آخر الأخبار

العراق غامض يحيط بالمستقبل

 


 

محمود جابر

 

 

يعيش العراق حالة من الفوضى والاضطراب والشلل السياسى غير مسبوقة، ومع حلول الذكرى الثالثة لثورة تشرين أول / أكتوبر 2019، التي تحل ذكراها هذه الأيام، والانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021، والتي أدت الى احتدام الصراع مقتدى الصدر( التيار) و ما بين الإطار (ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح، وأحزاب وفصائل أخرى موالية لإيران)، وكادت ان تؤدي لحرب أهلية في شهر آب/ أغسطس الماضي، بعد ان سقط فيها 30 مواطنا وعشرات الجرحى، لولا تدخل مقتدى حين سحب أنصاره من المنطقة الخضراء.

وكانت ثورة تشرين 2019 بمثابة بروفة لثورة شعبية عظيمة، وتجلت بنزول مئات الآلاف من الجماهير الشعبية في المحافظات العراقية المختلفة وخاصة في الجنوب العراقي، الذى ما يزال يعانى كل انواع الحرمان وفقد الخدمات والفساد ، وانتفاء ابسط شروط الحياة الآدمية نتاج انعدام الكهرباء والماء والتعليم والصحة. والتي سقط على مذبحها آنذاك 800 شهيدا و30 الفا من الجرحى.

 

ورغم تمكن النظام من السيطرة على الشارع بالعصا الغليظة، مدعوما من قبل الميليشيات المسلحة العلنية منها والسرية، الا ان جذوة وجمر الثورة لم يتوقف، وتعبيرا عن ذلك، نزول الجماهير يوم السبت الموافق الأول من تشرين الأول الحالي بالمئات لإحياء ذكراها الثالثة في بغداد في ساحتي التحرير والنسور، وفي ذي قار وغيرها من المحافظات تحديدا الجنوبية تعبيرا عن تمسك أبناء العراق بأهداف الثورة.

 

ومع ان المظاهرات لم تدم وقتا طويلا، إلا أن شراراتها لم تنطفئ، بدليل أعطاء النظام مهلة حتى 25 من أكتوبر الحالي للاستجابة لمطالبهم المتمثلة بإنهاء العملية السياسية وتغيير مكونات النظام السياسي الذي تشكل في أعقاب عام 2003، وان لم تحدث فإنها ستتخذ خطوات تصعيدية، وتشكيل حكومة مؤقتة بإشراف دولي. وبالتالي المشهد العراقي يعيش قمة الترقب والغليان، وينذر بانفجار بركان الغضب. ولم يكن اختيار تاريخ ال 25 أكتوبر عبثا، بل لانه كان يوم بطش النظام والميليشيات بالشعب، وادموا قلوب الشعب العراقي بقتل العشرات والمئات من الشهداء والجرحى.

 

ولا اعتقد ان انتشار قوات الأمن الكثيف سيحول دون عودة الشعب وقواه الحية للشارع. لا سيما وان حالة الاستقطاب والتجاذب بين طرفي الصراع الأبرز (الصدر والمالكي) من جهة ثانية تزيد استعار الحالة الشعبية، وتضاعف من حالة الغليان في أوساط الشعب. لا سيما وان جرائم وانتهاكات ميليشيات أنصار الاطار تصب الزيت على نار الثورة المتقدة، أضف الى ان أميركا وإسرائيل الاستعمارية مازالتا تعبثان بمستقبل العراق من خلال أدواتهم المشتركة ممن جاءوا فى صحبة الاحتلال ما بعد 2003، واغلبهم قادة الاطار الموالى لايران.

 

كما لا أرى ان قرار المحكمة الاتحادية قبل يومين، برفض إجراء انتخابات برلمانية جديدة سيلزم الشعب من جهة، وجماعة مقتدى الصدر، التي استقالت من البرلمان، وتصر على إعادة الانتخابات، ولا تقبل استئثار جماعة ائتلاف دولة القانون بالهيئة التشريعية والحكومة على حد سواء، من جهة أخرى.

 

ان النظام السياسي يعيش حالة جمود وشلل تام، والحكومة الحالية لم تتمكن، ولن تستطيع تقديم أية حلول ممكنة للشعب، لأنها جزء من الأزمة العميقة للنظام، بالإضافة لزيادة واتساع حالة الفقر والفاقة وافتقاد ابسط مقومات الحياة في المحافظات الجنوبية خصوصا، والمحافظات العراقية ، مع تعمق الفساد واللصوصية ونهب الثروات على مرآى ومسمع دون وجل أو خوف، وبالتالي لا خيار أمام الشعب  سوى مواصلة كفاحهم الوطني للتخلص من حالة الفوضى والتخريب الممتدة من عام 2003 حتى الآن.

 

ولا مجال أمام قوى النظام السياسي القائم سوى الدفاع عن مصالحهم بالاستناد لحلفائهم الأميركيين والإيرانيين ، المستفيد الأول من تشظي وتفتت وجوع وفقر العراقيين جميعا بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والاجتماعية والاثنية، ليس هذا فحسب، بل ان إيران تقوم على مدار الساعة بنهب العراق وخيراته وقوت أبنائه وخاصة اتباع الطائفة الشيعية فضلا عن استهدافها المباشر لإقليم كردستان العراق بالصواريخ والأسلحة الثقيلة في أعقاب المظاهرات التي تعم أقاليم إيران كلها منذ إعدام مهسا اميني، الفتاة الكردية من قبل ما يسمى بشرطة  اللا خلاق قبل أسابيع خلت. الأمر الذي يحتم على أبناء العراق رواد التغيير مواصلة النضال لبلوغ أهدافهم الوطنية والقومية والديمقراطية، وبناء دولة المواطنة الكاملة.

 

ومع ان الغموض يكتنف واقع ومستقبل العراق في ضوء الجمود وتعطل دوران عجلة النظام القائم، الا الاستنتاج المنطقي يشير الى ان العقد الاجتماعي القائم بات في عداد المنتهي، لان الشعب لم يعد قابلا بالحكم، والنظام غير قادر على الحكم، وبالتالي من يعتقد ان الثورة تلاشت، يفتقد لعدم صوابية الرأي. لانه لم يقرأ اللوحة العراقية جيدا، وغدا لناظره قريب .

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات