آخر الأخبار

عباس ينقب عن حوت يونس ....( اشتباك حر) .......... الجزء الأول





 عباس ينقب عن حوت يونس ....( اشتباك حر) .......... الجزء الأول



محمودجابر

الاشتباك بين النصوص المقدسة الأصلية ( التوراة – الإنجيل – القرآن)؛ والنص الفرعي – أقول الأنبياء سيما النبي وآل البيت وأهل العلم – من ناحية، والوقائع التاريخية " القصص القرآني " وحوادث التاريخ التي تعرضت لها تلك النصوص فى ضوء الكشوف الآثارية من ناحية أخرى . بينهما اشتباك حر .
اشتباك يصل بالبعض بإنكار تلك الوقائع بالكلية ويحيلها إلى حالة رمزية غير واقعية وهو تعبير مهذب للإنكار وجحود الكتب السماوية .
وجماعة المشتبكون مع النص – الأصلي والفرعي- كثر ومتعددين المناهل والمشارب والمدارس، ومع ملاحظة التباين بين المشتبكين نفي واثبات وبحثا فى هذه القضية إلا أن الجماعة خلت تمام فى السابق من المعممين – أقصد علماء الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية – بيد أن مدرسة الصدر المقدس – محمد محمد صادق الصدر – كانت واحدة من مدارس الفكر الشيعية التي تميزت بتأهيل أبنائها على نحو مختلف .
يأتي فى طليعة أبناء هذه المدرسة عباس الزيدى، وهو واحد من تلامذة المرجع الديني محمد اليعقوبى الذي كان أقرب تلامذة المولى المقدس حتى رحل شهيدا" رضوان الله عليه ".
واستطاع " عباس" أن يدلل على قدرته البحثية والعلمية والمعرفية من خلال العديد من المؤلفات التي للأسف لم تلقى اهتماما يليق بما قدم حتى الآن، وهذه المقدمة مقدمة لازمة للدخول إلى (( حلقة الاشتباك مع عباس)) ومؤلفه الأروع " النبي يونس ( يونان) والحوت قراءة جديدة للنص والجغرافيا التاريخية للحدث " الصادر عن دار البديل – النجف الأشرف – العراق .
والكتاب يقع فى 125 صفحة من القطع المتوسط ومقسم إلى عناوين، ثلاث مقدمات ، وترشيش، نينوى ، الاحتكام إلى النهر – الحوت، بطن الحوت والظلمات، ضريح يونس ، المصادر .
وقبل البدء فى مناقشة أطروحته الذي اعتذر للقارئ الكريم على تناول الكتاب بشيء من الإسهاب ليس مدحا أو قدحا فى كاتبه ولكن نظرا لأهمية الحدث باعتباره حدث نصي ورد فى النصوص المقدسة وهو يمثل جزء من اعتقاد أصحاب الديانات الثلاثة، ولأهمية أطروحة عباس الزيدى، مجددا أرجو المعذرة .




مقدمة :
أوضح المؤلف أن أهمية الحدث ودراسته تحتاج إلى سنوات، وأن هذا الكتاب ليس سوى مقدمة للموضوع، والبحث على حد تسمية " عباس" ما هو إلا مقدمة ذهنية لمناقشة الموضوع، ومع هذا فإنه يقول للقارئ أنه سوف يجد أشياء صادمة نظر للتراكم المعرفي الخطأ فى هذه القضية، ولهذا فإنه يحتاج قبل الدخول إلى ساحة كتابه " موضوعه" إلى ثلاث مقدمات .

المقدمة الأولى:
يحدثنا الكاتب عن أهمية الجغرافيا التوراتية فى جزيرة العرب، والتي كانت محل اهتمام فى القرن التاسع عشر حيث بدأ الاهتمام بالكشوف الأثرية لبلاد الرافدين ويأتي فى مقدمة هؤلاء باحث ألماني يدعى " فريدرك دليتش" وله إسهامات عديدة منها " أين كانت الجنة " و" بابل والكتاب المقدس" وغيرها من المؤلفات ،أما البحوث العربية فى هذا المجال فلم تأتى إلا متأخرة فى الوقت المعاصر وكان منهم " كمال صليبي" وله عدة كتب منها ( التوراة جاءت من جزيرة العرب) و ( خفايا التوراة) و ( حروب داود)، وحمل الكاتب على صليبي حملة قوية فى انه أهمل فى دراسته اللوحات المسمارية، وكان أشهر من رد على صليبي هو الكاتب السوري " فراس السواح" صاحب كتاب (الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم )، وبالرغم من أن عباس قال عن السواح بأنه انتقد صليبي فى عدم الالتفاف إلى اللوحات المسمارية، ولكن عباس قال أن السواح اخطأ ولم يوضح ما الذي أخذه عليه ؟!
ثم ذكر عباس مؤلف آخر من مصر وهو " سيد القمنى" فى كتابه ( النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة) ولكن عباس فجأة ودون مقدمات اصدر حكما كليا لم يدلل عليه حين قال :" مصر التوراتية ليست هى مصر الحالية "!!
وعليه فقد اصدر حكما جديدا آخر : " أن الخروج الكبير لبنى إسرائيل لم يصح منه شيء فى تاريخ وادي النيل "!!
وهو أمر سنعود إليه تفصيلا فى حلقات قادمة .
ولكن عباس لم يقف عند هذا الحد بل قال أن هيكل سليمان لا يوجد فى فلسطين على الإطلاق !!
ومن هنا يقول عباس أن المشكلة بقيت على حالة – وعى يتحدث عن مناطق جغرافية – أي انه لم يثبت شيء من الكثير من الأحداث التوراتية التي وقعت فى مصر وفلسطين .
ولكن عباس يحيلنا على مجموعة جديدة من الباحثين وهم:د. إسرائيل فنكلشتين – أستاذ علم الآثار فى جامعة تل أبيب- ونيل آثر سيلبرمان – باحث ومؤرخ أمريكي- فى كتابهما ( التوراة مكشوفة على حقيقتها ) وقد أكد الباحثين أن مصر وفلسطين ولبنان والأردن تخلو تماما من أي أثر تحدثت عنه التوراة !!
الخلاصة التي يقولها عباس أن الكشوف الجغرافية والأثرية للأحداث التوراتية ومنها نزوح إبراهيم وقومه من جنوب العراق إلى فلسطين، وان الاجتياح الاسرائيلى لفلسطين الذي تم عقب خروج بنو إسرائيل من مصر لم يثبت لا من جهة مصر ولا من جهة فلسطين، وكذلك مملكة النبي داود حتى زمن السبي الأخير في عهد نبوخذ نصر الثاني وزوال المملكة نهائيا كل هذا لم يعثر له على أثر فى فلسطين، وهنا انتقل عباس للإشارة إلى كتاب آخر صدر فى 2006 بعنوان ( شنعار أرض اللاهوت ومدفن الأسرار ) لمؤلفه نورى المرادى .
يقول الزيدى أن المؤلف سابق الذكر قال أن داود ملك آشورى وهو ما نقله الثاني عن جان لوى برنار وكتابه ( أسطورة الشعب المختار) والذي قال فيه ان داوود وسليمان هما الملكين الآشوريين أدد نيرارى الأول وابنه شلمنصر الأول مرجعا ذلك إلى كتب المندئيين وكتبهم المقدسة ويصف عباس هذه الأطروحة بأنها الأقرب لجغرافية الحدث رغم كل المشاكل فى القطع بالنتائج التي وصل إليها كلا من نورى المرادى وجان لوى برنار .
فعباس يتفق مع سهل زكار فى كتابه ( المحذوف من التوراة كاملا) من أن العراق هي جغرافية الأحداث التوراتية وليست مصر وفلسطين والأردن !!
عباس ختم حديثه فى مقدمته الأولى أن الأخطاء التوراتية ليست سوى قراءة الحدث وفق جغرافيا مغايرة لجغرافية الحدث نفسه وهو الأمر الذي سوف يكون موضع اهتمامه في باقي الكتاب .

المقدمة الثانية :
بدأ عباس حديثه تحت هذا العنوان عن التاريخ الأسطورة وان الأسطورة تحتوى على الحدث التاريخي ولا يجب إهمالها ولكن يجب تناولها بشىء من التجريد المتمثل فى شخوصها وجغرافيتها وزمن الحدث وهنا سوف نستخلص التاريخ الحقيقى من الأسطورة التاريخية .
يشير عباس إلى عملية خلط الوعى وتزيفه من خلال الأسطورة تم منذ القدم بسبب عدم الاهتمام بالعناصر التجريدية للأحداث من خلال الشخوص والزمن وضرب مثلا لذلك بملحمة " جلجامش" التى اعتمدت على بطل واحد رغم أن وكما يقول عباس بأن طه باقر نبه إلى ان الملحمة جرت فى أزمنة متعددة ومتباعدة زمانيا والمتمعن فيها سيجدها مجموعة كبيرة من الأحداث المتفرقة والمتباعدة فى الزمان ولكن المؤرخ الاشورى فى القرن السابع قبل الميلاد هو من صنع ذلك .
عباس يوضح من خلال ما سبق أن " التوراة" تم " أسطرتها" وتحويلها إلى أسطورة عندما تم تدوين الحدث الذى حفظ وروى شفاهيا حتى جاءت لحظة التدوين للحدث والتى جاءت بعد فترة طويلة فخلط الكتبة بين الحدث الأصلي والأسطورة فى محاولة تهويل الأحداث وتضخيمها وهو ما وضعنا أمام أحداث مؤسطرة، ضاربا نموذجا على ذلك وهو " شمشون " الذى قال عنه شراح التوراة انها أحداث شعبية وأسطورية، ولم يستبعد " المؤلف" مفسروا القرآن من التأثر بهذه الأساطير بل هم ارتكبوا فى بعض الأحيان ما سماه " كوارث" تفسيريه للنص القرآنى والآمر هنا لم يقف بحدود الكارثة عن المفسريين بل تعداه الى اللغويين أيضا .

المقدمة الثالثة:
واصل عباس رحلته فى قراءة صناعة الأسطورة وميلاد الوهم فى تفسير النص المقدس " القرآن" عن المسلمين وكان الطريق إلى ذلك من خلال البحث عن معان لمفردات اللغة، فقواميس اللغة المعنية بفهم المفردات تم تدوينها فى زمن بعيد عن المعنى الأصلي، ودلل على ذلك من خلال أقدم قاموس لغوى لشرح المفردات وهو كتاب ( العين) للفراهيدى المتوفى سنة 786 أى بعد وفاة النبى – 632- بمائة عام وهو الوقت الذى حدث فيه اختلاط بين العرب الأقحاح وبين مسلمين آخرين وفدوا من بلدان أخرى وهم حديثي عهدا بالقرآن واللغة .
والأزمة الثانية فى فهم النص المقدس " القرآن" أن علماء اللغة ارجعوا كل الألفاظ إلى المعنى العربى لها رغم أن بعض الكلمات يمكن فهمها من جذرها الذى آتت منه كالسريانية والحبشية والآرامية مثل كلمة " فرقان" التى تحتار فيها إن آنت بحثت عنها فى معاجم اللغة ولكن هى عند المندئيين تعنى " الخلاص والتحرر" كما هى كلمة " فاروق" التى تعنى " المنقذ والمخلص" .
ويوضح عباس أن الرجوع إلى المصادر السريانية والحبشية والآرامية فى بعض ألفاظ اللغة يمكن أن تصوب لنا جزء من حالة التيه فى تفسير المعان الحقيقية لتلك الألفاظ .
وهذا الكلام لا يعنى أن النص المقدس استورد ألفاظه من خارج العربية ولكن بما أن العرب عاشوا فى بيئات متداخلة مع السريان والمندئيين والأحباش والآراميين فقد دخلت مفردات من هنا الى هناك والعكس وصارت من المفردات الأصلية التى يمكن أن نقول أنها جزء أصيل منها، ومفهوم المعنى وفقا للغة الأصلية قريب الدلالة؛ ولكن مع تغيير الأزمنة لم تعد الكلمة تحمل نفس الدلالة الواضحة التى كانت تحملها لدى الأقدمين .
هنا يقول عباس إن اخطر ما تعرض له القرآن عند تفسيره من خلال المفردات المعاصرة التى أخذت المعنى الحقيقى للكلمة إلى معنى آخر ومفهوم مخالف للمعنى والمفهوم الاصلى للكلمة واستخدامها الصحيح .
وضرب مثل لذلك بكلمة " الحوت" التي هى جزء من محور حديث الكتاب وبحث المؤلف .
المؤلف يقطع بأن ما جزم به القوم – المفسرين – من أن كلمة " حوت" تعنى ذلك الحيوات البحري وهو تفسير حصريا لكلمة الحوت هو تفسير ومعنى خطأ ساهم فى ابعاد العلماء والناس عن الفهم الحقيقي لمعنى الكلمة وزمن ودلالة الحدث الذي هو ( يونس " يونان" والحوت ).
وللحديث بقية



إرسال تعليق

0 تعليقات