آخر الأخبار

الجزء الخامس قراءة شاملة فى النهضة الفاطمية عند اليعقوبى " ناصر الزهراء"


الجزء الخامس

قراءة شاملة فى النهضة الفاطمية عند اليعقوبى
" ناصر الزهراء"





بقلم/ محمود جابر


فاطمة هىالكوثر (2)....

فى ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء وقف الأستاذ الشهيد السعيد ينطق بحقيقة كونية إسلامية، ولعله – السيد محمد محمد صادق الصدر – هو أول من دعا إلى إقامة مجلس عزاء فى ذكرى استشهادها سلام الله عليها، ليقول ما معناه إن اللسان العاجز القاصر المقصر والقلب الجاهل الجهول المعطل لا يمكن له إدراك حقيقة المعصومين ولا الاطلاع على حقيقتهم، وهذا الحديث كان مصداقا لقول النبى صلى الله عليه وآله حينما قال : " يا علي لايعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله وأنت ولا يعرفك إلا الله وأنا".
لهذا فإن الزهراء سلام الله عليها كان عليها أن تقوم بدورها المعرفى والجهادى بعد رحيل النبى صلى الله عليه وآله فى نصرة من قال فيه النبى " لا يعرفنى إلا الله وأنت " أي يقصد الإمام على، الذى عرفت الزهراء من خلال ذلك ان نصرته واجبه وهى فرض على كل مؤمن ومؤمنة فضلا عن أى يكون هذا المؤمن معصوم كالزهراء سلام الله عليها، مع الأخذ فى الاعتبار قول النبى لفاطمة  : "أنتم المستضعفون بعدي".
كان هذا نص خطبة (( ناصر الزهراء)) اليعقوبى الذي وجهه إلى عشرات الآلاف من المؤمنين المجتمعين في ساحة ثورة العشرين في النجف الأشرف قدِموا إليها من مختلف المحافظات بما فيها صلاح الدين وكركوك قبل انطلاقهم في مواكب العزاء إلى الحرم العلوي المطهّر بمناسبة ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في 3 جمادى الثانية 1429 هجـ، المصادف 7/6/2008 م. وألقاها بالنيابة عنه فضيلة الشيخ محمد الهنداوي، وقد قاطعته الحشود في عدة مواضع بهتافات (نعم نعم للإسلام، نعم نعم يا ربي، هيهات منا الذلة، لبيك لبيك يا علي، لبيك يا زهراء، الله أكبر لا إله إلا الله، نِعمَ الحكم الله ونعم الخصيم محمد).
فالإمامة ليست عند العارفين منصبا دنيويا، ولا ملكا عضوضا، ولا حكم فى رقاب الناس، بل الإمامة جُعل من الله لمن عرف الله حق قدره، لهذا كان جهاد الزهراء عليها السلام قائم على أساس تنوّر بصائر الأمة ورفع الغشاوة عن أبصارهم .
ومن جهة ثانية – والحديث لليعقوبى - عليها ( أي الزهراء)  أن تديم الثورة والرفض لكل ظلم وانحراف بالوسائل المتيسرة فألقت الخطب التي كانت تنزل كالصواعق على أصحاب أبيها في المسجد الشريف وعلى نساء الأنصار اللواتي نقلن كلامها إلى رجالهن، ومن خلال حزنها وبكائها المتواصل الذي انتشر وذاع في أرجاء المدينة مما سبب حرجاً لظالميها فطلبوا من علي (عليه السلام) أن ينشئ لها بيتاً خارج المدينة تبثّ فيه حزنها وشكواها إلى الله تبارك وتعالى".
هذه المحاججة التى أقامتها الزهراء على القوم، وفضحت فيها ازدواجيتهم، انتهت بوصية نفذها الإمام على ع أن لا يحضروا جنازتها،  فدفنها ليلا، واخفي موضع قبرها الشريف ...
ومن خلال هذه المجاهرة بالحق، والمحاججة فى تنصيب الإمام المفروض الطاعة، أصبحت الزهراء (عليها السلام) أسوة حسنة للرجال قبل النساء فى الهمّة والعزيمة، والوفاء بما عاهدنا الله تبارك وتعالى من الإيمان به وبما جاءت به رسله ونزلت به كتبه والعمل بما يحبّ ويرضى مما فيه صلاح الأمة وخيرها فإننا مساءلون غداً عن كل شيء قال تعالى(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) ويأتيهم التوبيخ والازدراء (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 24-26) ..
هنا يقول اليعقوبى (( الناصر)) وهذا ما ذكّرتنا به الزهراء (عليها السلام): (فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد) الحكم هو الله تبارك وتعالى الذي [لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ] (سبأ: 3) والخصيم الذي يرفع دعوى الظلامة هو الذي لا تُرجى النجاة إلا بشفاعته فكيف ينجو من كان شفعاؤه خصماءه".
ولم يريد أن يصل إلى حقيقة الزهراء عليه أن يصل من خلال " الإخلاص" ومن خلال " السكينة" إلى الخيط الواصل، والخط العام الذى يعطى معنى للكلمة وللموقف وهذا الذى يمكن أن يتحقق من خلاله " الخلاص" الحقيقى، لان المخلصين المطمئنين هم وحدهم الذين يتمتعون بالوضوح فى المواقف دون خشية العواقب من البشر، فالمشكلة الكبرى وراء كل أنواع الخوف والقعود عن شهادة الحق هو " اللايقين" من هنا فإن " يقين " الزهراء كان فوق كل يقين ومن هنا كانت الزهراء أسوة حسنة .
من هنا يخاطب اليعقوبى شعب العراق أن يتحلى بـ " يقين" الزهراء وسكينتها، ويدرك أن الخلاص هو قول الحق فى وجه كل سلطان جائر سواء كان السلطان سياسيا بحت أو سياسيا بزى رجل دين، على الجميع أن يتحلى بقول الزهراء  (فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد) على كل حرمان من حقوق الحياة الكريمة في المأكل والملبس والمسكن والزواج، وحتى الحرمان من قول الحق وتمكين الناس من إقامة الشهادة لله.
لكل من يعانى سوء خدمة، وكل من يشكو الفقر و الجوع، لكل من يشكو سوء خدمة الخدمة العلاجية وانعدامها من المرضى، لكل مهجر من أهل العراق فى الداخل والخارج، لكل يتيم لا يجد من يمسح رأسه، لكل برىء سفك دمه من غير حق عليهم جميعا أن يمتلكوا جزء من شجاعة الزهراء وان يقولوا لهؤلاء جميعا (فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد). 
ثم يعيد (( ناصر الزهراء) مستمعيه إلى قول الله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ويؤكد ان عطاء الزهراء عطاء متنوع المسؤوليات والتحديات ولم يصدر منها الا الخير الكثير لأن الكوثر هو الخير الكثير وقد كانت الزهراء كذلك فتركت للأجيال ما يغنيهم في طريق السمو والكمال ويرسّخ عقائدهم ويثبّت أقدامهم في مواجهة الفتن والتحديات المتنوعة فلا مشكلة إلا وحلّها عند الصديقة الطاهرة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.
وختم اليعقوبى خطابه بحتمية تحمل المسئولية الرسالية لكل المؤمنين الحاضرين والسامعين، بل ولعى الحاضرين أن يبلفوا الغائبين، لان المسئولية عامة وهذه المسئولية تتمثل فى :
أولا: ان يتحمل المؤمنين مسئولياتهم فى مواجهة مادية الغرب الذى يخطط لطمس هوية الشعوب عامة وطمس الإسلام خاصة، من خلال محو وإصباغ سلوككم وعقيدتكم ونمط حياتكم .
ثانيا : حتمية مواجهة النظم والحكومات الدكتاتورية المستبدة التي تسلّطت على شعوبنا بالقوة وصادرت إرادتهم واستعبدتهم واستأثرت بخيراتهم وكرّست الجهل والخنوع والاستسلام في نفوس شعوبنا، فعلى المؤمن أن يؤسس لحياة حرّة كريمة تحترم إرادة الأمة وتجعل القيمة العليا للإنسان وتكون الدنيا وما فيها من أجله ويكون هو لله تبارك وتعالى فلم تعد الشعوب آلات يحقق بها الحاكم شهواته ومطامعه .
ثالثا: مواجهة أدعياء الإسلام الذين شوّهوا صورة الإسلام والمسلمين بما ارتكبوا من جرائم مشينة باسم الجهاد والتكفير والمقاومة، والمتقمصين ظلماً وعدواناً لإمامة الأمة وقيادتها وبين أتباع الإمامة الحقة التي عيّنها الله تبارك وتعالى وبلّغ بها رسوله الكريم .
فى النهاية يقول اليعقوبى من هذا الموقع ومن خلال هذه الذكرى أيها الأحباب ... أن هذه المواجهات الثلاث  لهو الحق والدفاع عن عزة الأمة وكرامتها وضمان سلامة مسيرتها..

والسلام على الصديق الطاهرة الزكية والى حلقة قادمة
أعاذنا الله تعالى من (( غضب الزهراء ))






إرسال تعليق

0 تعليقات