آخر الأخبار

خطوة سعودية جديدة






 

منذ يومين فقط تم الإعلان رسمياً عن انضمام المملكة السعودية بصفة شريك الحوار تمهيداً للحصول على العضوية الكاملة لمنظمة شنغهاى (للأمن والتعاون) تلك المنظمة التي تضم أربعة دول نووية منها دولتين عظمتين هما الصين وروسيا ، بالإضافة لتضمن عضويتها لثلاث هى دول الهند وباكستان وإيران ، وهذه الدول الثلاث تعتبر على نحو متفاوت قوى إقليمية كبرى سواء من حيث الحجم أوالتموضع الجيوسياسي أو في تأثيراتها المتنوعة في محيطها الاقليمي وفي العالم الأوراسي وامتدادته .

 

، هذا بالإضافة لأن عدد سكان الدول أعضاء هذه المنظمة مجتمعة يمثل أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية وهذا ثقل بشرى دولي كبير إذا ما ذهب من حيث الفعالية الجيوسياسية والاقتصادية في التأثير في المجتمع الدولى فأنه كفيل بنقل مركز الثقل الدولى من الجانب الأطلسي إلى الشرق حيث يمكن أن يشكل العالم الأوراسي ملامح النظام العالمي الذي هو الآن قيد التشكل كعالم بديل لعالم الهيمنة الأطلسية ..

 

هذا الانضمام السعودي المبدئى والذي يأتي كتطور لايمكن تجاوزه وعدم الوقوف عنده بالدراسة والتحليل قد أعقب بأيام معدودات تطوراً هاماً هو الإعلان عن الاتفاق الثلاثي الصيني السعودي الإيراني ، والذي جاء على نحو يمثل ليس فقط نقلة نوعية ذات حجم هائل في المواقف السياسية للسعودية مقارنة بتموضعها منذ تأسيسها وحتى بدايات العقد الثاني من القرن الحالي في خدمة استراتيجيات الهيمنة الأمريكية على المنطقة والعالم لدرجة القيام بأدوار وظيفية طوال القرن الماضي أدت إلى إنقاذ الهيمنة الأمريكية عقب خروجها من فيتنام بعقد صفقة البترودولار التي أبقت وقتها الدولار الأمريكي سيداً على عملات العالم ومهيمناً على اقتصادياته رغم سحب غطائه الذهبي فيما عرف ب(صدمة نيكسون) ، وذلك عبر إبرام الاتفاق بضخ كافة تدفقات العوائد النفطية لمنظمة أوبك للبنوك الأمريكية بحيث يصبح النفط بديلاً للذهب كغطاء للدولار ، وهذا اخطر دور قامت به المملكة السعودية في تكريس الهيمنة الأمريكية بالإضافة لدورها في التمويل والدعم لحركات الإسلام السياسي والذي تواكب مع دورها في إشعال حرب أفغانستان والتنفيذ اللوجستي لكافة المخططات التي كانت تشرف عليها المخابرات المركزية الأمريكية في هذا الوقت ..

 

إذن فقد جرت في أمور وأصبحت هناك نخبة حاكمة جديدة داخل المملكة واكبت صعود شباب الأسر الحاكمة في دول الخليج العربي ، ولاينبغي هنا الاندفاع والقفز في القول بأن هناك تغييراً في البني الاجتماعية قد احدث تغييراً سياساً جذرياً في المملكة ودول الخليج ، بل الأقرب للتصور أن هذه المتغيرات هي تعبير عن الرؤى البرجماتية البحتة لهذه النخب الخليجية الجديدة وذلك للحفاظ على العروش ومن ثم الدول تتضمن إحداثيات جديدة وتحديث للبنى الفوقية السياسية (يحافط على نفس المصالح والأوضاع الاجتماعية لنفس الأسر الحاكمة) وفي نفس الوقت إدخال تحديثات على البني الاقتصادية تتيح توظيف أحدث للفائض الناجم عن العوائد النفطية في بناء اقتصادات تنوع الموارد وتبعد بها عن الانحسار في قطاع الطاقة فقط في عالم يشهد تراجع الهيمنة الأمريكية وفي ظل حقيقة أن مظلة الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لاتحمي من التهديدات الجدية (فهي لم تحمي الأجواء السعودية ولابوارج النفط الخليجية من الصواريخ والهجمات سواء كانت إيرانية أو غير ذلك) في حين أن العالم أصبح اشد اضطراباً وموازين القوى تتبدل ولابد من سياسات جديدة تحفظ للعروش وبالتالي للدول والإمارات الخليجية أمنها ومصالحها على نحو مغاير للنحو التقليدي الذي كان يضع بيض السياسات الخليجية في سلة واحدة هي السلة الأمريكية ..

 

إذن انضمام المملكة السعودية المزمع لمنظمة شنغهاي للأمن والتعاون وهو التجمع الدولي الذي يعتبره البعض من المتابعين للشأن الدولي أنه التحالف المناوئ لحلف الناتو يشكل حدثاً جيوسياسياً في غاية الأهمية .

 

، وتحركات المملكة السعودية الأخيرة من الناحية الجيوسياسية ستكون لها آثارها الهائلة وستغير توازنات وحسابات جيوسياسية كثيرة سواء كان ذلك في منطقة الشرق الأوسط (من حيث العلاقات مع إيران وسوريا ولبنان واحتمال تسوية الأوضاع في اليمن كنتيجة للاتفاق مع إيران) وماسيترتب على هذا من تغير أوزان بعض القوى في المنطقة (والذي لن يكون في صالح إسرائيل التي ستتأثر كثيراً بالتفاهمات الإيرانية السعودية) وخاصة أن العلاقات بين أكبر قوتين شرق اوسطتين حالياً - إذا ماتم إنفاذ الاتفاق الذي تم برعاية واشراف صيني معلن ستكون محكومة مستقبلاً بإطارات التعامل داخل منظمة شنغهاي للأمن والتعاون (وإن كانت هذه الخطوة السعودية وماسبقها تشكل مغامرة كبرى للنخب الخليجية الحاكمة الجديدة في مواجهة انصار السياسات الخليجية التقليدية)
، وهذا الاتفاق وماتلاه من خطوة قرار المملكة السعودية الشروع في الانضمام لمنظمة شنغهاي (علاوة على كونها المرشح الأول لإعلان عضويتها بتجمع البريكس خلال هذا العام) فكل هذا يعني أن العملاق الصيني الذي خرج من عزلته في بدايات هذا القرن عبر طرحه لمبادرة الطريق والحزام قد بات أكثر قدرة على المبادرة الدولية واصبح أول المرشحين لوضع أسس العالم الجديد الذي سينبثق عن انقاض العالم الذي كان يحكمه ويهيمن عليه قطب دولي واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن هناك اتباط وتلاق وربما تكامل بين مبادرة الحزام والطريق وبين فكرة استنهاض العالم الأوراسي التي تتبناها روسيا وتتحلق حولها دول آسيا الوسطى ويمتد تأثيرها في عمق تركيا عضو حلف الناتو التي اصبحت عضويتها للناتو مثيرة للأشكاليات ، لدرجة أن وجودها قد اصبح أحد بذور انبات التصدع داخل الناتو لدرجة أنه لأول مرة في تاريخ الناتو توجد دولة تعلن عدم التزامها بقرارات الحلف وهو ماتأكد عملياً حتي الآن في الموقف التركي من العلاقات مع روسيا وكذلك اعلان رئيسها صراحة في أواخر مارس الحالي بأنه لن يسمح للغرب بأن بجر تركيا للحرب الأوكرانية ..

 

إذن العملاق الصيني من أقصى الشرق الأوراسي ربما ينجح بمبادرة الحزام والطريق في الصعود بالأفكار الأوراسية التي تتبناها روسيا التي تتموضع بثقل في العمق الغربي لآسيا ولايمكن فصلها عن العمق الشرقي لأوربا ضف إلي ذلك تلك القوى الإقليمية التي تلعب بدورها أدوراً شديدة التأثير في آسيا كالهند وباكستان وإيران والسعودية وتركيا وكلها دول متحفزة للعب دور في بناء العالم الأوراسي المرشح لأن يكون هو مركز الثقل الرئيسي في العالم الجديد ، والمخطط الأكبر للنظام العالمي الجديد ..

 

صحيح ان العالم يمر بفترة اضطراب شديد كما نراه منذ استحكام أزمة المركز الرأسمالي الذي تجلت ذروتها في 2008 ثم دخول العالم مرحلة كرونا وانكشاف الرأسماليات الغربية أمام الوباء فإشتعال الحرب الاوكرانية كملاذ أخير للتشبس بهيمنة زعيمة العالم الأورأطلسي على العالم في مواجهة القوى الأوراسية الصاعدة التي تريد تعديل موازين القوى ودخول مرحلة انتهاء هيمنة القطب الواحد بموازين قوى دولية جديدة يبحث فيها الكل عن موضع قدم تتوازن مع مصالحه الحيوسياسية ورؤيته للنظام الدولي الجديد ..
وبالطبع فالسؤال الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا في مصر الآن هو أين نحن من هذا ، وهل أضعنا فرص التأهل ليكون لنا موضع قدم يناسب طموحات

 

الشعب المصري في العالم الجديد الذي اصبح على بعد مرمى حجر زمني في التشكل ؟

 

ان ما امتلكه الآن فقط هو السؤال ، أو ربما كان هذا سؤال تحمل إجاباته ضرورة تصحيح الأوضاع الداخلية ومعالجة التراجع الإقليمي والدولي التي أصبحت تشكل أهم سمات هذه المرحلة الصعبة في تاريخنا الوطني ، والتي تدلل عليها شواهد كثيرة متعينة أمام بصائرنا .



حمدى عبد العزيز


31
مارس 2023

إرسال تعليق

0 تعليقات