الإعلام وجريمة تعطيل الأدمغة
د. محمد ابراهيم بسيوني
عندما تشاهد التلفزيون هذه الايام لا تخرج بشيء
يهزُّك، أو يجعل عقلك يعمل ويفكر في التحرُّك، كل شيء يدعوك الي تسطِّيح مخك، وأن
تستلقي شبه المغمى عليه لا يحتاج إلا لعُشر وعي كي يتابع البرامج؛ فكلها برامج
تسلية. اي نعم هناك برامج تسلية في كل تليفزيونات العالم، ولكنهم دائمًا يضعون
أمام أعينهم فائدة المُشاهد، فيُغلِّفون الثقافة والمعلومات بغلاف مسلٍّ. عندما
تشاهد محطات الغرب تجد معلومات ومعلومات، وآفاقًا واسعة تفتحها لك كاميرا
التليفزيون تُريك العالم كله وأنت جالس، تُعلِّمك التاريخ، تُريك الجغرافيا، ليست
علمًا جافًّا كما ندرسه، إنما حقائق مذهلة مصوَّرة، العالم حقيقة بين يديك.
مناقشات خطيرة تتناول أدق تفاصيل الحياة هناك، وبالذات مشاكل التعليم والتربية،
يشترك فيها آباء وأمهات وطلبة وأساتذة وعلماء؛ بحيث بعد المشاهدة تحس وكأنك قرأت
أكثر من كتاب عن الحياة في العالم أجمع. وليس معنى هذا أن اللوم كله يقع على الإذاعة
والتليفزيون، لكن صحافتنا أيضًا تشترك في عملية تبطيط عقل الصائم والمواطن؛
فالصفحات الدينية تتحدث عن رمضان وكأنه أول رمضان يصومه المسلمون، تتحدَّث عن
رمضان وكأن القراء مجموعة من الجهلة أو كأنهم كانوا بالأمس فقط يعبدون الأصنام.
إن الصفحات الدينية في جرائدنا ومجلاتنا تنسى أننا
شعب مسلم له تاريخ عريق في الإسلام وفي التعبد وفي معرفة ما يضره وما ينفعه.
والمواطن المصري الأمي يعبد الله ببساطةِ، أصبح الدين جزءًا لا يتجزأ من تكوينه
وكيانه، وهو بالتأكيد أكثر تقوى، إذا كانت التقوى تُقاس بالتلقائية والنوايا
الحسنة، من بعض من ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين وعلى المتديِّنين بحيث لا يصح
في العبادة إلا ما يقولون وما به يشيرون.
كان مفروضًا
أن تتحدَّث تلك الصفحات عن القيم العليا الكامنة وراء الامتناع عن المتع الجسدية،
كان مفروضًا أن تَنتهِز شهر العبادة وتشرح لنا الحكمة في تشريع طقوس العبادة، كان
مفروضًا لا أن تتحدَّث عن كيف تُصلي وكيف تصوم، ولكن أن تتحدث عن لماذا تصوم
ولماذا تصلي، ولكن الإذاعة والتليفزيون والصحافة الدينية، يضيع المعنى الكلي
لرمضان الكريم، ويبقى الشهر يَنظر إلينا بَرِمًا من عليائه. جموع من الرجال
والنساء المسلمين القادِرين على شق الصخر ولوي الحديد تقضي يومها في كسل مروِّع،
وليلها في طعام وشراب وتسلية، ويضيع من عمر الإنسان شهر لم يكسب فيه عبادة، وإنما
أدى فريضة، وبشق الأنفس، ويضيع على المصريين كم وافر من الطعام استهلكوه، وكم وافر
في الحقيقة من ملايين الملايين من مساعدات الإنتاج لشعب محتاج فقير أُهملت وأُضيعت
بحجة الصيام، مع أن الصيام حجة المجتهد، والعمل عبادة في حد ذاته، وأن يهمل
المواطن عمله بحجة أنه صائم جريمة دينية وخُلقية ودنيوية أيضًا.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات