آخر الأخبار

ماذا يعنى تحرير طرابلس





ماذا يعنى تحرير طرابلس





د/ سما سليمان

طلق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر العملية العسكرية في 4 أبريل؛ للسيطرة على العاصمة طرابلس لمحاربة الإرهابيين والمتطرفين في غرب البلاد وفي العاصمة، وذلك رغبة من الجيش في بسط سيطرته على ربوع الدولة الليبية، والقضاء على ما بقي من الجماعات المتطرفة التي تحارب الجيش بتمويل من الخارج؛ لاستمرار الفوضى في ليبيا، أو لفرض تفاهمات سياسية لصالح جماعات تريد الوصول للحكم بتمويل خارجي، وليكون ولاؤها لهذه الدول.
توقيت العملية العسكرية:
1- جاءت العملية العسكرية بعد شهر من حوار أبو ظبي في 26 فبراير الذي حضره كل من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، وقد اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا من خلال انتخابات عامة، كما اتفقا على سبل الحفاظ على استقرار ليبيا، وتوحيد مؤسساتها؛ مما يدل على أن الجيش الليبي ماضٍ في تنفيذ ما تم الاتفاق حوله في أبو ظبي من خلال بسط سيطرته على الدولة تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة وإجراء استفتاء حول مسودة دستور في جو من الاستقرار، وفي ظل جيش موحد قادر على تحقيق الأمن للشعب الليبي لاستكمال مسيرته السياسية بدلا من استمرار حالة التنازع على السلطة بين حكومة الوفاق التي تأسست نهاية 2015 بموجب اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة مقرها في طرابلس وتحظى بدعم دولي، وحكومة موازية في شمال شرق البلاد، وانتشار مجموعات مسلحة نافذة، ومجموعات متطرفة، كما تنقسم المؤسسات بين أصحاب النفوذ، وبينها المصرف المركزي.
2- تأتي بعد إطلاق المشير حفتر عملية للسيطرة على جنوب البلاد وهي منطقة صحراوية مهمشة منذ زمن وقد نجح في إقناع العشائر المحلية بالانضمام إليها للسيطرة على سبها كبرى مدن المنطقة وحقل الشرارة النفطي، بعد أن تحولت جنوب البلاد إلى موئل للجهاديين والمهربين؛ ولذا كانت بهدف تطهير المنطقة من الإرهابيين والمجرمين والمجموعات التشادية المتمردة، فضلا عن أن الجنوب أصبح مسرحًا لشبكات مهربي البشر الذين ينظمون عمليات نقل آلاف المهاجرين معظمهم من إفريقيا في زوارق إلى أوروبا لقاء مبالغ مالية ضخمة؛ ما ساهم في تحويل البحر المتوسط إلى مقبرة كبرى.
3- تزامنت العملية مع استعداد الأمم المتحدة لعقد مؤتمر -كما أعرب الموفد الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في 18 يناير 2019- وطني في ليبيا لإنهاء المرحلة الانتقالية، والتمهيد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.


جاءت العملية أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لدعم انعقاد هذا المؤتمر الذي تعتبره الأمم المتحدة ورقتها المهمة لتسوية النزاع في ليبيا، وهذا ما يؤكد حرص المشير حفتر لتمهيد الأرض في ليبيا من خلال تخليصها من الإرهابيين الذين من شأنهم منه مسيرة ما تم الاتفاق عليه في حوار أبو ظبي، وهذا ردا على قول البعض إن عملية طرابلس كان من شأنها تقويض كل الجهود التي دعمت المسار السياسي، ودفع بالوضع السياسي إلى تأزيم قد يصعب احتواؤه.

محاور خطة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس:
المحور الأول: وصول الجيش إلى عاصمة الجبل الغربي، والتي تبعد عن طرابلس نحو 100 كيلومتر جنوب غرب، وتمكن بعد تقدم سريع من أن تصل إلى حدود طرابلس الكبرى في منطقة العزيزية التي تبعد عن مركز العاصمة نحو 40 كم، والتحق بها مقاتلون من منطقة ورشفانة، وبعض المناطق القريبة.
المحور الثاني: هو محور الجنوب، الذي تدير عملياته كتائب تنتسب إلى مدينة ترهونة، 70 كم جنوب طرابلس، التي اشتبكت مع الإرهابيين في منطقة وادي الربيع ضمن محيط طرابلس الكبرى، وبمسافة لا تتجاوز 30 كم عن قلب العاصمة.
المحور الثالث: تقوده قوة منطلقة من مدن صرمان وصبراتة ومناطق أخرى قريبة، وهي مدن ساحلية تقع غرب العاصمة بمسافة 60-80 كم وكانت أولى القوات المتقدمة صوب العاصمة.
المحور الرابع: وهو محور منطقة قصر بن غشير والمطار، ويبعد نحو 30 كم عن وسط طرابلس، وتشارك فيه قوة من قصر بن غشير ومحيطها.
عوامل نجاح الجيش الليبي في السيطرة على طرابلس عسكريا:
1-تأمين هذه المحاور الأربعة من هجوم الإرهابيين.
2-النجاح في الحصول على تأييد شعبي واسع مسانِد للعملية يربك الجماعات الإرهابية، وتكون بمثابة الحاضنة العسكرية والاجتماعية لقوات الجيش.
3-ضم الجموع العسكرية الموجودة في مدن الغرب الليبي ضمن الجيش الليبي الوطني، والسماح لها بالحرب في صفوفه بعد التأكد من صدق توجهها، حيث يوجد ثلاث مناطق عسكرية في الغرب وهي المنطقة العسكرية الوسطى والغربية وطرابلس تابعة لحكومة الوفاق، ويعتبر هذا تطبيقا للاتفاق بين السراج وحفتر بتوحيد المؤسسة العسكرية، ومن ثم يجب انضمامها للجيش الليبي الوطني تحت قيادة المشير حفتر.
4- السيطرة على مدينة مصراتة بقوتها العسكرية التي يتفق المراقبون على أنها قوة حسم ترجح كفة من تسانده.
5- إرباك إمدادات الإرهابيين عبر السيطرة على بعض نقاط عبور مهمة في الجنوب والوسط بالقرب من منطقة الجفرة، 300 كم جنوب مدينة سرت، وهي من أهم المرتكزات اللوجستية للعملية العسكرية.
6- السيطرة على الجفرة جنوبًا وقصف مدرج قاعدة الوطية غربًا.
7- تقليل مدة المعارك، وتقليل عدد القتلى؛ حتى لا يدفع هذا القبائل في الغرب الليبي -وحتى في الشرق- للضغط لوقف الحرب، وحتى لا تلجأ المناطق والقبائل الداعمة للعملية العسكرية تحت الضغوط الاجتماعية إلى سحب أبنائها من جبهات القتال في حال ما إذا طالت مدة المعارك.
8-العمل على حشد التأييد الدولي لعملية الجيش الليبي، واستكمال مهمته لبسط سيطرته على الدولة الليبية.
التداعيات المحتملة للهجوم على طرابلس:
1- التماسك المجتمعي في المنطقة الغربية من خلال الاستمرار في تحقيق الانتصارات ضد الإرهابيين، واستمرار الدعم القبلي للجيش الليبي.
2- تماسك الجيش الليبي والسيطرة على العاصمة؛ مما سيقضي على خيار تقسيم الدولة.
التداعيات العسكرية والسياسية للعملية:
في حالة نجاح العملية العسكرية للسيطرة على العاصمة، فسيكون لها تبعات عسكرية وسياسية جسيمة ستزيد من الموقف العسكري والسياسي للمشير حفتر، وتدفعه خطوات للأمام بعد التقدم الذي حققه بالسيطرة على الشرق والجنوب، وتكسبه مزيدًا من النفوذ من دعم مكونات سياسية واجتماعية وعسكرية مهمة.
بمعنى أن النفوذ العسكري لحفتر والذي عظَّمه من خلال تحالفات مع مكونات عسكرية مناطقية وجهوية في الشرق والجنوب وحتى بعض مدن الغرب سيجعله يحافظ على تماسكه في حال نجاح في السيطرة على طرابلس.
هناك أيضًا الغطاء الإقليمي والدولي الذي حظي به حفتر والذي سيستمر؛ فضلا عن التأييد الذي حصل عليه من أمريكا من خلال تأييد الرئيس رونالد ترامب للعملية العسكرية ضد الإرهابيين، بالإضافة إلى رفض كل من أمريكا وروسيا مشروع قرار لوقف إطلاق النار في ليبيا.
وأخيرا، يمكن القول إن عملية طرابلس عملية مهمة في توقيتها وتداعياتها للقضية الليبية، فليبيا مستمرة بسبب الفرقة بين مؤسساتها وعدم توحيد جيشها وعدم تسليحه في حالة من الفوضى التي كان لها تأثيرها على دول جوارها المباشر وخاصة مصر وتونس والجزائر والسودان، وأيضا لها تأثيرها على أمن البحر المتوسط والدول الأوروبية من خلال الهجرة غير الشرعية، وبالتالي بات استمرار الوضع على ما هو عليه مستحيلا للمجتمع الدولي، ومن ثم فإن الجيش الليبي في حاجة لتأييد دول الجوار وخاصة مصر التي سعت منذ بداية الأزمة إلى توحيد الجيش وبسط سيطرته على الدولة الليبية، فضلا عن ان تأييد أمريكا للعملية سوف يرسل برسالة للدول الإقليمية التي تقوم بتسليح الإرهابيين بالتوقف عن القيام بهذا الدور، بغية تحقيق الاستقرار في الدولة والبدء في العملية السياسية.


إرسال تعليق

0 تعليقات