هادي جلو مرعي
العراقيون يفهمون في
البروتوكولات، لكنهم منقسمون على أنفسهم، ولايستوعبون فكرة الحاجة الى دولة
مؤسساتية تنشغل بهموم الناس، وصار الإنزياح الى اليأس، والشعور بالنقص في مقابل
دول العالم نوعا من اللذة لتفريغ شحنات الغضب التي سببها الفشل السياسي، والضياع
الفكري، وغياب الهوية على مدى سنوات، وبسبب الفساد، وإنعدام الثقة بين الحاكم
والمحكوم.
هب العراقيون للثورة
ضد الاتفاقية الصينية أيام عادل عبد المهدي، وكتبنا حينها إن (الصين هي الحل) لأنها
تتصرف ببراغماتية عالية ومنفعة متبادلة، ولاتعنيها أكاذيب الديمقراطية الغربية
التي تهدد بها واشنطن حكومات الشرق الأوسط، ومنها البلدان العربية لتحقيق مكاسب
سياسية، وفوجيء العراقيون بتسونامي إتفاقيات خليجية وعربية وأفريقية وأوربية مع
الصين، وفوجيء العراقيون بالسعودية التي يتهمونها بالعمالة لأمريكا وهي تعلن إن
زواجها بأمريكا ليس كاثوليكيا، بل هو زواج إسلامي يتيح للسعودي الزواج بأربع دون
أن يحتاج لتطليق أمريكا، أو فرنسا. فيمكنه الزواج من الصين ليكون متزوجا بأربع كما
يقول الأستاذ فواز جرجس، وهنا يكمن فعل الصدمة، فالصين المحسوبة على محور روسيا
إيران تتفق مع السعودية دون أن يخرج السعوديون الى الشوارع مطالبين بإسقاط حكومة
محمد بن سلمان الذي أهان جو بايدن لمرات دون أن نكون مستعدين لتصديق ذلك حتى
تثبتنا من كل ذلك بزيارة الرئيس الصيني الى الرياض، وعقده قمة عربية صينية، وقمة
خليجية صينية مع الإحتفاظ بعلاقات مع الغرب وأوربا، واستمرار التبادل التجاري،
بينما يبدو العراقيون كمن ضيع الخيط والعصفور فلانحن مع أمريكا، ولانحن مع الصين،
ولانحن مع السعودية، ولامع إيران، بل صرنا مثل فتاة يحاول الجميع إستهلاك جمالها
بشهوة عابرة، مضيعين تاريخا يمتد لثمانية آلاف سنة.
وبدلا من الانشغال
بالحديث عن أهمية مشاركة العراق في قمة الرياض، ومايمكن أن نحصل عليه من قوائد حتى
لو جاءت متأخرة، صرنا منشغلين بعار وهمي لحق بالعراق لأن المسؤول السعودي الذي
إستقبل السوداني لم يكن الأمير محمد بن سلمان المنشغل بالتحضير للقاءات القمة،
وليس الوقوف على مدرج المطار لإستقبال المشاركين في القمة الذين هم أمراء ورؤساء
دول وملوك ورؤساء وزراء وأولياء عهد، حيث كلف مسؤولون بمناصب رفيعة بإستقبالهم،
وهي قضية بروتوكولية معروفة حيث ينزل رئيس دولة، أو مسؤول رفيع في المطار فيستقبله
شخص مسؤول، ويوصله الى موكب خاص، يوصله الى قصر ضيافة، أو فندق، ثم يجري الإجتماع
مع من يضاهيه في المنصب. بمعنى آخر إن العالم لم يعد يملك رفاهية الوقت كما يصفها
أحد الإعلاميين لتضييعها في إستقبال الضيوف، بل الإسراع لعقد الصفقات، وتجاوز
المحنة الإقتصادية العالمية، وحري بنا اليوم أن نتذكر إن المسؤول السعودي الذي
إستقبل رئيس الوزراء العراقي هو ذاته الذي إستقبل بقية الضيوف، بينما كان الوقوف
لإلتقاط الصور بروتوكوليا أيضا. فهناك ملوك ورؤساء وتوصيفات عدة، وهو بروتوكول ليس
للعراق أن يتجاوزه لأن شخصا حانقا، أو منفعلا يريد أن يشتم، أو ينتقص من مسؤولي
بلده، وحري بنا أن نضغط على السوداني في مايمكن أن يفعله لنلحق بالسعودية والكويت
والإمارات وألمانيا وإيران وووو الدول التي وقعت مع الصين لنستفيد من سهولة الحركة
الإقتصادية للصين خاصة وإن الغرب وأمريكا لن ينفعونا فهم منشغلون بمشاكلهم، ولديهم
روح إستعلاء إستعماري، بينما تغادر الصين تاريخا من العذابات لتصل الى مرحلة
الهيمنة على الإقتصاد العالمي، والطريف إن واحدة من الإتفاقيات السعودية الصينية
نصت على تعليم اللغة الصينية في المملكة العربية السعودية.
الآن علينا أن نضغط
على حكومتنا لإنفاق الأموال على الإستثمار، وجذب الشركات العالمية، ومنها الصينية،
وتقديم الخدمات للشعب العراقي، ومحاولة تحجيم الفساد، وليس الثرثرة الفارغة في
القضاء عليه نهائيا. فالمعاناة في هذا البلد تحتاج الى جهود وإخلاص، وليس الى فوضى
لاتبقي ولاتذر.
0 تعليقات