آخر الأخبار

أبو لهب المشرك الوحيد المذكور اسمه في القرآن ... نموذج الكبر والاستعلاء



           أبو لهب المشرك الوحيد المذكور اسمه في القرآن ... نموذج الكبر والاستعلاء






علي أبو الخير


لم يذكر القرآن الكريم أي اسم من أسماء كفّار مكة المكرمة، الذين ناصبوه العداء في بداية الدعوة، لم يذكر القرآن الكريم أسماء مثل "أميّة بن خلف" الذي عذّب "بلال بن رباح" عذابا مبرحا، ومثل "أبي جهل"، العدو الصريح، وهو "عمرو بن هشام"، الذي كنّاه أهل بمكة بأبي الحكم، كناية عن الحكمة، ولكن المسلمين أطلقوا عيه أبا جهل لشده افترائه على الضعفاء والمساكين من المسلمين، حيث قتل "سمية وياسرا" والدا "عمّار بن ياسر"، وكان عداؤه قبلي اقتصادي عقائدي، فكان لشده افتخاره بعشيرته "بني مخزوم" يقول : "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه"، وهو كما نرى عداء قبلي شرس جعل الجهل يسيطر على كيانه، بالإضافة إلى خوفه من تطبيق العدالة التي جاء بها "محمد بن عبد الله" والقضاء على التمييز الطبقي والعشائري، ومع ذلك لم يذكره الله ذما في القرآن بالاسم، وهو نفس ما حدث لأبي سفيان، وأبو سفيان رغم أنه كان من عشيرة النبي الأعلى"بني عبد مناف"، ولكنه ظل عدوا للإسلام لأثنين وعشرين عاما، قام بقيادة "حصار اقتصادي على كل بني هاشم" في الشعب المشهور، في مكة طوال ثلاث سنوات، وكان بعد هجرة النبي للمدينة المنورة سببا في حرب معركة "بدر"، وقاد معركة "أحد" ضد المسلمين، كما قاد حصارا خليجيا قديما ضد المسلمين في معركة "الأحزاب"، كل هذا ولم يذكر القرآن اسمه بالذم أيضا، قد يقول قائل إن أبا سفيان أسلم، وهو قول منطقي، ولكنه أيضا لا ينفي أن إسلامه جاء بعد يأس ممتد على أكثر من عقدين من الزمن. 
المشرك الوحيد الذي وُرد اسمه في القرآن، هو عم النبي "عبد العزى بن عبد المطلب "، المُكنىّ "بأبي لهب"، وهي كنية ليس فيها مدح أو ذم، مجرد لقب، قيل لأن وجهه كان أحمر مثل اللهب، ولكنه ناصب النبي الكريم محمد عليه السلام العداء بعد الدعوة المحمدية، فقد كان يحب النبي قبل الدعوة حبا جما منذ ولادته، فيوم ميلاد النبي أعتق جارية له اسمها "ثويبة"، لأنها هي التي بشّرته بمولد ابن أخيه محمد، وقام أبو لهب بعمل عقيقة وذبح الذبائح ابتهاجا بالمولد الشريف، وزوّج اثنين من أبنائه هما "عتبه وعتيبه" ابنتين من بنات النبي، هما رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما، ولكنه بعد العداء الديني أجبرهما على تطليقهما، ومن هنا نبحث عن سر التحول التاريخي لأبي لهب من الحب للكراهية.
من خلال التأمل في السورة القرآنية التي نزلت فيه، ويتعبد بها به المسلمون طوال تاريخهم ""تبّت يدا أبي لهب وتبّ . ما أغنى عنه ماله وما كسب . سيصلى نارا ذات لهب . وامرأته حمّاله الحطب . في جيدها حبل من مسد"، فالله يذم أبا لهب بتبت يداه، كناية عن دعاء لحبوط مساعيه وأعماله، ومن الواضح أن أبا لهب كان رجلا غنيا، يتمتع بنفوذ مالي، بالإضافة إلى نفوذه العشائري بحكم كونه من بني هاشم، ودائما ما يقف الأغنياء ضد دعوات الإصلاح والرسالات الداعية لإذابة الفوارق بين الطبقات، ومن ثمّ يكون عداؤه تقليدي، بخلاف أخيه "أبي طالب الفقير"، مع العلم أن أخاهما "العباس" الغني، منعه ماله، فتأخر إسلامه لما بعد الهجرة النبوية، وقد اشترك مع المشركين في معركة "بدر الكبرى" وتم أسره، أي أن المال غالبا ما يأتي بالبطر والاستعلاء والتكبر، إلا من رحم الله، والسورة تنص في أبي لهب، على "ما أغنى عنه ماله وما كسب"، ذلك أن المال العدواني لا يُغني عن صاحبه، لا يمنعه من الموت، ولا يكون له منزلة عن الله وعند المصطفين الأخيار، وآفة البشرية هي الكبر واستعلاء بعض الناس على بعضهم، ولذلك بشّرت السورة أبا لهب بنار ذات لهب، وهو جناس منطقي ضد المفتري، وتأتي معه السيدة الأولى "أم جميل" التي وصفها الله "بحمّالة الحطب"، ويمكن القول إنها سيدة أولى، أو من الطبقة الارستقراطية القرشية المبكرة، فهي "أم جميل بنت حرب" شقيقة العدو التاريخي للإسلام "أبو سفيان"، شاركت إذن "أم جميل" زوجها وأخاها وزوجة أخيها، و"هند بنت عتبة" السيدة الأولى مكرر، في العداء المباشر والصريح ضد النبي والدعوة كلها، فكان من الطبيعي أن يبشّرها الله بالنار مربوطة في "مسد" وهو كما قيل حبل مفتول، ولكننا نراه كناية عن الجزاء الإلهي للمستكبرين في الأرض، على اختلاف صفاتهم وأديانهم.
من المهم هنا أن نذكر أن إبليس الملعون، أو الشيطان الرجيم، لم يكن كافرا أو مشركا، بل كان مثالا للغلو في توحيد الله، حتى وصل الحال ببعض الفلاسفة القدامى، أن قال أحدهم : "من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو كافر"، وهو قول خاطئ رغم وجاهته الفلسفية، المهم أن إبليس رفض السجود حسب الأمر الإلهي، وهو نكران وكبر واستعلاء، وقد أكّد القرآن هذه الحقيقة، ففي سورة البقرة|34 "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين"، فالكبر هو الذي أدّى به للخروج من الرحمة الإلهية، مع التأكيد على أن الله الرحيم ترك لإبليس حرية الاختيار بين السجود والرفض، فرفض وقاس نفسه بآدم، رأى آدم من طين، ورأى نفسه أفضل منه لأنه من نار، وبالتالي كان عقابه هو اللعنة الدائمة، والله طرده من الفردوس الأعلى، قال تعالى في سورة الأعراف|13 "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين"، ونفهم من ذلك أن الكبر يجعل في قلب كل متكبر بعضا من سلوك إبليس، والله أيضا في القرآن الكريم رفض أيضا كل محاولة للاستعلاء على الناس، حتى لو كان الاستعلاء بالعبادة والدين، قال تعالى في سورة الأعراف|36 "والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، فالاستكبار هو الآفة الفعلية، ولو كذّب أحد آيات الله بدون تكبر، ربما يرحمه الله، وفي نفس السياق، جعل الله الجنة لغير المتكبرين، قال في سورة القصص|83 "تلك الدار الآخرة للذين لا يريدون علوا ولا فسادا والعاقبة للمتقين"، لأن العلو والكبر مرادفان للفساد، وجعل الله التواضع من صفات المؤمنين الصالحين، كما جاء في سورة الفرقان|63 "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" كناية عن شدّة التواضع، الذي هو نقيض الكبر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث شريف يتفق مع الروح القرآنية "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
من هنا نجد أن ذكر القرآن الكريم لاسم "أبي لهب" دون غيره، معناه أن القرابة لا تشفع للمتكبر، وأن أي شخص متكبر قيه صفة من أبي لهب ومن إبليس على السواء، ولكن في التاريخ الإسلامي انتشرت آفة الكبر، حكّام متكبرون مستكبرون – أغنياء يضنون بالمال ويتحكّمون في الفقراء والمنكوبين – عبّاد زاهدون ينشرون التعصب باسم الله – وهابية تنشر الدم والقتل بمليارات الدولارات – صهيونية عالمية تتبنى العنصرية – إخوان مسلمون يعتقدون أنهم الأتقى إسلاما وإيمانا – مستبدون في كل ملة ودين، وشعوب مغلوبة منكوبة. 
وقد لخّص القرآن الكريم وبشّر بأن وراثة الأرض تتعلق بالصالحين من البشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم، قال تعالى في سورة الأنبياء|105 "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"، والعباد الصالحون لا يمكن أن يكونوا مستكبرين، وهم قلة لم تحكم طوال تاريخ البشرية..

إرسال تعليق

0 تعليقات