آخر الأخبار

خواطر حول المثقف العضوي

 

 


المثقف شخص يستخدم قدراته الفكرية لاكتساب المعرفة للتمييز بين الصواب والخطأ؛ وقد ميز المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي من بين المثقفين فئة اختصها بوصف المثقف العضوي أو الوظيفي Organic Intellectual، وهو مثقف (عضو) أو (موظف) من قبل جماعة أو حزب أو طبقة أو ... وظيفته شرعنة وتثبيت سيطرة هذه المجموعة على موارد المجتمع، من خلال صياغة تصورات هذه المجموعة في شكل نظرية/ايدولوجيا تبشر بحتمية سيطرة المجموعة التي تستخدمه هذا المثقف على المجتمع، كما يقوم بالترويج لهذا التصور من خلال منتجات ثقافية تتبنى هذه النظرية ... رواية ... قصيدة ... فيلم ...

 

فالمثقف العضوي إذا أقرب إلى سفسطائية اليونان، يستخدم ملكاته الفكرية لإثبات الحق أو لقلبه باطل وجعل الباطل حقًا؛ ولكن السفسطائية كانوا يفعلون ذلك من قبل إثبات مهاراتهم في الجدال، أما المثقف العضوي العصري فيقوم بهذا الدور بدافع المنفعة الشخصية المتمثلة في ارتباطه بالجماعة المهيمنة على المجتمع وتمثيلها، عن وعي او بدون وعي.

 

هناك أكثر من مثال للمثقف العضوي حفظه التاريخ لنا، ولكن من بينهم اخترت ماركس نفسه، معلم غرامشي، الرجل الذي نقد الاستغلال الرأسمالي والغزو العدواني، ولكنه في الجزائر اختار لا وعيه أن ينحاز إلى المركزية الأوروبية ممثلة في الغزو الفرنسي الهمجي للجزائر، وبدلا من إدانة هذا الغزو والمنظومة الرأسمالية/الربوية التي حركت الغزو، فضل أن يمدح الغزو وحركة الاستيطان الفرنسية للجزائر التي نقلت المدنية لشعوب همجية. كان ماركس في هذا مثقفًا عضوي بامتياز، أختار أن يستخدم ملكاته الفكرية لإضفاء الشرعية على جرائم الأوروبيين بحكم أنه ينتمي إليهم ثقافيًا.

 

المثقف العضوي مهم وضروري للمجموعة المهيمنة، ولكنه في النهاية يمثل صوت أو صورة للمجموعة المهيمنة وليس عقلها الذي يحدد أولوياتها وبرنامجها، فهو من هذه الناحية قابل لاستغناء عنه وإحلاله بآخر يؤدي الوظيفة على نحو أفضل. ألم تر كيف كان حسنين هيكل، صوت وصورة لمجموعة من المجموعات المتصارعة على حكم مصر في 15 مايو 1971، ولعله ظن يومئذ أنه عقل المجموعة أو جزء من هذا العقل، ولعله أيضًا أدرك حقيقة وضعه كمثقف عضوي عندما طرده السادات في فبراير 1974. ذهب هيكل، واستمر السادات وما ومن يمثله، فالمثقف العضوي – وإن كان عضوًا في جسم اللفياثان - إلا أن عضو يمكن الاستغناء عنه، وهو ما لا يستطيع أن يدركه المثقف العضوي إلا بعد أن يجد نفسه في سلة القمامة، ولكن الخاسر في هذا الاستغناء يكون دائمًا المراقب، فبعدما أدرك أن صاحبنا مثقف عضوي مستخدم لترويج بضاعة سيده، سوف يكون عليه أن يشحذ جميع حواسه من جديد حتى يتمكن من اكتشاف من هو المثقف العضوي الجديد الذي حل محل غير المأسوف عليه.

 

د. وسام محمد عبده

 

العاشر من جمادى الآخر 1443هـ

 

الثالث عشر من يناير 2022مـ

إرسال تعليق

0 تعليقات