آخر الأخبار

طريق الحجاز

 






علي الحفناوى

 

عندما طلب السلطان العثمانى عام 1808 من محمد على إرسال قوات عسكرية إلى الحجاز لإخماد الثورة الوهابية، واجه محمد على مشكلة نقل قواته عبر الصحراء الشرقية. فكان معروفا أن القواقل التي تعبر الصحراء إلى الحجاز، تفقد نصف رجالها أثناء العبور نتيجة للعطش أو هجوم الضباع الجائعة أو المعارك مع غزوات بدو سيناء... لذلك قرر محمد على إيجاد وسيلة للانتقال بسفن من السويس عبر البحر الأحمر إلى الأراضي الحجازية. وبنهاية عام 1809، بدأت الاستعدادات لنقل الجيش المصرى إلى السويس.

 

انتقل محمد على إلى السويس لعمل التحكيمات اللازمة لتحصين قواته بها ولدراسة كيفية بناء أسطول من السفن لعبور البحر الأحمر إلى الأراضى الحجازية. ولما كانت السويس تفتقد لأى مقومات لإنشاء مثل هذا الأسطول، أمر محمد على بشراء كل المكونات والخامات، من أخشاب وأحبال وأشرعة وحتى أصغر قطعة معدنية، من موانى تركيا، وإرسالها فورا إلى ورش بولاق شمال القاهرة.

 

تم تجهيز وتصنيع الأسطول المكون من 18 سفينة شراعية كبيرة في أقل من عشرة أشهر بورش بولاق. ثم تم تفكيكها وترقيمها لإمكانية نقلها بقوافل الجمال حتى السويس. وكانت بعض القطع الضخمة تحتاج لأربعة جمال تسير متزامنة للانتقال بها عبر رمال الصحراء. وقد استخدمت القافلة 18 ألف جملا، مات الكثير منها إرهاقا في الطريق، حتى امتلأت الصحراء بالجمال النافقة، فكان يتم استبدالها فورا بجمال، أمر محمد على بمصادرتها من الأعراب... وتم تجميع وتركيب السفن في زمن قياسى، واستعدت للانتقال إلى الحجاز لتنفيذ توجيهات السلطان العثمانى.

 

كانت ملحمة بناء أسطول حربى في السويس شبيهة بتاريخ بناء أسطول مماثل في عصر قنصوة الغورى عام 1515 بمعاونة تجار البندقية لمحاربة الأسطول البرتغالى في المحيط الهندى، دفاعا عن طرق التجارة بين الهند وأوروبا... وكان قنصوة الغورى قد اقتنع بمناسبة بناء أسطول البحر الأحمر بضرورة شق قناة السويس، كما طلب منه أمراء جمهورية البندقية، لكن الوقت لم يمهله للتنفيذ بعدما هاجمه السلطان العثمانى في مرج دابق وقتله، حيث احتل سليم الأول مصر بعد تلك المعركة... أما محمد على، فقد أدرك فعلا أهمية حفر قناة السويس لتيسير انتقال أسطوله بين البحرين، إنما أرجأ تنفيذ مثل هذا المشروع، نظرا لتركيزه على مشروعات الرى والسدود لتنمية الرقعة الزراعية المصرية. فكان يستفيد بخدمات كل المهندسين الفرنسيين الذين جاءوا لإقناعه بشق القناة، طالبا منهم البدء بمعاونته في شق القنوات والترع وبناء السدود.. وكان أشهر هؤلاء المهندسين لينان بك، الذى ساهم في إنشاء قناطر محمد على (الخيرية)، ووضع نظام مساحى كامل للرى في مصر والسودان حتى بحيرة فيكتوريا، وصار وزيرا للأشغال والرى... إلا أنه تحول بعد ذلك إلى كبير مهندسى قناة السويس في عصر سعيد وإسماعيل.

 

حتى تاريخ الوهابية في الحجاز كان له تأثير على قرار حفر قناة السويس.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات