الاتحاد للولايات المتحدة في تأسيس ودعم صنيعتهم، دولة إسرائيل، لانها عامل أساس في وجود وبناء وتطور الدولة الاسرائيلية اللا شرعية على حساب الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه وهويته وتاريخه ومستقبله ومستقبل الامة العربية كلها. الامر الذي يفرض علينا قراءة اللوحة جيدا دون ضحك على ذواتنا. ولنفرق بين مناورات السياسة والقرارات الاستراتيجية للصراع العربي مع الغرب الرأسمالي بكل اطيافه وتلاوينه.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات