آخر الأخبار

ثورة الحرية الإيرانية

 




عمر حلمي الغول

 

الثورات الشعبية أو الحروب عادة تشعلها شرارة في سهل هذا البلد، أو ذاك الإقليم، حينما تبلغ حالة السخط والغليان، أو التوترات بين بلدين أو تكتلين دوليين نقطة اللا عودة بينهما، ويستغل احد طرفي الصراع أي شرارة متواضعة ليعلن حربه   او شعب من الشعوب وصل التناقض التناحري بينه وبين منظومة الحكم حدا لا يطاق، بتعبير أوضح لم يعد هناك أي إمكانية للمحافظة على العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم. وقد تنجح او تفشل الثورات وفقا للشروط الذاتية والموضوعية القائمة في الوطن المعني.

 

مجددا جمهورية ايران الإسلامية تشهد انفجار بركان شعبي واسع في أعقاب قتل الفتاة الكوردية، مهسا اميني (22 عاما) يوم الجمعة الموافق 16 من أيلول / سبتمبر الحالي، بعد ان اعتقلتها عناصر الشرطة الإيرانية يوم الثلاثاء الموافق 13 من الشهر ذاته بسبب سخيف عنوانه عدم تغطية الحجاب شعرها بشكل كامل، بتعبير اخر، هي واضعة الحجاب، ولكن قد يكون تحرك عن احد خصل شعرها، فقاموا بتنفيذ جريمتهم دون ان يدركوا تداعياتها.

 

وما ان انتشر خبر إعدام الفتاة مهسا في طهران العاصمة حتى قرعت طبول المظاهرات والاحتجاجات الشعبية غالبية المدن المركزية الإيرانية رفضا للجريمة الإرهابية، ورفضا للنظام في آن. لان ما حملته الاحتجاجات من مظاهر، عكس حالة من السخط والغليان والكفر بالنظام حدا فاق تقديرات المراقبين جميعا. وبالتالي كانت اميني مجرد شرارة أحرقت السهل الإيراني الاسلاموي المتزمت، والمتناقض مع حريات وحقوق الإنسان. وتداخلت عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية واثنية ودينية وطائفية وثقافية واخلاقية وامنية مع بعضها البعض، فولدت انفجار البركان الشعبي الهائل. وتم اطلاق ما يزيد عن خمسين مليون تغريدة ضد نظام الملالي الإيراني، مما ارغم النظام لقطع الانترنت، وحجب كل مواقع التواصل الاجتماعي. لان النظام لم يتمكن من كبح جماح السيول الشعبية المتدفقة في شوارع العاصمة والمدن الإيرانية المختلفة.

 

رغم محاولة الرئيس رئيسي الالتفاف على عملية إعدام الفتاة الكوردية اميني، عندما اعلن عن تشكيل لجنة ذات اختصاص من القتلة للتحقيق في الجريمة. الا ان الشعوب من حملة الجنسية الإيرانية، من بولش وكورد وعرب وتركمان واتراك وغيرهم من المكونات الاثنية والدينية، لم تنطلِ او تمر عليهم لعبة الحاكم الإيراني، فكان هدير الغضب الشعبي اقوى واعمق واصدق من صوت النظام. فاندفعت الجماهير الشعبية للساحات والميادين حرقت صور الخميني وخامئني وسليمان قاسمي ورموز النظام الاسلاموي كلها، وأيضا احرقوا البنك المركزي، وهاجموا مراكز وسيارات الشرطة والجيش والباسيج والحرس الثوري وغيرها من مسميات نظام الملالي، لتأكيد رفضها للنظام وخياره الايديولوجي العقائدي، وكفرها بالجوع والفقر، والعنصرية ضد الأقليات العربية والكوردية والاثنيات الأخرى، وتمردها على حالة الاستبداد والاستعباد والظلم البوليسي الديكتاتوري، وتحديها لالة البطش بكل تلاوينها، فسقطت هيبة النظام، ومسحت باحذية المقهورين والمظلومين من عامة الشعب.

 

نعم الثورة الحالية، هي ثورة الحريات، والتمرد على العقد الاجتماعي اللا انساني. لان الجماهير من مختلف المكونات اكتشفت ان نظام الملالي، نظاما فاسدا بامتياز، ونظاما عنصريا متزمتا، ونظاما مأجورا ومتاجرا بالدين والطائفية وبمصالح وحقوق الشعوب من حملة الجنسية الإيرانية، وفي مقدمتهم العرب الاحواز، الذين تعرضوا ويتعرضون للتمييز العنصري منذ 95 عاما خلت، وتنهب ثرواتهم النفطية والمائية والطبيعية وحقوقهم السياسية والقانونية والثقافية على مرآى ومشهد من العالم اجمع، ونفس الشيء لابناء الشعوب الأخرى وخاصة الكورد. ولم تكن حادثة اغتيال مهسا سوى الشرارة التي اشعلت فتيل الثورة.

من المؤكد ان الثورة لن تصل الى شاطئ الأمان والانتصار الكامل على النظام. لكنها بروفة هامة في الدفاع عن الحريات، وشكلت محطة انعطافية كيفية في مسيرة تكسير اجنحته، كونها تمكنت من تمريغ انفه في التراب. الا ان قوى الثورة ليست موحدة، ولا يوجد لديها برنامج كفاحي ناظم لسيرورة وصيرورة ثورتها، ولا حتى شعارات موحدة، باستثناء الشعار الأساس الناظم للجماهير من مختلف المكونات، وهو شعار اسقاط النظام. وهذا لا يكفي لوحده للإطاحة به.

 

ثورة أيلول، او ثورة الحجاب، او ثورة الحرية الإيرانية حققت إنجازات هامة على طريق التحرر من نظام الملالي الكهنوتي، الذي يعاني من كم كبير من الازمات البنيوية العميقة، وقادم الأيام قد يشهد التحول النوعي المستجيب لمصالح وحقوق الشعوب بكل اطيافه ومشاربه وخلفياته.

إرسال تعليق

0 تعليقات