آخر الأخبار

المشهد المصري والاستفتاء على التعديلات الدستورية





المشهد المصري والاستفتاء على التعديلات الدستورية




 محمود جابر

اكتب هذه السطور بعد أن انتهت مرحلة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وإعلان نتيجة هذا الاستفتاء  بأغلبية الحضور بـ ( نعم )...

لكن المشهد السياسي فى مصر لم ينتهي عند نتائج تلك التعديلات، فالدروس التي يمكن استخلاصها دروس هائلة وكبيرة جدا ...

المشهد الرئيسي الذي لا ينكره أحد ولا شك فيه أن هناك تدفق على اللجان التصويت، لكن هذا الحضور لم يكن وليدا للطريقة الحشد البيروقراطي الذي مارسته أجهزة الإدارة فى مصر من مصالح حكومية ومدارس وهيئات، وهذا الحشد اطلعت به إدارة محلية تفتقد البعد السياسى فى حركتها وتحاول التقرب من السلطة العليا من البلاد بهذه الطريقة الفجة والتى لم تعد تصلح ولا تعكس صورة لهذا الشعب .

 ولم يكن هذا الحشد نتيجة لجهد الجماعة حزبية التي أساءت لسمعة النظام قبل أن تسيء إلى الحياة الحزبية التي تحتاج منا حديثا طويلا، ولكن فيما يخص الحشد الشعبي وخروج الناس  وحضورهم فى لجان الاستفتاء، فالحضور المشهود يعبر عن يقين الشعب المصري وإدراكه هو أمر يستحق التأمل فهذا الشعب ابن لحضارة عريقة ويدرك تماما طبيعة اللحظة التى يعيشها ويتصرف على أساس هذا الإدراك حتى لو بات على كظم الغيظ نتيجة التعامل معه بقدر من الاستخفاف وعدم الإنصاف، لكن الوعى المجتمعى المصرى لم يكن يوما يدافع عن نظام أو سلطة بقدر ما يحافظ على وطن ويبحث عن استقرار حتى وان لم ينل من هذا الاستقرار إلا بعض أرغفة خبر وكيس سكر وزجاجة زيت أو لم يحصل عليهم أيضا .

جوهر التعديلات:

 أسوء ما أنتجته اللحظة الحالية هو فقر الجماعة السياسية والنخبة الثقافية والإعلامية فى فهم طبيعة وجوهر التعديلات التي يراد تعديلها فى الدستور، فالجميع دون استثناء تناول التعديلات من مدخل استكمال المشروعات القومية وإعطاء فرصة للرئيس الحالي لاستكمال ما بدأه من مشروعات ..
وهذا المدخل أعطى طوق نجاة ومادة إعلامية هائلة للإعلام المضاد المتربص بمصر والمعبر عن جماعات تعادى مصر من المصريين وغير المصريين،  هذه المنصات الإعلامية المعادية استطاعت من خلال عجز الإعلام المصري ونخبة أن تصور التعديلات الدستورية بأنها لا تخدم مصر بقدر ما تخدم شخص واحد ووحيدا وهو عبد الفتاح السيسى ... وفقط !!
ورغم أن هذه المادة الإعلامية المضادة سمعها الجميع، لكن نتيجة عجزهم وجهلهم وعدم إدراكهم ومن مدخل سكوتهم أكدوا صدق هذه الدعاية المضادة للأسف البالغ .
فالأحزاب المصرية  في التعامل مع هذه التعديلات يمكن أن نصنفها إلى ثلاثة أقسام :
الأول : قسم تحرك فى محيط عضويته وحاول أن يمسك العصا من المنتصف لا هو مع التعديلات ولا هو ضدها فهذه المجموعة من الأحزاب عينها على جمهور من الناشطين فاقدي الوعي وعينها على الطمع والرغبة فى الاقتراب من السلطة وعدم إغضابها ... فكانت الصورة العامة لهذه المجموعة غاية فى الارتباك والسخف والتخبط الذي طال صفوفها الداخلية الهزيلة .

الثاني : مجموعة قليلة من الأحزاب تعد على أصابع اليد الواحدة اغلبها له علاقات خارجية واتصال بالقوى المعادية لمصر وهؤلاء كان موقفهم واضح الرفض ولكن رفض ساكت إلا من محيطهم أيضا ولم يتجاوز غرفهم المغلقة وصفحات التواصل الاجتماعي وأصدقائهم .
وهذا القسم وسابقه أحزاب رغم تمحورها حول فكرة وإيديولوجيا إلا أنها ضمرت ولم تصبح بعد معبرة لا عن موقفا سياسيا ولا موقفا أخلاقيا بل تتمحور حول شخصيا ضعفت وهزلت وأكل الدهر عليها وشرب، وأصبحت هذه الأحزاب جميعا هياكل فارغة من الأعضاء أو الحركة فضلا عن الرؤية والموقف السياسي والتخطيط  .

الثالث: وهو الأكثر نشاطا وحركة ويمكن تحديد هذه القسم بأنه كلا من (مستقبل وطن) و ( النور السلفي).. ويمكن اختصارهم فى أنهم ( حزبى يمين) أو ( حزب طفيلي)  فالأول وريث لقاعدة شعبية موالية لحزب جرى حله منذ ثورة يناير وهو ( الحزب الوطني) والثاني حليف استراتيجي للإخوان المسلمين ولغيرهم من أعداء مصر ولكنه يملك قدرا كبيرا على تغير شكله وجلده وتحالفاته طبقا لطبيعة لمرحلة .
فمستقبل وطن عكس صورة غاية في السوء والنقد وأعطى مبررا للإعلام المعادى لاستكمال حملته التي توجه لمصر جيشا وشعبا ودورا وقيادة ... ومن العجيب أن الإعلام المعادى رغم تناوله المجموعة الأولى من هذا القسم إلا انه لم يتناول المجموعة الثانية – النور السلفى – باى نقد أو كلمة ولكن كان موقفه منها السكوت .
ومن الجدير بالذكر أن كلا من دور مستقبل وطن والنور السلفى كان دورا سلبيا باقتدار ودون مواربة وهما حزبين لا لون سياسيا لهم ولا موقف أخلاقيا ولا حتى موقفا وطنيا .

الجيش والشرطة المدنية :

وما يلفت الانتباه حقا من خلال الأيام الثلاثة للاستفتاء هو مدى الانضباط والأمن الذى تمتع به الشارع المصري وشعر به المواطن شعورا لم ينتابه شك فى إحساسه بالأمن والانضباط وهذا الدور اضطلع به الجيش المصري العظيم الذي حافظ على امن مصر وما يزال يحافظ عليها فى كل مراحلها، هذا الدور فى رعاية وحماية هذا الاستحقاق دون اى تدخل منه سوى ما يستلزم عملية تأمين اللجان والشعب .
وكذا كانت الشرطة المدنية ولكن قدمنا دور الجيش على الشرطة لان الشرطة كانت تقف فى مكانها الذى يجب ان تقف فيه وتقوم بالدور المناط لها ان تقوم به، بعكس الجيش الذى تحرك من ثكناته وانتشر انتشار يدرس فى المعاهد العسكرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فلتحرك والانتشار فى وقت محدد وفى مهمة محدد مع الدعم اللوجستى من توفير الغذاء ومكان الإقامة وتوفير الوقود وما وغيرها كان دورا يشاد به من الجميع .
وعودة على وعى الشعب فى قضية الاستقرار الوطني فى ظل بيئة محفوفة بالمخاطر فالأول مرة فى تاريخ مصر  الحديث يصبح الخطر حول مصر من كل حدودها وكل جهاتها، هذا الخطر يمتد للإقليم المحيط من العراق الى المغرب وحتى السودان ما ابعد من السودان .
خطر يراد منه إخضاع مصر وصولا لإخضاع الإقليم كله، فمصر التى تعمل على الحفاظ على هذا الإقليم رغم كل الاكراهات المحيطة ورغم كل الضغوطات الهائلة فما تزال مصر تحاول فى كل الاتجاهات للحفاظ على هذا الإقليم من الانهيار.
هذا الدور يدركه الشعب المصرى تماما بكل فئاته وشرائحه وهذا الدور الذى يجعل الشعب المصرى يتحمل رعونة السلطة احيانا او عدم قيامها بما يجب عليه ان تقوم به ولكنه فى الوقت نفسه هو شعب شديد الانتباه وشديد اليقظة ولا يمكن خداعه أو التلاعب به .
هذا الشعب يدرك أيضا ان العدو الداخلى لم ينته بعد وان اللحظة التى جاءت بالإخوان إلى مقاعد السلطة لم تتغير بعد فما زال الفراغ السياسى فى الحياة السياسية قائما حتى هذه اللحظة وما يزال قدرتهم على الخداع والانتشار والاستقطاب قائمة ومن هنا فإن خروج الشارع المصرى جاء فى الاغلب الاعم من هذه الزاوية سواء من خرج للتصويت بنعم أو من خرج بالتصويت بـ لا...


إرسال تعليق

0 تعليقات