آخر الأخبار

البشير يربك التحالفات





البشير يربك التحالفات






تقرير

الإرباك الذي سببه تغيير "عمر البشير" من رأس السلطة في السودان، سينعكس على دول محورية مهمة في المنطقة، وملفات أكثر تعقيدا .
المحور القطري التركي وتواجده في الشرق الإفريقي يجد نفسه أمام مأزق، والمحور السعودي الإماراتي الذي يعتمد على الجنود السودانيين بالحرب في اليمن هو الآخر أمام مأزق.
ولكل من المتنافسين الإقليميين من استمرار حكم " نظام البشير" أهداف متباينة ...
فمصر تجد السودان عمقها الاستراتيجي، والسعودية والإمارات تنظران إليه بصفته أحد أعمدة التحالف العربي الذي يخوض حربا في اليمن، كما أنهما يخشيان نجاح أي احتجاجات في المنطقة.
أما تركيا، فترى السودان و" نظام البشير" بوابتها الرئيسية في إفريقيا، وتعتبره قطر أحد موازين القوى في الأزمة الخليجية.
قطر، كانت رهان "البشير" وفي الوقت الذي كانت تحاول فيه السعودية والإمارات التأثير على السودان لتغيير موقفه، استمرت الخرطوم في رؤية ما حدث مع قطر "أمرا غير مبرر"، كما أنها وصفته بـ"الحصار".
تركيا كانت تعول على "البشير" بشكل كبير، حتى كانت زيارة الرئيس "رجب طيب أردوغان"، للسودان نهاية 2017، حجر زاوية للعلاقات بين البلدين، وضعت فيها أنقرة قدميها في إفريقيا، خاصة بعد حصولها على حق الانتفاع في جزيرة "سواكن" لمدة 99 عاما...!
وتعتمد تركيا على السودان في أن يكون -مع الصومال- بوابتها للقرن الإفريقي
لكن خسارة حليفا مثل "البشير" سيمثل ضربة قوية للأهداف التي وضعتها أنقرة من أجل إيجاد موطئ قدم في إفريقيا، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية مهمة مع أغلب دول القارة السمراء.
ورأت الكاتبة والمحللة السياسية التركية، قيمت سيزار، أن على تركيا ألا تتخلى عن جزيرة سواكن السودانية التي تقع على البحر الأحمر، وأن تؤسس وجودها العسكري هناك، حرصًا على خلق توازن إقليمي على غرار ما فعلته (تركيا) تركيا ستحافظ على العلاقات الموجودة و"القوية" بين البلدين، كما أنها ستواصل مشروعها الاستثماري في جزيرة سواكن.
وأكدت الكاتبة والمحللة التركية، أن القاعدة العسكرية التركية التي بدأ إنشاؤها في جزيرة سواكن إلى جانب القاعدتين المتواجدتين في كل من قطر والصومال، ستعمل على خلق توازن إقليمي في المنطقة، يمتد من إفريقيا إلى الخليج العربي، ومن البحر الأحمر وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط.
الأمر عند السعودية والإمارات مختلف؛ فكلاهما ينظران إلى "البشير" بصفته الرئيس الداعم لمواقف البلدين في الحرب باليمن، ويشارك بجنوده في حرب لا أحد يعرف مداها الزمني حتى الآن ..
تغيير "البشير" قد يسبب إرباكا في مشاركة السودان في التحالف؛ ما دفع
الرياض وأبوظبي إلى دعم "البشير" اقتصاديا وسياسيا.
أما مصر فكانت من أشد الداعمين لـ"البشير"، سواء بالبيانات الرسمية، أو عبر تشكيل لجنة استخباراتية أمنية مشتركة، يشرف عليها مباشرة "عباس كامل" دعما للسلطة في البلاد.
كانت رسالة مصر تؤكد لـ"البشير" أن "استقرار السودان يصب بشكل مباشر في استقرار مصر" وتخشى مصر حالة الانفلات الأمني التي قد تعقب تغيير "البشير"؛ نظرا لأن كميات السلاح الكبيرة المنتشرة في السودان قد تغرق جنوب مصر، من ثم تؤثر بشكل مباشر على استتباب الأمن في مصر.
وأيضا خشيت القاهرة من أن حدوث التغيير في نظام الحكم بالسودان قد يؤدي لانتشار فوضى ما في الجارة الجنوبية؛ ما قد يساهم في نزوح الآلاف وربما ملايين السودانيين من بلادهم إلى مصر؛ الأمر الذي قد يربك الوضع الاقتصادي المصري.

كيان العدو الصهيونى يجد نفسها أيضا في موقف الباحث عما سيؤوول إليه الأوضاع بعد "البشير"، في ظل اتفاق مسبق أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في ديسمبرالماضي، حين قال إن شركات الطيران الإسرائيلية ستتمكن من التحليق فوق السودان في طريقها لأمريكا الجنوبية، في إطار مساع لتحسين العلاقات مع الدول المسلمة وعزل إيران
بتشجيع من واشنطن.
تخشى روسيا والصين تغيير الأوضاع في السودان، كونه بوابة البلدين إلى إفريقيا، واستثمرتا فيه ملايين الدولارات، خلال السنوات الأخيرة.
وفي الوقت الذي بدأ التليفزيون الرسمي في بث أغان وطنية، وأعلن أن بيانا مهما سيصدر عن القوات المسلحة بعد قليل، قالت تسريبات إعلامية
إن "البشير" تحت الإقامة الجبرية، وإن ضباطا من الجيش السوداني أبلغوه أنه لم يعد رئيسا للجمهورية....

السودان فى قبضة العصابة:

يمكن وصف النظام السوداني السابق بأنه عصابة من اللصوص، تتحكم بالبلد، وتنتهج أسلوب إثراء وتمكين "الذات" واستدامة السلطة، على حساب التدهور المعيشي الهائل، في حياة السودانيين.
وفيما يتمتع السودان، بثروات كبيرة، وموارد طبيعية كامنة، يعيش ما يقرب من نصف السكان تحت خط الفقر حيث يتكدس نازحون بالملايين في مخيمات بدارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق. إلى جانب مجتمعات مُهمشة في شرق السودان، وفي مستوطنات غير رسمية خارج الخرطوم، حسب وصف التقرير الأمريكي.
أما بالنسبة لنخبة حاكمة صغيرة، تبدو السودان دولة ناجحة، بشكل مذهل، إذ تحول بضعة أشخاص إلى أثرياء، ولعبوا أدواراً بارزة في نهب موارد البلاد.
وذكر تقرير الأمريكي، كمثال، شركة الخليج للصمغ العربى السودانية، والتي تعمل وفق عقدٍ مع سلطات الشارقة (الإمارات)، لإنشاء مصنع لإنتاج بدرة الصمغ العربى بقيمة استثمارية تصل الى (15) مليون دولار فى المنطقة الحرة بالشارقة. وتعود الملكية الحقيقية للشركة، لأشقاء الرئيس السوداني (علي وعباس وعبد الله البشير).
ومنذ العام 2011، بدأت تتزايد المعلومات والتفاصيل المنشورة عن امبراطورية "البشير وأشقائه" الاستثمارية، داخل البلاد، وخارجها، حيث يسيطر أشقاء البشير وأشخاص مقربون منهم على القطاعات الأكثر حيوية وربحية فى اقتصاد البلاد، من ذلك "قطاع الاتصالات، والتمويلات المصرفية، والتعاقدات الحكومية، واستقبال المستثمرين الخليجيين واستخراج مستحقات المقاولين لدى الحكومة، وخدمات البترول وغيرها..".
كشف نشطاء سودانيون تفاصيل مروعة بشان ثروات البشير وعائلته وقالوا :
يتناقل نشطاء سودانيون أسماء شركات واستثمارات تعود ملكيتها الكاملة أو الجزئية لعائلة البشير، مثل (سوداتل ، مجموعة زوايا، زوايا للمعلومات وتقنية الاتصالات، زوايا الهندسية، زوايا للخدمات، زوايا للصناعات الغذائية، زوايا للخدمات الطبية والبيطرية، عفراء مول، روتانا السلام، مصنع الروابى للألبان والعصائر، مجمع رهف السكنى، نهر شاري، شركة لاري كوم السودانية).
ويمكن الإشارة إلى أكثر من 20 مؤسسة استثمارية أخرى، يربط نشطاء سودانيون بينها وبين عائلة البشير، منها (هاى تك للبترول، هاى تك كيميكال، هاى تك للخدمات الهندسية المتقدمة، مجموعة التقنية المتطورة (هاي تك جروب)، هاي كوم، هاى كونسولت، شركة السودان للسكك الحديدية الحديثة، هاى كوم (شركة اتصالات)، بشاير فيما بعد اريبا ثم MTN، شركة الفاركيم للصناعات الدوائية، شركة التعدين المتقدم، شركة التجارة و الكيماويات المتقدمة، مدينة جياد الصناعية ـ ولاية الجزيرة، شركة جياد لإنتاج السيارات والمركبات الثقيلة، شركة جياد الصناعية ـ الخرطوم، شركة بتروهلب للنفط الرياض، شركة رام للطاقة المحدودة الرياض شارع المشتل، شركة الأعمال التجارية والكيميائية المتقدمة المحدودة، شركة اتكوكو لصناعة الجوالات البلاستيكية، مصنع ابن حيان للصودا الكاوية، أتكوكو لصناعة الأسمنت، شركة أتكوكو لأعمال السكة حديد، اسهم بكنار تل(.
وفي نهاية العام 2010، كشفت وثائق دبلوماسية سرية أمريكية، سرّبها موقع "ويكليكس" أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير نقل نحو 9 مليارات دولار إلى حساباته المصرفية في بريطانيا والولايات المتحدة. ونقل دبلوماسيون أمريكيون عن لويس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية أن الرئيس السوداني اختلس مبالغ تصل إلى 9 مليارات دولار من أموال الدولة أودعها في حسابات أجنبية.
وقد لا يبقى السؤال عن مصير امبراطورية "البشير وأشقائه" مُعلّقاً لفترة طويلة، سواء تمكن الجيش من إعادة إنتاج نظام البشير نفسه، بوجوه جديدة، أو اضطر، تحت ضغط الشارع والقوى المدنية السياسية، إلى التخلي عن السلطة، فإن مصير البشير وأشقائه، سيكون موضوعاً رئيسياً للنخبة الحاكمة الجديدة.

الرجل الغامض ...

إستقالة صلاح قوش رجل المخابرات تعني سقو ط واحد من أركان النظام السابق كانت الازدواجية السياسية من أبرز سمات شخصيته...!
ينتمي قوش إلى الحركة الإسلامية السودانية، أحد روافد جماعة الإخوان المسلمين، وكان مسؤولا عن جهاز المعلومات الخاص بالتنظيم في الجامعة التي تخرج منها 82.
وبعد الإطاحة بنظام الرئيس جعفر النميري ثم حكومة الصادق المهدي، ثم انقلاب عمر البشير عليه عام 1989 بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، التحق قوش بجهاز الأمن الداخلي لحزب المؤتمر الحاكم الذي أسسه رئيس الحركة الإسلامية حسن الترابي.
بعدها أصبح قوش ضابطا في جهاز المخابرات الوطني، حتى وصل إلى منصب مدير إدارة العمليات، ويُتهم بتأسيس ما عُرف في التسعينات باسم “بيوت الأشباح” وهي السجون السرية التي استقبلت المئات من المعارضة السودانية .
قام قوش بإضعاف الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها من الداخل، فبعدما نشب صراع جديد على الحكم بين البشير والترابي، استعان البشير في حربه بصلاح قوش، أحد أذرع الترابي في الحركة الإسلامية.
وتمثّل دوره في تقديم جميع الأسرار عن جناح الحركة الإسلامية المعارض لينحاز قوش إلى البشير ضد أستاذه الترابي ويشرف أكثر من مرة على اعتقال الترابي وقيادات حزبه بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري.
صعد قوش سريعا في درجات المناصب، وأسندت إليه مهام التنسيق مع المجاهدين الأفغان الذين استقروا في السودان برفقة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الذي مكث في ضيافة الحكومة السودانية بين عامي 1990 و1996 ثم ترك نحو 12 مليون دولار بهدف استخدامها في عمليات الجهاد.
فرضت الولايات المتحدة على البلد عقوبات، وأدرجته على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقطعت علاقتها الدبلوماسية به. لكن ذلك، لم يمنع واشنطن من تعاون استخباراتي مع الخرطوم عقب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، كشفته الصحف الأمريكية، إذ بعثت الولايات المتحدة طائرة خاصة لنقل رئيس المخابرات السودانية إلى واشنطن، حيث قدم الرجل الثاني في السودان معلومات تفصيلية عن الجهاديين العرب وتنظيم القاعدة وساهم في تسليم عناصر منهم للولايات المتحدة دون علم وزير الخارجية السوداني...!
كما أن كون قوش أحد المطلوبين لمحكمة العدل الدولية بجانب البشير على خلفية الجرائم في إقليم دارفور، لم يمنعه ذلك من زيارة بريطانيا مرتين عام 2006، لتقديم نفس العرض عن الجهاديين.
وبالرغم من ورود اسمه في القوائم السوداء المصرية لاتهامه بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك أثناء زيارته لأديس أبابا عام 1996، اعترف قوش لاحقا بأنه قاد ملف عودة العلاقات بين السودان ومصر مع “أبيه الروحي” مدير المخابرات المصرية عمر سليمان.
ازدواجية قوش في التعامل انتقلت أيضا إلى دول الخليج، حيث دعا قوش الدوحة عقب اندلاع الأزمة الخليجية القطرية، للانصياع للمطالب الخليجية، لكن لم يمض شهر على موقفه حتى قاد حملات داخل البرلمان الذي كان أحد أعضائه، برفض تصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” وحركة “حماس” جماعات إرهابية على نحو ما قامت به دول المقاطعة، وتضامن مع النواب الآخرين الذين طالبوا الحكومة بالانحياز علنيا للدوحة ضد الرياض.
في عام 2009، أقال البشير صلاح قوش من منصبه بناء علي توصية من مدير مكتبه إذ أقنع البشير بأن قوش يتجسس على هواتفه، ثم جاءت الضربة الثانية عام 2011، حين أقيل من منصبه، ثم اُعتقل بعدها بتهمة التخطيط لانقلاب، والتآمر على الدولة ليسجن سبعة أشهر وخرج بعفو رئاسي.
ومع تصاعد موجة الاحتجاجات في السودان في مطلع 2018، اضطر البشير مُرغمًا إلى الاستعانة بشريكه القديم اللدود، وأعاده إلى منصب مدير المخابرات، وحينها تمكن قوش بقبضة حديدية من قمع المعارضة وإخماد الانتفاضة.
تعامل قوش مع الاحتجاجات الأخيرة بنظرية المؤامرة للتشكيك في مشروعيتها؛ إذ اتهم الموساد الإسرائيلي بتجنيد 280 عنصرا كانوا في إسرائيل لإثارة الفوضى في السودان، لتعلن وكالة الأنباء السودانية الرسمية، أن السلطات الأمنية أوقفت ما وصفته “خلية تخريبية” بولاية الخرطوم كانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية.
كما حذر قوش في نهاية يناير أن هناك “5 جيوش تنتظر ساعة الصفر لتتقدم نحو الخرطوم بعد إشغالها بالفوضى وأعمال السلب والقتل”.
أصدر قوش، أمرا بإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية موجة الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. لكن هذه السياسات ومحاولات اللعب على كل الحبال لم تنقذ البشير من السقوط ولا قوش من فقدان منصبه، ليبقى في انتظار ما يحمله الواقع السوداني الجديد في جعبته له.



إرسال تعليق

0 تعليقات