مفاهيم ورموز قرآنية : نظرية تأصيل الوعي القرآني لمعالجة بعض رواسب مشاكل الفهم الماضية
بقلم : علي الواسطي
في البداية أود أن أبين أن محور الكلام حول بحث مفاهيم ورموز قرآنية للمفكر الإسلامي الشيخ عباس الزيدي والذي قدم فيه لرؤية تفسيرية تختلف عن من سبقه في التفسير من خلال عرضه لبعض المعاني والمفاهيم القرآنية بشكل مختلف .
عندما تكون هناك معرفة بان للحرف معنى وللكلمة حقيقية ومفهوم بعيدا عن تأويلات البعض تكتمل الصورة للفهم الصحيح لينتج الوعي القرآني .
المفاهيم والتفسيرات والتأويلات والتي حاولت قدر المستطاع أن تقدم وجهة نظر معينة لكثير من الحوادث التي ذكرها القران الكريم فمنها ما أصاب ومنها ما اقترب من ما أراده النص .
لكن هناك بعض التفسيرات والتأويلات كانت بعيدة عن هدفها المنشود فقد قدمت للقارئ بعض المفاهيم والتي ساهمت بشكل أو بآخر بالابتعاد عن ما يعنيه النص وربما يكون السبب في ذلك أن تلك المفاهيم هي حصيلة ثقافة معينة في ظرف معين و زمن معين سائدة في وقتها أدت بالتالي إلى تأطير فكر بعض المفسرين بإطار وثقافة ولغة عصرهم لتنتج مشكلة أخرى وهي التأصيل لثقافة ولغة عصر هؤلاء المفسرين والتي زاحمت اللغة القرآنية ومعانيها وأصبحت هذه اللغة والألفاظ الخاصة بالمفسر هي لغة التفسير والتأويل وبهذا سوف يستنطق النص بلغة غير لغته مما ينتج تفسير لا يكون كاشفا للمعنى الحقيقي وبهذا تولدت عدة مناهج ومدارس تفسيرية تختلف باختلاف العقيدة والأسلوب اللغوي بالإضافة إلى سبب آخر يذكره الشهيد الصدر (قدس سره )هو " أن القران الكريم يحتوي على كثير من موارد الإجمال وصعوبة الفهم بلا إشكال وقد يكون الفرد معذورا نسبيا في ما خطر في باله من السؤال, ومخلصا في البحث عن الجواب , وقد لا يجد ضالته في التفاسير السائدة او لا يجد نسخها بين يديه" .
وبالرجوع إلى عنوان المقال نظرية التأصيل فهي نظرية نابعة من منهج ومنظومة كاملة أصل لها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ويرجع سبب ذلك "أهليتهم (عليهم السلام) للتأسيس والتأصيل ومن ثم تفسير النص فعليا ,ويتضح ذلك من خلال ما يختصون به من صفات ومميزات متفردة تعطيهم هوية الأهلية الكاملة للبحث في النص ....إلى وضع الضوابط وتأصيل القواعد التي ينطلق في ضوئها المفسر لكشف دلالات النص وآفاق التعامل معه, والنظر إليه, والموقف بإزاء مجموعة مغاليق مهمة في النص لا تكشف لكل احد , يمثل النفاذ منها المفاتيح التي تشرع أبواب الفهم في وجه المفسر ليعود النص ناطقا فاعلا" على حد تعبير الدكتور ستار جبر حمود الاعرجي .
إن ابتعاد بعض المفسرين عن هذا المنهج قد سبب بعض التشويش لعملية الفهم لكثير من الناس لعدم تقديم المعاني الحقيقية ومدلولاتها فغموض بعض الكلمات او المعاني سببه إهمالها في ثقافتنا المعاصرة في فهم اللغة وخصوصا العربية وللأسف ان يطال الإهمال والتقصير في الوقت الحاضر هذه اللغة الرائعة والرصينة فعدم الإحاطة باللغة العربية ينتج نوع من الصعوبة في التعامل مع النصوص خصوصا النصوص الدينية المقدسة فما بين المعاني الحقيقية والمجازية والممكنة كانت هناك عدة تفسيرات .
أن البناء اللغوي للقران الكريم هو بناء في غاية الدقة والبلاغة ولهذا السبب فان أي تفسير يهمل أداة من أدوات فهم اللغة يسبب في بعض الأحيان تقديم معنى مغاير وبهذا الصدد يشير محمد باقر سعيدي روشن أن" اللغة في صورتها الراهنة فعل اجتماعي منسجم مع أصناف التفكير لدى الناس ولذلك فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالرؤى الكونية والمعتقدات والقيم الثقافية لكل مجتمع . وما ينطبع في ذهن الناس وعقله ليس المصاديق الخارجية للأشياء , وإنما مفاهيمها ومعانيها وانعكاس هذه المفاهيم وآثارها يتبع ما نمتلكه نحن عن الحقائق الخارجية ".
والآن الكلام بخصوص مواضيع بحث (مفاهيم ورموز قرآنية ) للمفكر الإسلامي الشيخ عباس الزيدي إنما هي مواضيع جديرة بالدراسة والمتابعة ولست هنا بصدد النقد او الدراسة فكاتب هذه السطور ليس بالمتخصص في هذا المجال لكن هي وجهة نظر تولدت نتيجة انطباع حصل بعد متابعة حلقات هذا البحث .
الشيخ الزيدي كان موفقا في تقديم بعض التفسيرات المقبولة لبعض الكلمات القرآنية وذلك بتقديم المعنى والمفهوم الحقيقي للكلمات والمطابقة للمصاديق الخارجية للأشياء وليس ما هو مترسخ في أذهان الناس من مفاهيم صاغتها ظروف زمانية وربما مكانية أيضا فاللغة تتأثر بالصور المكانية . وحاول جاهدا في إرجاع طبيعة الكلمات القرآنية الى لغتها الأصلية التي تخاطب المجتمع مما اتاح فرصة كبير لمعرفة وظيفة بعض الكلمات و دلالاتها ومعانيها بعد ان كانت هناك عسرة لدى بعض المفسرين في كيفية التعامل مع النص القرآني وخصوصا ما كان تحت عنوان الألغاز والرموز فان القران الكريم كتاب هداية وتربية للأمة ولقد رأينا الشيخ المفكر عباس الزيدي كيف تجاوز بعض التفسيرات التقليدية والآراء التي تعتبر من المسلمات لدى كثير من الناس وبهذا يكون سار بنفس خطى أستاذه السيد الشهيد محمد الصدر(قدس الله سره) حيث قال الشهيد الصدر في مقدمة تفسير منة المنان "الفائدة الرئيسية التي توخيناها من عرض مثل هذه الأطروحات هي فتح عين القارئ اللبيب. والفاته إلى إمكانية تجاوز الفكر التقليدي أو المتعارف في كثير من أبواب المعرفة لا في جميعها بطبيعة الحال بل في تلك النظريات المشهورة التي تعصب لها الناس واخذ بها المفكرون .بدون ان تكون ذات دليل متين او ركن ركين .وأن كثير من العلوم المتداولة تحتوي على شئ من ذلك وخاصة في مجال القواعد العربية كالنحو والصرف وعلوم البلاغة " وقد يكون طرح فضيلة الشيخ الزيدي بهذا الشكل هو انتماءه للمدرسة الصدرية والتي تربى وترعرع فيها لسنين طويلة ولا زال هذا الانتماء قائما حتى ان المرجع محمد اليعقوبي (دام ظله) وهو احد أعلام هذه المدرسة قد وضع المؤلف في مصاف المفكرين الإسلاميين بعد أن اطلع على كتابه المسيح المنتظر مقارنة بين منهجين وتفسيرين . ان محاولات بعض المفسرين الخروج من حالة الجمود والانغلاق بقيت محسورة جدا بسبب تراكم الموروثات والتي هي غالبا ما ان تكون شعبية غير مستندة على نص مقدس بل هي عبارة عن كلمات وألفاظ ساهم المناخ الاجتماعي في ذلك العصر بصياغتها وفقا لظرف معين أو حادثة تحولت بمرور الزمن إلى مفاهيم مترسخة في أذهان الناس يصعب تجاوزها مما أنتج صعوبة في تقبل المفهوم والمعني الحقيقي الصحيح حتى وصل الامر بالنص الشعبي بطقسنة بعض العقول مزاحما ومنافسا في الوقت نفسه النص الفقهي ولا يخفى على القارئ ما أفرزت هذه المشكلة من تصرفات وأفعال مثل التطبير والمشي على الجمر وغيرها .لقد كانت هناك محاولات لإعادة تفسير بعض الكلمات القرآنية رغم قلتها باطار مناسب ومقبول وبنفس الوقت غير متعارض مع سياق النص القرآني وتعد محاولة الشيخ الزيدي من ضمن هذه المحاولات المميزة والتي تميزت بجرأة الطرح خصوصا أنها كانت بإطار متعارض مع بعض التفسيرات الموجودة والمسلم بها ويعد الزيدي من المفكرين المعاصرين الذين قدموا قراءات وتفسيرات غير معهودة لدى اغلب المفسرين كشف من خلالها عن بعض من دلالات المعاني والكلمات القرآنية وهي ليست المحاولة الأولى للشيخ عباس الزيدي لاستنطاق النصوص بلغة زمانها وثقافة عصرها فكانت هناك عدة دراسات وأبحاث ومن أهمها النبي يونس (يونان ) والحوت وادم ليس اول البشر والمسيح المنتظر.
المعروف عن أبحاث الزيدي إنها تحاول أن تحرر بعض النصوص الدينية الخاصة بالعهدين القديم والجديد من طابعها الأسطوري وذلك لتوفير مساحة اكبر للمشتركات مع القران الكريم وهو الكتاب الوحيد من الكتب السماوية التي لم تنالها يد التحريف والتلاعب بنصوصه المقدسة وذلك لتميز القران الكريم بالدقة البلاغية والحجة الواضحة وأسلوبه المنطقي والعقلاني والذي يعتبر هو الفيصل والحاكم على نصوص الكتب السماوية الأخرى بل هو من يحدد ويثبت صحة أو زيف ما ذكر من أحداث في العهدين القديم والجديد ..
0 تعليقات