نصر القفاص
حاصر الانجليز مصر
قبل احتلالها عبر طريقين!!
كان الأول بإغراقها
فى الديون.. ساعد فى ذلك "سعيد باشا" ثم الخديوى "إسماعيل" الذى
سلم أمر البلاد لما نعرفه باسم "صندوق الدين" ليفرض عليها الوصاية.. وتولى
الخديوى "توفيق" تأمين الطريق الثانى بإشغال الجيش وتشويه صورته.. لتسقط
مصر بين فكى "احتلال عثمانى" و"استعمار انجليزى" أطمأن إلى
سقوط ضحيته بإعلان "حل الجيش المصرى" فى أول لحظة!!
إنطفأت "شعلة
مصر" عندما فرضت الدول الكبرى على "محمد على" معاهدة عام 1840, التى
كسرت مشروع كان قدرها وبحجم قدراتها.. أدخلوها بتواطؤ مع "الدولة العثمانية"
فى شرنقة, حتى تمكنوا من الانقضاض عليها!!
يحدثنا المشاركون فى "المؤامرة"
بأنها مجرد "أوهام", لإخفاء جريمتهم!!
تسلم الانجليز مصر
مديونة.. أضافوا إلى ديونها قروضا وصلت إلى 116 مليون جنيه مطلع عام 1900, لتنفيذ
ما يسمونه هذه الأيام "الإصلاح الاقتصادي".. تولى أمرها "اللورد
كرومر" ليجعل البلاد تدفع خدمة ديون 145 مليون جنيه على مدى ثلاثين عاما.. أى
أن مصر دفعت 29 مليون جنيه فوق حجم ديونها كخدمة دين حتى عام 1914.. وبقيت عليها
ديون 86 مليون جنيه!!
هكذا هى "فلسفة
الديون" التى تفرض الفقر والتخلف!!
شهد "زمن محمد
على" تنمية بلا ديون.. وكان زمن "سعيد باشا" ثم "الخديوى
إسماعيل" هو عصر الديون بلا تنمية.. بقى منها قصور فاخرة.. جسور – كبارى – منها
"كوبرى قصر النيل", و"أوبرا" إحترقت مطلع السبعينات من القرن
الماضى.. مع "حديقة الأسماك" فى الزمالك.. ومصنع للطرابيش!!.. وهنا أذهب
للدكتور "على الجريتلى" الذى يحدثنا عن ثلاثين عاما من بداية الاحتلال
الانجليزى, فيقول: "كان الهدف الوحيد للإدارة البريطانية فى السنوات التالية
للاحتلال بداية من عام 1882, هو زيادة الرقعة الزراعية لإنتاج القطن.. لأجل تمكين
الاستعمار من الحصول على رطل لحم من جسد الاقتصاد المصرى"!!.. وتحمل الوثائق
البريطانية اعتراف "كرومر" بأنه ذهب إلى بناء "خزان أسوان" بعد
عام 1898 وفصل السودان عن مصر لزيادة الناتج القومى من زراعة القطن الذى تحتاجه
مصانع انجلترا.. وقال بوقاحة: "لو سمحت بإقامة مصانع منسوجات, لحملت لانكشير
السلاح فى وجهى".. وكان يقصد معقل صناعة النسيج فى بلاده!!
انخفضت ديون مصر
الخارجية بعد الحرب العالمية الأولى.. أصبحت 39 مليون جنيه عام 1934, ولما كان عام
1940 فقد تم إعلان إلغاء "صندوق الدين" بعد أن ظهرت خطة "تمصير
الديون" التى عكف عليها "أمين عثمان" وقد كان وزيرا للمالية.. والذى
اشتهر بقولته إن: "علاقة مصر ببريطانيا زواج كاثوليكى".. ومن سخرية
القدر أن "أمين عثمان" تم اغتياله, وكان "أنور السادات" أحد
المتهمين باغتياله!!
هنا يجب أن نتوقف
أمام خطة "تمصير الديون" الشيطانية!!
قامت على طرح قيمة ديون مصر فى
صورة سندات داخلية, لتحويل الدين الخارجى إلى دين داخلى.. بذلك يشتريه "باشوات"
هذا الزمان مع الأجانب الذين يملكون مقدرات الاقتصاد المصرى.. والخطة كان هدفها
مساعدة الاحتلال على تحصيل قيمة الديون لإنقاذ الاقتصاد البريطانى خلال الحرب.. وعرض
ذلك على مجلس الوزراء عام 1943 مشفوعا بشرح قال فيه: "إن تمصير الديون هو
أفضل طريقة لتحويل ديون مصر الدولية إلى ديون محلية من أجل كرامتنا الوطنية"!!
عندما تكون "الخيانة
وجهة نظر" يكون لها بريق!!
أصبحت مصر بلا ديون
دولية بعد تنفيذ هذه الخطة.. لكن الديون بقيت على البلاد لصالح "الباشوات"
وكبار الأثرياء من الانجليز واليهود الذين كانوا يتحكمون فى اقتصاد البلاد.. لم
تحدث إضافة للزراعة ولا الصناعة.. لم تنعكس خطة "تمصير الديون" على
الشعب الذى ازداد فقره وجهله ومرضه.. إستفادت قلة قليلة من الذين يملكون الثروة, ويقدرون
على المضاربة فى أسواق المال.. تضاعفت ثروات "أحمد عبود" و"أبو
رجيلة" وغيرهما من أمثال "الذين هبروا" فى مصر بمجرد الذهاب إلى "السلام"
الذى جعلنا نصل إلى ديون بالمليارات بعد حرب أكتوبر!!
بعد "ثورة 23
يوليو 1952" لم يطرأ جديد على حالة الاقتصاد لأربع سنوات.. حاول خلالها "العهد
الجديد" الرهان على مشاركة القطاع الخاص وما نسميه "المستثمرين" الذين
راحوا يمارسون أقصى درجات "الابتزاز" لإضافة المزيد إلى ثرواتهم.. فالمعلوم
بالضرورة أنه لا استثمار دون نظام سياسى واضح ومستقر.. لا يوجد استثمار يضيف للمجتمع
دون قوانين صارمة وعادلة.. فى غياب سياسات اقتصادية واضحة المعالم, يصبح ما يسمى "الاستثمار"
أقرب إلى "صالة قمار" يكسب منها المغامرين والقادرين على اللعب بالنظام
السياسى لصالح أنفسهم ولصالح رعاتهم!!
إختارت مصر طريق "التنمية
المستدامة" فطرحت مشروع "السد العالى" وهنا يدرك الغرب أن الحاكم
الجديد – عبد الناصر – يبحث عن حاضر ومستقبل بلاده.. ناصبه الغرب العداء لصالح "إسرائيل"..
فرض عليه التحدى.. تم إعلان تأميم "قناة السويس" التى مازال "خدم
الملكية والاستعمار" يعتبرونها "مغامرة".. حتى وهى تضيف لاقتصاد
مصر – حاليا – ثمانية مليارات من الدولارات سنويا.. ذهبت مصر إلى التصنيع فكانت
مصانع "الحديد والصلب" و"الكوك" و"المراجل" و"النسيج"
التى توسعت بسرعة رهيبة لتضيف عشرات المصانع, ثم أصبحت المصانع بالمئات مع إضافة
للرقعة الزراعية إلى جانب ما حدث من تطوير فى التعليم والصحة!!
أخذت مصر منهج "التخطيط
الشامل" لينمو الاقتصاد ويشعر المواطن بثمار التنمية.. خسر المغامرين كل
فرصهم فى نهب ثروات هذا الوطن.. قال "بن جوريون" وقتها: "تركيز مصر
على التنمية الحقيقية الجادة, يمثل أخطر شئ على إسرائيل"!!
لا يمكن أن ننكر أن
مصر اقترضت لبناء "السد العالى" مبلغ 197 مليون دولار ثم 97 مليون دولار
– أقل من 60 مليون جنيه مصرى – وتم تنفيذ مشروع "الحديد والصلب" فى "حلوان"
من هذه القروض.. ودفعت مصر 67 مليون جنيه تعويضات لصالح "السد العالى" كما
سددت 27,5 مليون لصالح مساهمى شركة "قناة السويس".. و25 مليون جنيه
تعويضات للذين تم تأميم ممتلكاتهم بعد عام 1960.. إضافة إلى 15 مليون جنيه للسودان
كتعويض عن آثار بناء السد العالى.. غير ملايين حصل عليها رعايا اليونان وفرنسا
وإيطاليا وسويسرا عن ممتلكاتهم التى تم تأميمها!!
يحدثك "خدم
الملكية والاستعمار" عن "التأميم" وكأنه حدث بعد إعلان قيام الثورة
مباشرة.. والحقيقة أنه تم الذهاب إليه بعد ثمان سنوات, تحملت خلالها الثورة "إبتزاز"
الذين نهبوا ثروات البلاد على مدى عشرات السنوات.. يحدثك "اللصوص الجدد"
عن أن "عبد الناصر" كان سبب "خراب مصر" وهم صادقين.. لأنهم
يعتبرون مصر ملكا لهم وحدهم.. أما شعبها فيستحق منهم الصدقات والفتات من خيرات
بلاده!!
دارت عجلة الزمن.. نصبوا
للبلاد "مصيدة الديون".. ثم دارت عجلة تشويه الجيش تمهيدا لتدميره.. والمؤسف
أن ذلك يحدث بآيادى من اعتقدنا أنهم منا.. حتى اكتشفنا أنهم أحفاد "سعيد باشا"
و"الخديوى إسماعيل".. فقط تغير الاستعمار ليصبح أمريكيا وخليجيا!!
0 تعليقات