الطاقة والعدالة الاجتماعية فى مصر
د. محمد إبراهيم بسيوني
علينا في مصر توفير الطاقة بأسعار
فى متناول الجميع فبدون تحقيق هذا الهدف سيتزايد الفقر وشظف العيش وسيكون تخفيض
معدل التضخم مهمة شاقة.
أريد أولا توضيح الفرق بين
تكلفة الطاقة باستخدام الغاز الطبيعي مقابل استخدام أنابيب البوتاجاز.
1- نظرة متفحصة فى فاتورة
استهلاك مسكن من الغاز الطبيعي إصدار شهر ابريل تجد أن إذا دفعت 90.76 جم عن
استهلاك 47 متر
مكعب بواقع 1.5 جم تقريبا للمتر المكعب. وهذا ما يعنى, ببعض التحويلات من حجم إلى
طاقة, انك استهلكت 1.7 مليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة مقابل 90 جم اى أن
المليون وحدة حرارية بريطانية كلفتك 53 جم أو $ 3.00 بسعر الدولار اليوم ( لنلاحظ أن
الغاز الطبيعي للاستهلاك المنزلي أو الصناعي ليس هو الغاز المنتج من الحقول بل هو
غاز فى معظمة غاز الميثان الأخف جدا وهو اقل قيمة).
2- حسنا إذا افترضت انك لم
تستخدم الغاز الطبيعي بل استخدمت البوتاجاز كما نسميه فى مصر ويسمى فى دول عديدة bottled gas. ما
نسميه بوتاجاز أو أنبوبة بوتاجاز هو في الأصل غاز البروبان ويمكن أن يكون خليط من
البروبان والبيوتان وهما غازان ينتجان من معالجة الغاز الطبيعي أو تكرير البترول
الخام، وإنتاج ما يسمى liquefied petroleum gases. لهذه الغازات خاصية هامة وهى إسالتها بضغط
ليس كبيرا وتحوله إلى غاز عند السماح له بالانسياب خارج الأنبوبة. تحتوى الأنبوبة التي
تستخدم فى المنازل على 12.5 كجم من غاز البروبان أو خليط البروبان والبيوتان والذي
يقدر ما ينتجه جالون أمريكي واحد من هذا الخليط من طاقة ب 91330 وحدة حرارية
بريطانية. يحوى الكجم الواحد من هذا الغاز على 0.49 جالون أمريكي وتحتوى الأنبوبة
على حوالى 6.125 جالون . بالتالي فان أنبوبة البوتاجاز يمكن أن تعطى 560000 وحدة
حرارية بريطانية ما يعنى أن استهلاك مسكنك كما أوضحت فى النقطة الأولي عالية (1.7
مليون وحدة حرارية بريطانية) يمكن ان ينتج باستخدام ثلاث أنابيب بوتاجاز تكلفتها
150 جم من المستودع أو 240-300 جم من سيارات الموزعين، مقابل 90 جم إذا استخدم
الغاز الطبيعي.
الخلاصة أن استخدام الغاز الطبيعي أوفر وأكرم
لمنازل مواطنينا.
ثانيا موضوع دعم الطاقة
الجانب الأخلاقي للدعم بعيدا عن التعديل وما صاحبه من غوغائية أضرت ببلادنا ضررا كبيرا. فما أعلنه وزير الكهرباء وما لمح به وزير البترول وما تشى به النشرات التي كثيرا ما تذاع لمقارنات بين أسعار الوقود فى مصر بأسعاره فى دول أخرى لاحظت أن بعض هذة المقارنات لا تستخدم نفس وحدة القياس, لان النية مبيتة لرفع جديد فى أسعار الطاقة. ففى مشروع ميزانية 19/20 تعتزم الحكومة اقتراض ما يقدر ب 814 مليار جم وزيادة الضرائب ب 11.2 % عن العام الماضى. تمنيت أن اقرأ دراسة موثوق فيها عن تأثير الزيادات لتحفيز الاقتصاد ورفاهية الطبقة الفقيرة والمتوسطة أو تحسين أو حتى الإبقاء على مستواها ولم أجد.
كل ما استطيع ملاحظته زيادة أعداد
الفقراء فى الشارع وهدوء حركة المعاملات فى البنوك كما فى الأسواق والشارع وارتفاع
كبير فى أسعار كل شئ. فى تقرير لمؤسسة ُ Energy Information Administration (EIA) وهى هيئة تتبع الحكومة الأمريكية فان استهلاك المنتجات البترولية
فى مصر قد وصل إلى 239 ألف طن خلال شهر يناير 19 بانخفاض قدرة 8.3 % عن مثيله فى
يناير 18 الذي سجل 260 ألف طن, ماذا يعنى هذا الانخفاض ؟! اهو حسن أم سيء؟؟ ( راجع
الإحصائيات الخاصة بمصر على ال EIA وهى متاحة على الجوجل).
شاب الارتفاعات السابقة فى
اسعارالطاقة ما تم من إجراءات لتخفيض كبير فى قيمة الجنيه المصري بينما لم يوجه
الاقتصاد نحو الإنتاج كأولوية أولى.
لتوضيح ذلك أقول لو زيد سعر البنزين إلى 7
جنيهات فان سعر الجالون (٤ لترات) هو 28 جم اى 4.6 دولار امريكى ( بافتراض سعر
للدولار 6 جنيهات قبل أن تبدأ الانخفاضات المتتالية فى قيمة الجنية) بينما متوسط
تكلفة هذا البنزين اليوم فى الولايات المتحدة هو 2.883 دولار للجالون: اى أن السعر
فى مصر أعلى من سعره فى أمريكا بحوالي 60 % مع هذه الافتراضات. الجانب الاخلاقى
كما اسميه هو تخفيض قيمة ما بيدى من جنيهات ثم تلغى أو تختزل الدعم فى نفس الوقت.
كانت مفاجئة لي أن اعرف أن
حكومة الولايات المتحدة تدعم الوقود الاحفورى بما يقدر ب 26 بليون دولار سنويا (
460 بليون جنية بقيمة الجنية اليوم) للمزيد راجع دراسة Han Chen وآخرين تحت عنوان Time for the US to end fossil fuel subsidies والمتاحة
على الجوجل. وكذلك الصين وكلا البلدين يريان أن الدعم يخدم الاستثمار ويزيد حصيلة
الضرائب.
بحثت فى معنى "دعم "
فى القاموس الحر ولم أجده عيب أو ذنب، فالمعنى يتراوح بين "منحة تخدم هدف
ما" ومساعدة مالية تقدمها الإدارة لصالح استقرار وخير المجتمع، ومرورا بمعانى
كمساعدة، رحمة، منحة، تضامن، بدل، مساعدة...الخ. وفى الحقيقة لا أرى سببا أهم من
استقرار المجتمع لحالتنا الراهنة.
لا يمكن أن يستمر الحال هكذا:
تقليص الدعم وربما يزيد رقمه مع مزيد من تخفيض الجنيه ومزيد من سحوبات دون دفع
مقابل, ولابد أن نعرف هل برنامج الإصلاح يحقق نتائج حقيقية؟ وإذا كان كذلك فلماذا
لا يشعر بها المجتمع؟
ازعم ينتهى بحقيقة أن أرقام
الدعم التي تعلن مبالغ فيها كثيرا. أنتاج بلادنا من البترول الخام يجب أن يقيم
بطريقة عادلة فتقيمه بالسعر العالمى فيه تغطية على فساد أدارى يجب التخلص منه
والحمد لله والشكر لرجال ونساء وزارة البترول فإنتاجنا فى تزايد كما يظهر الشارت
المرفق والمأخوذ من ال EIA
المشكلة الرئيسية لعمل هذا النموذج
هو الحصول على معلومات.
ثالثا الغاز الطبيعي
١ - أعلنت شركة اينى الايطالية
يوم (14 من مارس 2019) على لسان رئيسها ( كلوديو ديسكالزي) أن الحفر فى أول بئر استكشافي
فى منطقة نور فى شرق المتوسط، حوالى 50 كم شمال مدينة العريش) قد أكد اكتشاف جديد
للغاز الطبيعي فى هذه المنطقة القريبة من شمال سيناء التي تحتاج الكثير من التنمية
للقضاء التام على الإرهاب.
مازال هناك المزيد من أعمال
اختبارات الإنتاج والتي ستنجز خلال الأيام القليلة القادمة لحساب أولى لمقدار الاحتياطي،
اكتشاف يدعو إلى السعادة على اى حال. فالي جانب قربه من شمال سيناء فان عمق مياه
المتوسط فى منطقة نور هى حسب تصريح اينى هى 295 متر فقط مما يقلل تكلفة
التقييم appraisal والتنمية development . وجد الغاز فى طبقة حجر رملى نظيفة سمكها 33 متر حسب التقييم
البتروفيزيائى على عمق 5914
متر من سطح البحر (NEWEURPE فى 14 مارس 2019( . كانت توقعات اينى
وشركائها ( BP, EGAS, مبادلة الامارتية, وثروة) ان يحتوى هذا الكشف حوالى 10 تريليون
قدم مكعب من الغاز الطبيعي ( ثلث حقل ظهر تقريبا ) لكن عدد من التقارير من متابعين
فى أوربا أن الاحتياطي قد يزيد كثيرا عما هو متوقع ( NEWEUROPE).
خبر جيد اصدقائى.
2- تهنئة واجبة لوزارة البترول
والهيئة العامة للبترول وجميع من يعمل لهدف تامين مصدر مستمر لإمداد الطاقة بأسعار
مناسبة.فمنذ 2014 عقدت وزارة البترول 88 اتفاقية منح امتياز إلى جانب 13 اتفاقية إضافية
وقعت خلال الشهرين الماضيين فقط لتغطية البحر الأبيض، الصحراء الغربية، دلتا
النيل، خليج السويس، والبحر الأحمر. هذا جيد أيضا. عادت شركة شل للعمل فى
الاستكشاف وفازت بثلاث اتفاقيات امتياز فى الصحراء الغربية واتفاقيتين فى البحر الأبيض
المتوسط. اكتشفت شركة BP حديثا 5 حقول فى منطقة امتيازها غرب المتوسط
بدأ الانتاج بالفعل من حقلين فى العام 2017 ( توروس وليبرا) ثم نمى حقلى جيزة
والفيوم وقد احتفل منذ أيام قليلة ببدأ الإنتاج منهما. ويجرى حاليا تنمية حقل
راقين وسيبدأ الإنتاج أواخر 2019 .
3- بلدنا لن تترك لتكتفى ذاتيا
بالغاز الطبيعى ومن ثم إمكانية التنمية المستدامة ومن ثم ينبغى أن نجعل اتفاقيات
الامتياز تعود بعائد عادل لصالح بلدنا. بالتأكيد ينبغى إعادة تقييم الاتفاقيات.
يلاحظ أن اكتشاف الغاز وخصوصا
فى شرق المتوسط مع حفر أول بئر. خبرنا ذلك فى حقل ظهر وحقل النورس والآن حقل نور
... الخ. إن دل ذلك على شيء إنما يدل على توافر المزيد من المعلومات نتيجة لاكتشاف
العديد من الحقول فى مصر وإسرائيل وقبرص ومن ثم يجب الاستفادة بحقيقة أن درجة
المغامرة فى تناقص الأمر الذي يجب أن يستغل لتحسين شروط منح الامتياز.
4- رغم توقيع اتفاق منتدى شرق
المتوسط للغاز الطبيعي وهدفه الاساسى التكامل والتعاون بين دول الحوض والذى عقد أول
اجتماعاته فى شهر ابريل الماضي، ففى ال20 من شهر مارس الماضي عقد اجتماع بين إسرائيل
وقبرص واليونان (لم تدعى مصر لهذا الاجتماع), فى وجود وزير الخارجية الامريكى.
الهدف كان مناقشة مشروع EastMed Pipeline، خط أنابيب من شرق المتوسط إلى اليونان ثم إلى
ايطاليا. الوجود الامريكى هدفه إرسال رسالة إلى كل من تركيا وروسيا أن الولايات
المتحدة مهتمه بهذا المشروع وخصوصا بعد أن اكتشفت شركة اكسون موبيل حقل غاز كبير
فى قبرص أعلنت عنه فى فبراير 2019. عقد اتفاق تعاون استراتيجي بين شركة اينى وشركة
إيجاز سيكون مفيدا. حوالي 70 % من استثمارات اينى فى مصر. عالم الغاز الطبيعي مليئة
بالإثارة.
استعنت في هذه المقالة بالخبير
البترولي حسن الحنبولي بعد استئذانه.
عميد طب المنيا السابق
2 تعليقات
مقالة رائعة وقوية جدا .. الله المستعان وتحيا مصر
ردحذفالدكتور اسماعيل صادق
فعلا مقال رائع احسنت
ردحذف